وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المظاهرات الأردنية: إعادة النظر في الربيع العربي ووضع معيار جديد

Translation- Jordanian protests
المتظاهرون يرفعون العلم الأردني أمام ضباط الشرطة الأردنيين أثناء مظاهرةٍ تم تنظيمها بالقرب من مكتب رئيس الوزراء في العاصمة الأردنية عمّان يوم 5 يونيو 2018. المصدر: AFP.

نشر جيمس دورسي، الباحث البارز في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية، مقالةً على مدونته في موقع “Mideastsoccer.blogspot.com” سلّط فيها الضوء على أوجه التشابه بين الأسباب التي أدت لاندلاع احتجاجات “الربيع العربي” وما يشهده الأردن من تظاهرات حالية.

وبحسب دورسي، فإن المظاهرات، التي دفعت رئيس الوزراء الأردني هاني الملقي لتقديم استقالته وكشفت ما يواجهه الأردن من أزمةٍ اقتصادية وسياسية منهجية، تسّلط الضوء من جديد على الأسباب الكامنة وراء ما شهدته المنطقة من مظاهراتٍ شعبية حاشدة في عام 2011. وكانت هذه الاحتجاجات قد بدأت بالظهور منذ ذلك الحين على المستويات المحلية، وذلك في منطقةٍ واسعة تمتد من المغرب إلى مصر.

وأدت الاحتجاجات، التي أشعل فتيلها ارتفاع الأسعار والزيادات الضريبية، إلى نزول أعدادٍ كبيرة من المتظاهرين من أبناء الطبقة الوسطى إلى الشارع، إذ شعر هؤلاء بما تواجهه معيشتهم ومصادر رزقهم من تهديد. ولم يكن استبدال رئيس الوزراء الملقي بوزير التربية عمر الرزّاز أمراً كافياً لتهدئة الاضطرابات، على الرغم من كون الرزّاز إصلاحياً وموظفاً سابقاً في البنك الدولي.

ويطالب المتظاهرون بإلغاء الزيادات الضريبية المقترحة بشكلٍ كامل، والتي تتضمن رفع الضريبة على دخل الموظفين بنسبة 5%، بالتزامن مع رفع الرسوم الضريبية المفروضة على الشركات بما يتراوح بين 20 و40%. ويأتي هذا القرار بالتماشي مع شروط القرض الذي قدّمه صندوق النقد الدولي للأردن بقيمة 723 مليون دولار أمريكي في عام 2016، علماً بأنه يتوجب على عمّان دفع هذا القرض في مدةٍ زمنية أقصاها ثلاث سنوات.

ويرى جيمس دورسي أن شعارات ومطالب المتظاهرين تخفي وراءها دعوةً للتعبير بشكلٍ أكبر عن رأي الناس في شؤون الدولة، في الوقت الذي ينفرد فيه الملك عبد الله بعملية إعادة صياغة العقد الاجتماعي للأردن نتيجة ما تواجهه هذه الدولة من متطلباتٍ اقتصادية وتحولات جيوسياسية كبرى.

وبحسب صاحب المقالة، فقد وضعت مطالب المحتجين الملك عبد الله بين المطرقة والسندان. فالأردن الذي اعتمد طوال تاريخه على المساعدات الأجنبية، والذي حُرم مما كانت تقدمه له المملكة العربية السعودية والدولة الخليجية الأخرى من مساعدات نتيجة رفض الملك عبد الله الانصياع للسياسات السعودية الرامية إلى ترسيخ هيمنة الرياض على المستوى الإقليمي، لم يعد أمامه سوى خيار الاعتماد على موارده الخاصة، وهو ما دفع عمّان إلى اقتراح الزيادات الضريبية التي تم التطرّق لها سابقاً في هذه المقالة.

وفي الوقت الذي قد تكون فيه محنة الأردن الاقتصادية شديدة الوطأة إذا ما تمت مقارنتها بما عليه الحال في الدول الأخرى الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، فإن نهج إعادة كتابة العقود الاجتماعية بصورةٍ أحادية لا يقتصر على الأردن. ويعتبر هذا النهج سائداً في الدول المماثلة لمصر التي لجأت إلى صندوق النقد الدولي لإغاثتها، وفي دول الخليج التي تحاول عبثاً تحسين رفاهيتها الدائمة في إطار ما تقوم به من محاولات لتنويع اقتصاداتها وخفض الاعتماد على العمالة الأجنبية والوافدة.

