وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

معالجة ظاهرة التطرّف العنيف في تونس بحاجة إلى جهود أكبر

Translation- Attack Tunisia
مشيعون يحملون نعش ضابط الشرطة التونسي عربي قويزاني خلال موكب جنائزي في ضاحية التضامن شمال غربي العاصمة تونس يوم 9 يوليو 2018. ولقي ستة عناصر من قوات الأمن التونسية مصرعهم يوم 8 يوليو في “هجوم إرهابي” وقع بالقرب من الحدود الجزائرية، وهو أخطر حادث تشهده البلاد منذ عامين. المصدر: AFP.B

نشر مركز الدراسات الأمنية التابع للمعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ مقالة سلّطت الضوء على الأسباب التي أدت إلى بروز ظاهرة التطرّف العنيف في تونس. وتقوم صاحبة المقالة الدكتورة ليزا واتانابي، وهي من كبار الباحثين الذين يركزون على منطقة شمال إفريقيا في المركز، باستعراض الحلول التي يمكن أن تتبعها السلطات التونسية للتعامل مع هذه الظاهرة، بالتزامن مع التطرّق إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه سويسرا في هذا الجانب.

وبحسب واتانابي، فإنه يتوجب القيام بالكثير من الأمور لمعالجة الأسباب الجذرية للتطرف في تونس. ويمكن أن تقدّم سويسرا مساهمةً فاعلة في هذا الجانب عبر خلق المساحات المخصصة للحوار، والتركيز على المستوى الشعبي ودعم البحث.

وتبدأ واتانابي مقالتها بالإشارة إلى أن تونس تحمل في جنباتها الكثير من الأمل، خاصةً وأنها الدولة العربية الوحيدة التي اتخذت مساراً ديمقراطياً بالفعل في أعقاب ثورات “الربيع العربي“. وشهدت هذه الدولة إجراء العديد من الانتخابات الحرّة والنزيهة وتبنّي دستور جديد، علماً بأنه ستجري قريباً انتخابات بلدية قد تعزّز بشكلٍ أكبر من حالة الانتقال الديمقراطي التي تشهدها تونس. ومع ذلك، ما تزال هذه الدولة تواجه عدداً من التحديات، ليس أقلها التطرّف الجهادي. وعانت تونس من حوادث إرهابية كبرى في عام 2015، تبعتها هجمات المتمردين التي تم شنها بالقرب من الحدود مع ليبيا في عام 2016، وهو ما أدّى إلى توجيه ضربةٍ قويّة للاقتصاد التونسي. وبحسب صاحبة المقالة، فإن التونسيين يشكلون نسبةً كبيرة من المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق وليبيا، حيث انضم العديد منهم إلى صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية”. وعلى الرغم من عودة نسبةٍ من هؤلاء المقاتلين إلى وطنهم الأم، إلا ان السلطات التونسية ليست على دراية سوى بالقليل منهم. وفي الوقت الذي قامت فيه تونس ببذل جهود كثيرة لمكافحة الإرهاب، إلا أنها ما تزال مطالبة بالكثير لمعالجة أسباب التطرّف فيها. وتعهّدت سويسرا بتعزيز تعاونها مع تونس في مجال مكافحة الإرهاب المتطرّف. وترى واتانابي أن سويسرا مطالبة بالتركيز على الإجراءات التي تتحلى فيها بالخبرة مثل خلق مساحات الحوار، والعمل على المستوى الشعبي، ودعم الأبحاث.

نقاط رئيسية

– يبدو أن هناك عدداً من العوامل التي تساهم على المستوى الوطني في التطرّف، حيث بدأت السلطات التونسية بالتعامل مع بعض هذه العوامل، لا سيّما عبر الجهود المبذولة لاستعادة السيطرة على الفضاء الديني والشروع بإصلاح قطاع الأمن.

– ومع ذلك، فإن هناك الكثير من الأشياء التي ينبغي القيام بها، وبشكلٍ خاص على مستوى تحسين العلاقة بين الشباب والشرطة، والحد من التهميش الاجتماعي والاقتصادي في المناطق المحرومة، وتعزيز الثقة بالنخبة السياسية.

– كما لا بد من الخروج بمنهجية أكثر توازناً للتعامل مع العائدين من سوريا والعراق وليبيا، وبما يكفل الجمع بين التجريم وتفكيك التطرّف وإعادة الاندماج.

