وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إسرائيل تحتكر مياه نهر الأردن، وآن أوان تقاسمها

Jordan River
حجاج مسيحيون إنجيليون من البرازيل يلوحون بأياديهم أثناء صلاتهم في أحد طقوس التعميد الجماعية في مياه نهر الأردن بمنطقة ياردينت شمال إسرائيل يوم ١٢ أكتوبر ٢٠١٩. المصدر: GALI TIBBON / AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالةً سلطت الضوء على السياسة التي تتبعها إسرائيل على مستوى التحكم بالموارد المائية الخاصة بنهر الأردن. ويقوم صاحبا المقالة مارك زيتون، أستاذ الأمان المائي بجامعة “إيست أنغليا”، ومنى دجاني، طالبة الدكتوراه في السياسات البيئية والتنمية بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، بسرد الأمثلة على هذه السياسة ومنها تخزين المياه واحتكار مياه بحيرة طبريا وحرمان غزة من المياه العذبة.

وكان الأردن قد استعاد مؤخراً منطقتين اعتاد الإسرائيليون زراعتهما لما يزيد عن خمسين سنة. وتحمل المنطقة الأولى اسم الغمر (تُعرف بتسوفار في إسرائيل)، وهي تقع في جنوب البحر الميت في صحراء النقب، أما المنطقة الثانية فاسمها الباقورة (نهاريم) وتقع في بقعةٍ خصبة يتصل بها أحد روافد نهر الأردن الرئيسية.

ويرى زيتون ودجاني أن هاتين المنطقتين لم يكن ليتم احتلالهما في الأصل لولا مياههما التي يحتاج إليها الجيش الإسرائيلي والكيبوتسات للحفاظ على المزارع. فالصدفة لا تتحكم في علاقة إسرائيل بالمسطحات المائية.

أما الذي مكّن من عودة المنطقتين فكان تطبيق البنود بعيدة المدى لمعاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل. إلا أن بعض الأجزاء التي تخص المياه من المعاهدة نفسها كانت قصيرة النظر لسوء الحظ، وتساهم في استمرار العجز المائي للأردن الذي يُعدّ من أكثر بلدان العالم جفافاً.

يأتي ذلك في الوقت الذي يعاني فيه الفلاحون الفلسطينيون من شحّ المياه، إذ يفرض عليهم هذا الوضع اتفاقيات المياه مع إسرائيل ضمن عملية “أوسلو الثانية” في عام 1995. ويزداد الوضع سوءاً مع كل صيف حار حين ينخفض منسوب المياه، وتزداد التوترات.

أما إسرائيل فتملك قرار التفاوض للتوصل إلى اتفاقيات أكثر عدالة، ويعود السبب في ذلك إلى تحكّم تل أبيب في أغلب كميات المياه على الرغم من أنها أقل مَن يحتاج إليه. إلا أن ما يتوجب علينا مناقشته هو المنطق الذي يتحكم في هذه الاتفاقيات في المقام الأول، لا سيما وأن هذا المنطق يعتمد في جوهره على العقيدة الاقتصادية التي لا ترى في الماء أكثر من سلعة تُباع أو تُتداول، ناهيك عن الاعتماد عل أيديولوجيا سياسية تركز على الاحتفاظ بالمياه قدر الإمكان.

أكثر من يحتاج المياه أقل من يحصل عليها

يظهر أثر تسليع المياه في الباقورة كوضوح الشمس. إذ يجري نهر اليرموك غرباً ليلتقي بالتيار الرئيسي لنهر الأردن الذي يواصل جريانه جنوباً بين المملكة الأردنية من جهة وإسرائيل والضفة الغربية الفلسطينية من الجهة الأخرى. لكن في هذه الأيام لا يستفيد المزارعون في سوريا والأردن من نهر اليرموك، بل يمتص المزارعون الإسرائيليون كل قطرةٍ منه في خزانهم.

ويعاني نهر الأردن نفسه من الجفاف منذ عام 1964، حين احتكرت إسرائيل استخدام بحيرة طبريا (تعرف أيضا ببحر الجليل أو بحيرة كينيرت) بالقرب من مصدر النهر. ومنذ ذلك الحين، يموت البحر الميّت مع الأسف عند نقطة انتهاء النهر.

واستطاع الإسرائيليون خلال هذا الوقت ابتكار تقنيات عالية للري بالتنقيط، وطبقوا مخططات رائعة في إعادة استخدام مياه الصرف، وبنوا الكثير من محطات تحلية المياه، ما دفع المعلقون للقول بأن إسرائيل تتمتع بفائضٍ كبير من المياه.

Baqura jordan
صورة تم التقاطها من الجانب الإسرائيلي من الحدود وتظهر جنود أردنيين يصلون أمام علم بلادهم في أحد الفعاليات التي تم تنظيمها في منطقة الباقورة “نهاريهم” الموجودة على شرق نهر الأردن وذلك يوم ١١ نوفمبر ٢٠١٩. المصدر: MENAHEM KAHANA / AFP.