ولا يقتصر وجه التشابه الوحيد بين الأردن والدول الأخرى الموجودة في منطقة الشرق الأوسط على العقود الاجتماعية. وتنطوي هذه العقود على توفير الدولة لوظائف القطاع العام، والتعليم والخدمات الصحية مجاناً، وما يتم دعمه من الأغذية والوقود، مقابل ما يتم سحبه من الحقوق السياسية والقبول باحتكار النخبة وفرض بقائها في موقعها عن طريق الإكراه.

وتقتصر محاولات الإصلاح في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية. وبحسب دورسي، فإن ما يتم تنفيذه من إصلاحاتٍ على هذا المستوى يتزامن مع تنامي الإجراءات القمعية الكبيرة في الدول المماثلة للسعودية، والإمارات ومصر. ويأتي تطبيق هذه الإجراءات القمعية في محاولةٍ من هذه الدول لسحق أي دعوة للإصلاح السياسي ضمن أي عملية تغييرٍ تؤثر بشكلٍ مباشر على حياة الناس.

ولا تتشابه العوامل الكامنة وراء اندلاع الاحتجاجات الأردنية فحسب مع الدوافع الكامنة وراء احتجاجات عام 2011 التي أطاحت في بداياتها بزعماء تونس ومصر وليبيا واليمن واندلعت كما النار في الهشيم على المستوى الجغرافي من الساحل الأطلسي لإفريقيا وصولاً إلى الخليج. بل إنها تؤكد أيضاً ما خرج به تقريرٌ صدر مؤخراً عن البنك الدولي بعنوان “ثورات الغضب الشعبي: اقتصاديات الربيع العربي وعواقبها” من استنتاجات. ويرى التقرير أن الأسباب الرئيسية الكامنة وراء وقوع الاحتجاجات تتمثل في تآكل دخل الطبقة الوسطى، وعدم الرضا عن جودة الحياة، ونقص الوظائف الرسمية في القطاع العام، وفي الفساد، وبصورةٍ أكبر من الفقر وعدم المساواة في الدخل.

وساهم المهمشون والفقراء بصورةٍ أكيدة في تعبئة احتجاجات عام 2011 وكذلك فيما شهده الأدرن مؤخراً من مظاهرات، خاصةً وأن معدلات البطالة في الأردن تزيد عن 10%، في الوقت الذي يعيش فيه 21% من أبناء هذه الدولة تحت خط الفقر. ويأتي ذلك بالتزامن ما واجهته الخدمات وعمليات التمويل من أعباء نتيجة تدفق ما يزيد عن 2 مليون لاجئ، منهم 600 ألف سوري إلى الأردن.

Translation- King Abdullah II
العاهل الأردني عبد الله الثاني مع رئيس الوزراء السابق هاني الملقي في حفل غداءٍ رسمي بالقصر الملكي في العاصمة عمّان يوم 1 مايو 2018. المصدر: AFP.

وتستبعد إيلينا إيانتشوفيتشينا، الخبيرة الاقتصادية في البنك الدولي ومؤلفة التقرير السابق “أن يكون ارتفاع وتنامي مستوى انعدام المساواة سبباً من الأسباب التي أدت إلى انتفاضة الربيع العربي”. وأضافت الخبيرة الاقتصادية التي تعمل في البنك الدولي إن “يُظهر تحليل ديناميكيات الرفاهية في السنوات السابقة لاندلاع الانتفاضات الشعبية أن المشكلة الحقيقة تتمثل في تآكل دخل الطبقة الوسطى.. إذ تراجع دخل هذه الطبقة أو بقي خلف ما تحصل عليه المجموعات المرفهة الأخرى من دخل”.

وبصورةٍ مماثلة لما عاشه الأردن في أعقاب تدابير التقشّف التي اتخذتها الحكومة، تفترض إيانتشوفيتشينا أن “الطبقة الوسطى واجهت الكثير من الضغوط بالتزامن مع تقلّص حالة التوافق التي كانت تعيشها هذه الطبقة”.

وتصل إيانتشوفيتشينا إلى استنتاجها عبر استكشاف مقاييس الرفاهية البديلة التي تستحوذ على ما يجول في خواطر الناس من أفكار حول مفاهيم السعادة والرفاهية. وتقول إيانتشوفيتشينا: “شعر الناس بأنفسهم وكأنهم مقيّدون عشية انطلاق الربيع العربي. وشعر أبناء الطبقة الوسطى خاصةً بإحباطٍ أكبر تجاه جودة الحياة في دولهم. وتراجع مستوى رضا الناس عن حياتهم بشكلٍ ملحوظ قبيل أحداث الربيع العربي”.