– وتستطيع سويسرا أن تساهم في هذا الجانب عبر خلق مساحة للحوار بين الشباب والشرطة على المستوى المجتمعي، فضلاً عن الجهود الرامية إلى دمج الشباب في الاقتصاد الرسمي ضمن المناطق المهملة، ومشاريع المشاركة المدنية التي تسهّل مشاركة الشباب وتعزّز من الاستجابة الحكومية على المستوى المحلي، ودعم البحوث الإضافية التي تتناول العوامل السياقية والجنسانية للتطرّف في تونس.

التعرّف على الأسباب

Translation- Tunisian police
عناصر من الشرطة التونسية يقومون بالحراسة خارج مبنى محكمة تونس يوم 26 مايو 2017، حيث تم يومها عقد جلسة الاستماع العلنية الأولى لمحاكمة 33 شخصاً على صلة بالهجوم الجهادي على مدينة سوسة الشرقية، ما أسفر عن مقتل العشرات من السيّاح الأجانب. المصدر: AFP.

على الرغم من الحجم الضئيل لما تم إجراؤه من دراساتٍ على التطرّف العنيف في تونس، إلا أن هذه الدراسات تطلعنا على عددٍ من الأمور. وبصورةٍ مماثلة لما عليه الحال في معظم السياقات القطرية الأخرى، فإنه لا تتواجد أمامنا خطوط عامة واحدة لوصف جميع المتطرفين العنيفين. وعلى ما يبدو، فإن مستويات التعليم والخلفيات المهنية للأفراد المدانين بأنشطةٍ إرهابية تختلف إلى حدٍّ كبير. وبالمثل، ترى واتانابي أن المرء لا يسلك طريقاً واحداً ليصل إلى التطرّف العنيف. وبحسب صاحبة المقالة، تجتمع على الأرجح مجموعةٌ معقّدة من العوامل المرتبطة بالتشكيل النفسي والاجتماعي للفرد ووسطه “أو وسطها” المحيط والسياق الوطني ذي النطاق الأوسع بطرقٍ مختلفة، وبما يؤدي إلى التطرّف.

ومع ذلك، يساهم عددٌ من العوامل في التطرّف في تونس، وغالباً ما ترتبط هذه العوامل بالسياسات السابقة والحالية. وتجدر الإشارة إلى أن بعض هذه العوامل كان ظرفياً ولم يعد يلعب الدور نفسه الذي اعتاد القيام به سابقاً، لا سيما فقدان السيطرة على المئات من الجوامع وتركها للخطباء المتطرفين، فضلاً عن تواجد عدد أكبر من الفرص لوعظ الناس بشكلٍ علني، وهو الأمر الذي اتسمت به السنوات التي تلت عزل الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي من منصبه.

وترتبط بعض العوامل الأخرى بماضي تونس غير البعيد، إلا أنها ما تزال وثيقة الصلة بما يحدث في يومنا هذا. وأدى إضعاف الفضاء الديني الرسمي وتسييسه في حقبة بن علي إلى حرمان ممثليه من القدرة على تقديم الإرشاد الديني الموثوق والذي يمس قلوب السكان الذين كانوا مجهزين بأدنى حد من التعليم الديني الرسمي. وسعى الباحثون عن الإلهام الروحي للحصول على الإرشاد في أماكن أخرى، لكنهم قاموا بذلك وهم يفتقرون إلى الأدوات السليمة التي يمكن من خلالها التعامل مع ما يواجه الإسلام من تضليل، لا سيما المعرفة السليمة بمبادئ الإسلام والتفكير النقدي.

وبحسب الأشخاص المدانين بأنشطةٍ ترتبط بالإرهاب، فقد كان العداء العميق للشرطة والقوات الأمنية من العوامل التي دفعهم نحو التطرّف. بصورةٍ مماثلة، يعبّر الشباب الذين يتأثرون بسرعة بالتطرف عن مشاعر سلبية تجاه الشرطة، حيث تشكّلت هذه المشاعر في أغلب الأحيان نتيجة فساد الشرطة والتفاعلات العنيفة مع ضباط الشرطة وإيقافهم وتفتيشهم دون سببٍ واضح. كما أن التجاوزات الملموسة في سياق إجراءات مكافحة الإرهاب المعزّزة منذ عام 2015 ستقوم على الأرجح بتغذية هذا النوع من التصوّرات المرتبطة بالاضطهاد والظلم بشكلٍ أكبر، وبما يصبّ الزيت على النار.

