وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

استطلاعات الرأي تتحدى الصورة التي يروج لها القادة العرب

استطلاعات الرأي
صورة تم التقاطها لأشخاص وهم يتجولون في مول دبي يوم ٢٨ إبريل ٢٠٢٠. المصدر: Karim SAHIB / AFP.

نشر الصحفي البارز جيمس دورسي مقالة على موقعه الإلكتروني حلّل فيها نتائج استطلاعات الرأي العام الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويتناول دورسي في مقالته آراء الرأي العام العربي تجاه الدين، والديمقراطية، والحريات الاجتماعية، والعلاقات مع إسرائيل، وغيرها من القضايا.

وبحسب دورسي، فإن العديد من استطلاعات الرأي الأخيرة ترسل رسالة مختلطة إلى الإصلاحيين الاستبداديين في السعودية، والإمارات، وقطر، التي تستضيف كأس العالم هذا العام بعد أقل من شهرين.

وتكشف الاستطلاعات عن مواقف متناقضة بين الشباب العربي تجاه الدين، فضلاً عن رفض واسع النطاق لمفاهيم الإسلام المعتدل، والعلاقات الدبلوماسية الرسمية مع إسرائيل.

ووفقاً استطلاع للرأي نشرته هذا الأسبوع وكالة العلاقات العامة “أصداء بي سي دبليو” ومقرها دبي، فإن 41% من الشباب العربي المستطلعين قالوا إن الدين هو أهم عنصر في هويتهم. وأتت الجنسية، والأسرة، أو القبيلة، والتراث العربي، والنوع الاجتماعي في مراتب متأخرة للغاية. وشمل الاستطلاع 3400 شاباً عربياً في 17 دولة عربية، علماً بأن أعمارهم تتراوح بين 18 و24 عاماً. ويزيد عدد المستطلعين هذا العام بنسبة 7% عن أولئك الذين شملهم استطلاع الوكالة في عام 2021.

وقال 56% ممن شملهم الاستطلاع إن النظام القانوني في بلادهم يجب أن يستند إلى الشريعة أو القانون الإسلامي.

وأعرب 70% عن قلقهم إزاء فقدان القيم والثقافة التقليدية. وجادل 65% بأن الحفاظ على هويتهم الدينية والثقافية أكثر أهمية من خلق مجتمع معولم.
ومع ذلك، وللمفارقة، فقد شعر 73٪ من المستطلعين أن الدين يلعب دوراً أكبر من اللازم في الشرق الأوسط. ورأى 77٪ من المستطلعين أنه يجب إصلاح المؤسسات الدينية العربية.

وسيستمد الإصلاحيون العرب الأوتوقراطيون الشجاعة والقوة في خطواتهم الإصلاحية بفضل شعور الانزعاج تجاه دور الدين والتشكيك في السلطة الدينية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذا الشعور كان سائداً في الاستطلاعات السابقة لأصداء بي سي دبليو، التي تجري الاستطلاع سنوياً منذ 14 عاماً.

غير أن التركيز الأكبر على الدين باعتباره الركيزة الأساسية للهوية، والقلق بشأن القيم والثقافة التقليدية، والدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، يلقي بظلاله على الإصلاحات الاجتماعية التي أدخلها ولي العهد محمد بن سلمان في السعودية والرئيس محمد بن زايد في الإمارات.

علاوة على ذلك، نُشرت نتائج الاستطلاع في الوقت الذي تناقش فيه قطر كيفية التعامل مع السلوك المحتمل لمشجعي كأس العالم لكرة القدم الذي ينتهك القوانين والأعراف القطرية. ويشمل ذلك شرب الخمر أو السُكر في الأماكن العامة، والتعبير عن العاطفة أو الميل تجاه الشريك علناً، وممارسة الجنس قبل الزواج، والتنوع الجنسي.

وأشارت قطر إلى أن مشجعي كأس العالم، الذين سيُقبض عليهم وهم يرتكبون جرائم بسيطة مثل السُكر في الأماكن العامة، سوف يفلتون من الملاحقة القضائية. ويأتي ذلك بموجب خطط قيد التطوير من قبل السلطات القطرية.

وفي الوقت الذي يعد فيه انفصال النظام السعودي عن التيار المحافظ المتشدد أمراً مذهلاً، سيّما وأن هذا التيار السمة البارزة للمملكة لفترة طويلة، فإن إصلاحات الإمارات هي الأكثر جذرية. وتتمثل هذه الإصلاحات في الانفصال عن الشريعة الإسلامية، التي تشكل دستورياً المصدر الرئيسي لتشريعات البلاد.

وأدت إصلاحات بن سلمان إلى تقييد سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفع الحظر الذي كانت تفرضه المملكة على قيادة المرأة للسيارة. كما أنها دعمت حقوق المرأة والفرص المتاحة لها، وخففت من قيود الفصل بين الجنسين. وأدت هذه الإصلاحات إلى إدخال وسائل ترفيه على النمط الغربي. وفي الوقت الذي لا تقوم فيه جميع هذه الإجراءات بإثارة الجدل في كثير من الدول العالم الإسلامي، إلا أنها تسير عكس اتجاه شريحة السكان ورجال الدين المحافظين في المملكة.