وترى إيانتشوفيتشينا أن الطبقة الوسطى “تربط هذا التطوّر المحزن بتصورات تدني معايير الحياة، لا سيما تدهور جودة الخدمات العامة وظروف سوق العمل، وتنامي عدم رضا الناس عن الفساد المرتبط بعدم قدرتهم على العمل دون الوساطة، أي دون التمتع بعلاقات وروابط مع النخب القوية العاملة في السياسة وقطاع الأعمال… وفي الوقت الذي أثّرت فيه هذه المظالم بشكلٍ سلبي على مستوى رضا الناس عن حياتهم، فقد كانت من الأعراض المرتبطة بانكسار العقد الاجتماعي”.

وتضيف إيانتشوفيتشينا: “تم فرض العقود الاجتماعية عن طريق الإكراه، في الوقت الذي ولّد فيه الإقصاء حالةً من الغضب حول حالة الحرمان النسبية بين ذوي العلاقات وغيرهم من الناس الذين لا يحظون بنفس المستوى من الصلات. وأدى انكسار العقد الاجتماعي إلى جانب السببين السابقين إلى تعاظم قيمة الحرية وإيجاد قوةٍ دافعة باتجاه إحداث التغيير السياسي. وعلى هذا النحو، فقد أدى العقد الاجتماعي المنكسر، لا انعدام المساواة، إلى اندلاع انتفاضات الربيع العربي”.

وينطبق تحليل الخبيرة الاقتصادية على الثورات العربية وعلى الأردن على حدٍّ سواء. وبحسب ما ذكرته إيانتشوفيتشينا في تقريرها فإن العقود الاجتماعية “باتت غير مستدامة نتيجة ظهور الاختلالات المالية المستمرة”. وتضيف الخبيرة الاقتصادية العاملة في البنك الدولي: “لم يعد في مقدور القطاع العام أن يكون رب العمل المفضّل، وبات نظام الإعانات العامة للطاقة والغذاء يشكّل عبئاً مالياً. ولذلك، فقد تم تمرير بعض الإصلاحات للحد من نمو التوظيف في القطاع العام وخفض تكاليف الدعم… ولم يعد في مقدور الشباب الاعتماد على التوظيف في القطاع العام بعد التخرّج من الجامعات. إلا أن القطاع الخاص لم يقم بتوليد ما يكفي من الوظائف لاستيعاب العدد الكبير من الناس الذين يدخلون سوق العمل”.

ويشير دورسي إلى أن استبدال رئيس الوزراء الملقي فشل بنزع فتيل الاحتجاجات في الأردن، لافتاً إلى أن تهدئة المتظاهرين بالتغييرات التجميلية لم يعد أمراً ممكناً. ويضيف صاحب المقالة: “يبدو أنهم يطلبون تغييراً منهجياً قد ينطوي على قدرٍ أكبر من الشفافية والمحاسبية والمشاركة السياسية. وبذلك، يمكن للمتظاهرين أن يقوموا بوضع الأساس لمعيارٍ جديد في عملية التحوّل السياسي الملتوية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.

وبحسب دورسي، فإن الاستنتاج الذي توصلت له إيانتشوفيتشينا في تحليلها المتعلق بدول الربيع العربي ينطبق على الأردن.

وتقول إيانتشوفيتشينا في تقريرها: “سيلعب بناء مؤسساتٍ تستقطب الجميع دوراً حاسماً في نجاح العقد الاجتماعي الجديد، وهو ما سيؤدي إلى الاستقرار، والنمو الاقتصادي، والازدهار المشترك… وينبغي بناء نموذج الحوكمة الجديد الذي يقود إلى الأمان على أساس مزيجٍ متوازن من المؤسسات الساعية للإدماج وخلق العوامل المحفّزة للتعاون، والتسوية العادلة للنزاعات، وسياسات إعادة التوزيع التي تستهدف الشرائح الأكثر تهميشاً من المجتمع، بالإضافة إلى مؤسسات إنفاذ القانون التي تحمي وتحترم حقوق المواطنين كافة”.

واعترف الملك عبد الله بأن بلاده على مفترق طرق، مؤكداً وقوفه إلى جانب شعبه. وشدّد العاهل الأردني على “الحاجة للتعامل مع التحديات بطريقةٍ جديدة، بعيداً عن الأسلوب التقليدي”.

ويختم دورسي مقالته بالقول: “سيتطلب هذا الأمر وجود إرادةٍ سياسية تكفل الاستفادة من المصالح المكتسبة وتجعل التغيير السياسي دعامةً من دعامات عملية الإصلاح. ودون أدنى شك، فإن إرادة الملك عبد الله وقدرته على تطبيق التغيير باتت على المحك”.