وإلى جانب التفاعلات السلبية مع الشرطة، يبدو أن التهميش الاجتماعي والاقتصادي من السمات المشتركة بين أولئك الذين تمت إدانتهم بتهم الإرهاب وأولئك الذين يسرع تأثرهم بالتطرّف. ويمكن ربط هذا النوع من التهميش بسهولة مع نقص فرص عمل الشباب، لا سيما أولئك الذين يعيشون في المناطق التي تعاني بشكلٍ تقليدي من التهميش من الناحية الإنمائية، وبشكلٍ خاص في المناطق الداخلية والغربية والجنوبية من الدولة. كما أن مشاعر الإحباط المرتبطة بعدم وجود الرؤية الاقتصادية تتفاقم نتيجة نقص الفرص الثقافية التي تتيح للشباب تطوير علاقاتهم الاجتماعية وكسب التقدير الاجتماعي في غياب الوضع الوظيفي.

وغالباً ما يتشابك التهميش الاجتماعي والاقتصادي مع الشعور بالسخط تجاه النخبة السياسية. ويربط الشباب الذين يتأثرون بسرعة بالتطرف بين نقص الفرص الاقتصادية وفساد المسؤولين المحليين على وجه الخصوص. وبحسب ما يراه العديد من الشباب، فإن الوظائف تذهب إلى الأشخاص الذين يحظون بصلاتٍ جيّدة، وليس لصالح الأكثر تأهيلاً. ولا يظهر الإحباط من المسؤولين بشكلٍ واضح على المستوى المحلّي فحسب، بل أيضاً على المستوى الوطني. ويبدو أن الشباب المعرّضين للتطرف قد فقدوا ثقتهم بصدق ونزاهة السياسيين، وكذلك بالعملية السياسية كوسيلة يمكن الاعتماد عليها لإحداث التغيير.

وأدّت المظالم المرتبطة بهذه العوامل الهيكلية إلى خلق هياكل محفّزة تم استغلالها بسهولة، وذلك بسبب العوامل الظرفية والوضعية على المستوى الإقليمي، لا سيما إنشاء المناطق التي سيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق والجارة ليبيا. وترى واتانابي أن بروباغندا “الدولة الإسلامية” حققت نجاحاً كبيراً على مستوى الاستفادة من هياكل هذه الحوافز. وكان التنظيم قد وعد بتحقيق الغاية السياسية وتأمين الهيبة المجتمعية المكتسبة عبر القتال لقضيةٍ أكبر، والشعور بالانتماء لدى الوصول إلى “دولة الخلافة”، والمزايا المادية، بما في ذلك الرواتب والإسكان.

معالجة الأسباب

اتخذت السلطات التونسية عدداً من الخطوات الكفيلة بمعالجة بعض هذه العوامل السببية. وتم القيام بالكثير لمحاولة الحد من فرص تجنيد المقاتلين، بما في ذلك إعادة الاعتماد على منهجية تعيين الأئمة بشكلٍ رسمي في المساجد التي أفلتت من سيطرة السلطات، وإغلاق المؤسسات الخيرية الإسلامية التي لها صلات بالإرهاب وتصنيف حركة “أنصار الشريعة” السلفية كمنظمة إرهابية. ومن المؤكد أن بعض هذه الإجراءات سيحدّ من إمكانية تجنيد المقاتلين. إلا فرض قبضة قوية للغاية على الفضاء الديني قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

ويجب أن يتم النظر إلى الجهات الدينية الرسمية على أنها جهات موثوقة وتلمس قلوب الناس إذا ما كان عليها التنافس مع الأصوات المتطرفة. وتحتاج هذه الجهات بصفةٍ خاصة إلى مساحةٍ تتيح لها تكييف خطابها مع الاهتمامات المحلية، وبصورةٍ مماثلة لما يقوم به المتطرّفون، بالتزامن مع جعل هذا الخطاب جذاباً للشباب. كما قد تحتاج الجهات الدينية إلى تدريبٍ إضافي للقيام بهذه المهمة، فضلاً عن دعم التواصل مع المجتمع، وبشكلٍ خاص مع الشباب.