في المقابل، يتزايد عطش الأردن الذي يستضيف ملايين الفارين من حروب الكويت والعراق وسوريا. كما أنه يفتقر إلى المياه السطحية، وهو ما يدفعه إلى تحلية المياه من ساحله الصغير على العقبة. ويجري تشجيع الأردن على ضخ المياه باهظة الثمن من هناك إلى مدينة إيلات الإسرائيلية المجاورة مقابل إعادة ضخ إسرائيل المياه العذبة للأردن من بحيرة طبريا (المتنازع عليها).

أما سكان الضفة الغربية من الفلسطينيين، فإنهم يحصلون الآن على كميات مياهٍ أقل مما اعتادوا الحصول عليه عندما تم توقيع اتفاقية أوسلو الثانية. وتكلفة تحلية المياه باهظة لغالبية أهل غزة، كما تلوث مياه الصرف المياه الجوفية، وتخلق الجراثيم مجالاً حيوياً ساماً. إزاء كل هذا، تبيع إسرائيل لغزة كمياتٍ قليلة من المياه العذبة، إلا أن معظم المياه التي تمر من بحيرة طبريا إلى 200 كيلومتر شمالاً، على مرأى من سكان القطاع لكن بعيداً عن متناولهم، تتوقف عند الحدود لتُستغل في زراعة البطاطا التي يتم تصديرها لأوروبا (ذات الوفرة المائية).

اللوم يقع على الأيديولوجيا لا على التغير المناخي

ثمة ميلٌ لإلقاء اللائمة على تغيّر المناخ أو اللاجئين عندما يتم اللجوء على هذا النوع من السياسات المائية، وغالباً ما يعزى هذا الأمر لعدم قدرة هذين العاملين على الرد، علماً بأن من خلق هذه الفوضى هم نفسهم من يستطيعون تغييرها ويقدرون على ذلك.

وفي الوقت الذي لا تحتاج فيه الدولة الإسرائيلية إلى كل هذه المياه، فإن توزيع السيطرة على نهر الأردن وما يرتبط به من طبقات المياه الجوفية يظل انعكاساً للقوة النسبية بين الدول المتنافسة. فإسرائيل تتحكم في بكميةٍ مياه أكبر مما يتحكم فيها الأردن وفلسطين مجتمعتين، علماً بأن إسرائيل تتحكم بأكثر من ضعف ما تستحقه إذا طبقنا معايير اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية لعام 1997.

ويشير هنا صاحبا المقالة إلى عدم التزام إسرائيل بالوعد الذي قطعته للأردن في اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين عام ١٩٩٤ على مستوى إعادة المياه. أما في الضفة الغربية، فيتضح خيار إسرائيل بتخزين المياه من خلال لجنة المياه المشتركة الفلسطينية الإسرائيلية التي أنشأتها أوسلو. وتوافق هذه اللجنة على مد خطوط المياه التي تحتاج إليها كل مستوطنة إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية، بينما تمنعها عن مشاريع القرى الفلسطينية، وهذا يدل على أن المياه أصبحت وسيلة فعالة للاحتلال أو حتى للتطهير العرقي.

تحدّى الأيديولوجيات، ومزّق الاتفاقيات

يسهل التذرّع بتوجيهات اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية إذا كان كل ما نحتاج إليه لإنهاء الصراع على نهر الأردن هو تحديث الاتفاقية، إلا أن الاتفاقية ذكرت تفاصيل تقاسم المياه بطريقة “منصفة ومعقولة” وجميع الدول المعنية وقعت عليها ما عدا إسرائيل.

لكن قبل ذلك، لا بد من أن نواجه فكرة أن المياه سلعة يمكن تخزينها أو بيعها لأعلى سعر. ولا تكفي الحقائق والأدلة إذا نظرنا إلى عمق ترسخ هذه الممارسة في المؤسسات السياسية والاقتصادية في المنطقة. لكن يمكن للباحثين تسليط الضوء على الأضرار الناجمة عن سياسة المياه، ويمكن لعلماء البيئة التساؤل عن مدى عقلانية تصدير المحاصيل المزروعة في الصحراء لأوروبا. ومهمتنا أخيراً هي استبدال أيديولوجيات التعمية بشعور عميق بالعدالة، حتى يكون التقسيم الظالم للمياه غير مقبول تماماً كالعبودية.

ويختتم زيتون ودجاني مقالتهما بالتالي: “ستأتي التشريعات والسياسات المطلوبة من تلقاء ذاتها حالما يلوح هذا أفق هذا المستقبل. هذا الأمر حدث في الباقورة والغمر، ويمكن له أن يحدث كذلك مع المياه”.

“الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر فنك”.