عادل مجاهد
فقدت العملة اليمنية (الريال) أكثر من 300% من قيمتها خلال السنوات الخمس الأخيرة، بعدما اقتربت من حاجز الـ 900 ريالًا للدولار الأمريكي الواحد مقابل 215 ريالًا للدولار عام 2015، في المناطق الواقعة تحت سيطرة ما يطلق عليها السلطة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي. وحسب تقديرات لخبراء اقتصاديين، من المرشح أن يفقد الريال نحو 46% أخرى من قيمته مع نهاية العام الحالي.
ويعد اليمن من أفقر دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تصنفه الأمم المتحدة من بين البلدان الأقل نمواً على مستوى العالم.
والبلد القائم بشكل رئيسي على الاقتصاد الريعي والمساعدات الدولية، يعاني ضعفًا في الموارد النفطية؛ كما يعاني تاريخيًا من مشاكل هيكلية تتعلق بالفساد وسيادة الولاءات القبلية والنزاعات المحلية، إنْ في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية وحلفائها، أو تلك التي تسيطر عليها جماعة “أنصار الله” – الحوثي منذ سبتمبر 2014.
وكنتيجة للصراع الدائر بين الطرفين، سجل الناتج المحلي الإجمالي للبلاد -مقومًا بالأسعار الثابتة- انخفاضًا بنحو 38% بين عامي 2014 و2018؛ منها 27.6% خسرها الاقتصاد اليمني خلال العام 2015 على وجه الخصوص وفقًا لبيانات البنك الدولي. ذلك العام الذي شهد انطلاق العمليتين العسكريتين “عاصفة الحزم” و”إعادة الأمل” بتحالف خليجي بقيادة السعودية ضد المتمردين الحوثيين، لإيقاف زحفهم باتجاه مدينة عدن جنوب البلاد.
ومع تراجع سعر صرف الريال على وقع العمليات العسكرية المستمرة، وتفاقم الأزمات على خلفية الانقسام المصرفي بعد سيطرة الحوثيين على البنك المركزي اليمني في العاصمة صنعاء (سبتمبر 2016)، فقَد كلا الطرفين السيطرة على سعر صرف العملة المحلية، ما حدا بهما إلى اتخاذ قرارات شبه متزامنة بتعويم العملة المحلية وإخضاع سعر صرفها لقوى العرض والطلب.
تباينت معدلات التضخم في مناطق السيطرة والنفوذ لكلا الطرفين بشكل كبير، ما انعكس بطبيعة الحال على حياة اليمنيين الذين يعيشون ظروفًا مأساوية، تستفحل يومًا بعد يوم مع تصاعد الأزمات الاقتصادية، التي وصفتها منظمات دولية بالمدمرة، وعلى وقع ريالين بقيمتين مختلفتين ريال الشرعية وريال المتمردين.
وبالنتيجة بلغ معدل التضخم التراكمي خلال السنوات الخمس الماضية في العاصمة صنعاء وأماكن تمركز المتمردين الحوثيين نحو 180%، في حين تجاوز الـ 300% في محافظة عدن ومناطق تمركز الحكومة الشرعية وحلفائها.
فعلى الجانب الشمالي أعاد الحوثيون ضخ المليارات من الفئات النقدية التالفة والمتهالكة، إلى التداول من جديد، والتي كانت حجبتها حكومات سابقة من أجل إعدامها في وقت لاحق. كما أعاد الحوثيون ضخ مليارات أخرى من فئة 200 ريال و50 ريالًا، كانت سُحبت من التداول في سنوات سابقة وتم استبدالها بعملة جامعة من فئة 250 ريالًا، الأمر الذي ساهم في ارتفاع معدلات التضخم في أماكن سيطرة الحوثيين وانخفاض سعر صرف الريال.
وعلى الجانب الآخر، أقدمت السلطة في عدن على طباعة وإصدار وحدات نقدية بفئات مختلفة، وفق نموذجين، أحدهما مطابق للنموذج المتداول، وآخر جديد بنموذج مختلف يحمل الفئات 100، 250، 500، و 1000 ريال، دون غطاء نقدي أو سلع وخدمات.
يذكر أن جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء حظرت حيازة او تداول الريال اليمني الجديد بفئاته المختلفة في يناير من العام الجاري.
ولم تستطع الوديعة السعودية البالغة 2 مليار دولار، التي حصل عليها البنك المركزي اليمني في عدن (مارس 2018)، الحد من تدهور سعر صرف الريال اليمني في مناطق حلفائها، وتقويض التضخم المتزايد. حيث تم توجيه الوديعة الدولارية لدعم مستوردي المشتقات النفطية والسلع الأساسية بأسعار تفضيلية تتراوح بين 440 و500 ريال للدولار بفارق يقل عن سعر السوق بنحو 30%. وترافق ذلك مع النقص الحاد في الاحتياطي النقدي، وانخفاض تحويلات المغتربين وخاصة في السعودية نتيجة تباطؤ النشاط الاقتصادي في بلد يستضيف عددًا كبيرًا من العمالة اليمنية.
فبين رحى ريالين، ريال الشرعية وريال الحوثيين، والتباين الكبير في معدلات التضخم بين منطقتي النفوذ، لم تزل عظام اليمنيين تُطحَن في شتى بقاع اليمن، تتنازعها قوى إقليمية ومحلية، ويتقاذفها اقتصادان.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.