وبطبيعة الحال، قد لا يميل بعض الناس إلى طلب المشورة الدينية من الجهات الدينية السائدة، إذ يبحث هؤلاء عوضاً عن ذلك عن جهاتٍ دينية غير رسمية داخل مجتمعهم الديني الخاص. ولا بد من بناء الجسور مع المجتمعات السلفية، وقد يكون ذلك بالعمل مع الشباب والشخصيات الفاعلة في تلك المجتمعات والذين يرغبون في مواجهة التطرّف العنيف.

كما لا بد من النظر في إعادة تحسين العلاقات بين سلطات إنفاذ القانون والمواطنين باعتبارها جزءاً أساسياً من عملية منع التطرّف. ويجب أن يشعر المواطنون بأن الجهات الأمنية والشرطة موجودة لحمايتهم. وهذا يعني أن تدابير مكافحة الإرهاب يجب أن تتماشى مع حكم القانون وحقوق الإنسان، على أن تدعمها آليات المراقبة القوية لتجنّب وقوع التجاوزات. وتشير واتانابي إلى أنه تم إحراز تقدّم على هذا الصعيد. ومع ذلك، لا بد من الحفاظ عل الزخم الحاصل في عملية إصلاح القطاع الأمني. كما سيتطلب تحسين العلاقات بين الشرطة والمواطنين التوعية النشيطة للمواطنين وزيادة الاستجابة لشواغلهم الأمنية.

ويتطلب التصدّي للتهميش الاجتماعي والاقتصادي استراتيجية تنمية إقليمية تركّز على تنمية المناطق الداخلية والحدودية في الغرب والجنوب. كما لا بد وأن يشعر المقيمون في هذه المناطق بالعزوف عمّا كان يتم تطبيقه من السياسات في السابق، فضلاً عن التمتع بنفس مستوى الخدمات الذي تحصل عليه المناطق الساحلية. ويجب تصويب فراغات الحوكمة التي تعاني منها المناطق المهمّشة من المراكز الحضرية الكبيرة بالتزامن مع خلق المساحات المخصصة للنشاطات الاجتماعية والترفيهية التي تستهدف الشباب.

وتظهر الحاجة لوجود نخبٍ سياسية على المستويين الوطني والمحلي وبما يكفل التواصل بفعاليةٍ أكبر مع الشباب، وإقناعهم باستعداد هذه النخب للتصدي إلى مخاوفهم. ويتضمن ذلك بصورةٍ جزئية استراتيجيات التواصل وتعزيز إمكانية حصول الناس على المعلومات. ومع ذلك، فإن هذا الأمر يتطلب تنشيط إمكانية الوصول إلى الشباب الذين لديهم شكوك كبيرة حول هياكل الحوكمة الرسمية، سواءً أكان ذلك على المستوى المحلي أو على المستوى الوطني.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن تحرير المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق وليبيا يعزّز من الحاجة لتطوير أساليب فاعلة للتعامل مع الأفراد العائدين من مناطق النزاع المذكورة. وقد يبدو اعتقال العائدين كطريقة فاعلة ومعقولة من الناحية السياسية للتعامل مع هؤلاء. إلا أن الاعتماد بشكلٍ كبير على الملاحقة القضائية قد يكون أمراً إشكالياً، خاصةً مع صعوبة إجراء الملاحقات القانونية نتيجة غياب الأدلة على الجرائم المرتبطة بالمقاتلين الأجانب ونقص برامج تفكيك التطرّف وإعادة الاندماج ضمن نظام العقوبات. وقد توفر المنهجية التي تجمع بين التجريم ومثل هذه الإجراءات “الناعمة” فرصةً أفضل لتفادي التطرّف في السجون والميل إلى الإجرام بعد إطلاق سراح المعتقلين.

ومن التحديات الإضافية التي تلوح في الأفق عودة النساء والأطفال من المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية”. وتشير الأبحاث بصفةٍ عامة إلى شيوع الدوافع السياسية بين الرجال والنساء على حدٍّ سواء. وقد تنطبق هذه الحالة على السياق التونسي. كما تظهر الحاجة إلى تفكيك تطرّف النساء العائدات، خاصةً في ظل ما تتمتع به النساء من تأثير متفاوت على تربية وتعليم أطفالهم.

مساهمة سويسرا

Translation- Terrorism Tunisia
الشرطة الجنائية التونسية تتفقد الموقع الذي تم فيه شن هجوم على عنصرين من عناصر شرطة المرور بالقرب من مبنى البرلمان التونسي في العاصمة تونس يوم 1 نوفمبر 2017. المصدر: AFP.