ولا يمكن قول ذلك عن التغييرات الواسعة التي قام بها بن زايد،. وشملت تلك التعديلات إلغاء تجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، ورفع الحظر عن شرب الكحوليات للمواطنين الإماراتيين والأجانب. كما رفعت الحظر المفروض على عيش الأفراد غير المتزوجين معاً.

ومن المتوقع أن تشجع إصلاحات بن زايد بعض المشجعين على الاستقرار في الإمارات خلال كأس العالم والسفر لحضور المباريات إلى قطر. وقد يكون السبب في ذلك فرض قطر لقيود اجتماعية أكثر صرامة مقارنة مع جارتها الإمارات.

ومع ذلك، يشير استطلاع “أصداء بي سي دبليو” إلى عدم ترحيب شريحة واسعة من الشباب بالإصلاحات المنفذة في المملكة والإمارات. ويأتي موقف هؤلاء بطريقة مغايرة لما يود النظامان السعودي والإماراتي الحصول عليه من الرأي العام.

وأظهرت استطلاعات رأي منفصلة، أجراها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن 59% ممن شملهم الاستطلاع في الإمارات، و58% في السعودية، و74% في مصر، لم يوافقوا على فكرة أنه “يجب أن نستمع لمن هم من بيننا، الذين يحاولون تفسير الإسلام بطريقة أكثر اعتدالاً، وتسامحاً، وحداثة”.

وتتماشى آراء الشباب تجاه الدين والتقليدية مع مواقفهم تجاه الديمقراطية والعلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.

ومن المرجح أن يتشجع القادة الأوتوقراطيون بحقيقة أن 82% من مستطلعي أصداء يرون الاستقرار أكثر أهمية من الديمقراطية. في الوقت نفسه، يعتقد ثلثا المستطلعين أن الديمقراطية لن تنجح أبداً في الشرق الأوسط.

ورأى 75% منهم أن الصين، تليها تركيا، وروسيا، حلفاء لبلادهم، مقابل 63% فقط أشاروا إلى الولايات المتحدة و12% إلى إسرائيل. ومع ذلك، اعتبر هؤلاء أن الولايات المتحدة هي صاحبة التأثير الأكبر في الشرق الأوسط، لكن الأغلبية فضلت فك الارتباط الأمريكي بالمنطقة.

غير أن الولايات المتحدة وأوروبا لا تزال من بين الوجهات المفضلة لدى 45% ممن شملهم الاستطلاع والذين يسعون إلى الهجرة.
وعلى الرغم من التشكيك الواسع في الديمقراطية، سيلاحظ القادة أيضاً أن 60% أعربوا عن قلقهم بشأن الدور المتزايد للحكومة في حياتهم.

ومن المرجح أن تكون ردود الفعل في استطلاعات الرأي قد تشكلت بفعل سلسلة من الأحداث. ومن هذه الأحداث إقامة أربع دول وهي الإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان، أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل عامين. يضاف إلى ذلك أن السعودية أصبحت أكثر علنية بشأن علاقاتها مع إسرائيل، ورغبتها في إقامة علاقات دبلوماسية معها بمجرد التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

ولوعيها بحالة التردد العام تجاه العلاقات مع إسرائيل، عقدت السعودية، إلى جانب جامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، اجتماعاً هذا الأسبوع في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة للبحث في سبل إحياء خطة السلام العربية التي صيغت بإلهام من السعودية عام 1982.

وعرضت الخطة على إسرائيل الاعتراف بها وإقامة علاقات دبلوماسية معها في مقابل إقامة دولة فلسطينية في الأراضي التي احتلتها إسرائيل خلال حرب عام 1967.

من جانبه، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد عن دعمه لحل الدولتين في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يدعم فيها لابيد حل الدولتين منذ أن أصبح رئيساً للوزراء. كما كانت هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها رئيس وزراء إسرائيلي لصالح إقامة دولة فلسطينية منذ عام 2017.

ومع ذلك، رأى 14٪ فقط من المصريين الذين شملتهم استطلاعات معهد واشنطن أن معاهدة السلام المبرمة بين بلادهم والممتدة 43 عاماً مع إسرائيل، وإقامة الإمارات ودول أخرى مؤخراً علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، أمر إيجابي.

وعلى النقيض من الإمارات، والبحرين، والمغرب، حيث تم الترحيب برجال الأعمال والسياح والمقيمين الإسرائيليين، فضل 11% فقط من المستطلعين تطبيع العلاقات بين الشعبين.

وبالمثل، عارض 57٪ من السعوديين، الذين شملهم استطلاع المعهد، تطبيع علاقات المملكة مع إسرائيل. غير أن نسبة أعلى في المملكة والإمارات عنها في مصر، (42%)، وافقت على أنه “يجب السماح للأشخاص الذين يرغبون في إقامة علاقات تجارية أو رياضية مع الإسرائيليين بالقيام بذلك”.

ولتلخيص كلّ ما سبق، فإن الرسالة هي أن الإصلاحيين المستبدين يبدون متقدمين بفارق كبير عن شرائح كبيرة من شعوبهم حتى لو كانت المواقف العامة متناقضة.

وفي الوقت الحالي، يساعد تقييد حرية التعبير والمعارضة في الحفاظ على قبضتهم، لكنه يلقي بظلاله على الصورة التي يحاول القادة المستبدون جاهدين إبرازها.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://jamesmdorsey.substack.com في 24 سبتمبر 2022

user placeholder
written by
Kawthar Metwalli
المزيد Kawthar Metwalli articles