في الوقت الذي تتولى فيه السلطات التونسية مسؤولية معالجة أسباب التطرّف، فإنه ينبغي على شركاء تونس الدوليين مساعدة هذه السلطات فيما تقوم به من جهود. وفي سياق برنامجها المخصص لمنطقة شمال إفريقيا، فقد شاركت سويسرا في العديد من النشاطات التي تساهم بطريقةٍ غير مباشرة في منع التطرّف العنيف في تونس. وتقدّم سويسرا الدعم على مستوى إصلاح القطاع الأمني، لا سيما فيما يتعلق بتحسين الرقابة وبناء قدرة المجتمع المدني على المضي قدماً في إصلاح القطاع الأمني. ويجدر دعم المبادرات الأخرى الرامية إلى إحداث تحوّل في علاقة الشباب بالشرطة على المستوى المحلي، وبشكلٍ خاص تلك المبادرات التي تسعى إلى تيسير الحوار. ولن يساعد ذلك على بناء الثقة بين الشباب وضباط الشرطة فحسب، بل أنه سيساعد أيضاً على تحديد أولويات الشرطة وتوفير آليات الإنذار المبكر.

كما تدعم سويسرا بفعالية المشاريع التي تساهم في خلق الوظائف في المناطق المحرومة من تونس، وبشكلٍ خاص وسط غرب وجنوبي غرب البلاد. ويبقى التركيز على تجديد اقتصادات هذه المناطق وثيق الصلة بسياق منع التطرّف العنيف، لا سيما الإجراءت التي تسعى إلى إشراك الشباب في الاقتصاد الرسمي. وقد يكون هذا الأمر وثيق الصلة بالمناطق الحدودية على وجه الخصوص، حيث تقوم الحملة الأمنية التي تم شنها منذ عام 2015 في تلك المناطق بدفع الناس دون قصد للخروج من اقتصاد التهريب الذي يعتمدون عليه بشكلٍ تقليدي، وهو ما يؤدي بالتالي إلى تفاقم ما يعيشونه من حالة إقصاء.

وكما ذكرت واتانابي في هذه المقالة، فإن الشباب المعرّضين للتطرّف يربطون بين نقص فرص العمل ونقص الحوكمة الجيدة على المستوى المحلي. وقد يكون من الممكن تحسين نظرة الناس تجاه النخب السياسية المحلية عبر دعم المبادرات الرامية إلى تعزيز شفافية السلطات المحلية فيما يتعلق بتوفر فرص العمل، فضلاً عن دعم فرص التدريب والتمويل. كما يمكن أن تساهم مشاريع المشاركة المدنية التي تركز على إشراك الشباب في عمليات التخطيط الخاصة بالنشاطات والمنشآت الاجتماعية والثقافية والرياضية على المستوى المحلي في الحد من التهميش الاجتماعي والاقتصادي في بعض المناطق المحرومة من تونس، والتي يبدو التعرّض للتهميش فيها شديداً بشكلٍ خاص. وقد يحتاج المسؤولون إلى تدريب إضافي على المشاركة المدنية والشبابية للقيام بذلك على النحو الأمثل. ويمكن أن تساعد سويسرا في ذلك.

وتختم واتانابي مقالتها بالتالي: “يرد في خطة عمل السياسة الخارجية السويسرية المخصصة لمنع التطرّف العنيف خط عملٍ إضافي لا يتم التأكيد عليه في النقاشات المتعلقة بمنع التطرّف العنيف، ألا وهو الحاجة إلى المزيد من المعرفة السياقية المتعلقة بالتطرّف. وقد يكون تطوير شبكةٍ تونسية لمنع التطرّف العنيف نقطةً جيدة يمكن الانطلاق منها. وتبرز الحاجة بصورةٍ خاصة إلى إجراء دراسات ميدانية تعتمد على عينات كبيرة وكافية من الأشخاص الذين تتم مقابلتهم لفحص عوامل التطرّف الأكثر أهمية في مختلف المناطق. ويجب أن تقوم مثل هذه الدراسات بأخذ البعد الجنساني بعين الاعتبار. ويبقى التطرّف النسوي غير مكتمل إلى حدٍّ ما، حتى وإن غادرت النساء التونسيات للأراضي التي كان يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية”.