وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

لاجئات ينقلن أصواتهن عبر السرد الرقمي للقصص

Translation- Sudanese refugees
لاجئون من جنوب السودان يتواجدون في مخيم النمر للاجئين بمنطقة دارفور شرقي السودان يوم ٢٠ يونيو ٢٠١٧، وذلك أثناء زيارة القائم بالأعمال الأمريكي ستيفن كوتسيس. ووصل حوالي ٤٠٠ ألف من مواطني جنوب السودان إلى السودان منذ اندلاع الحرب في الدولة الأكثر شباباً في العالم بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويعيش حوالي نصف هؤلاء في ١٠ مخيمات تنتشر في السودان، في الوقت الذي ينتشر فيه البقية بين المدن والبلدات. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على أسلوبٍ جديد في إعداد الأبحاث الأكاديمية المتخصصة في دراسات اللاجئين، حيث يعتمد هذا الأسلوب على سرد القصص وتسجيلها رقمياً. وتحاول كارولين لينيت، كبيرة المحاضرين بجامعة “نيو ساوث ويلز” الأسترالية، في مقالتها استكشاف آفاق هذا النهج وأثره على المشاركين فيه.

وتشير لينيت في بداية مقالتها إلى نزعة الإنسان الطبيعية نحو سرد القصص. وساهمت القصص عبر آلاف السنين بكافة أشكالها وأنواعها المختلفة ومنذ استخدام رسم الكهوف لتوثيق الحياة اليومية في إثراء التقاليد الثقافية جيلاً بعد جيل.

وبمرور الوقت، تغيرت أساليب سرد القصص بتغيّر الناس أنفسهم. ويندرج السرد الرقمي للقصص في إطار هذه الأساليب، علماً بأنه تم استخدام هذا الأسلوب في الأصل بهدف تطوير المجتمع، أو لأغراض فنية أو علاجية على نطاق أوسع. وبات يتم استخدام هذا الأسلوب مؤخراً كأسلوب بحثٍ قائم على الفنون نظراً لما يتمتع به من قدراتٍ إبداعية في استخدام الوسائل الرقمية لكتابة القصص ومشاركتها مع الجماهير ومنهم صنّاع القرار. ومن أشهر أشكال سرد القصص رقمياً الأفلام التي تتراوح مدتها بين ٣ و٥ دقائق، علماً بأن هذا النوع من الأفلام يحتوي على الصور، والأصوات، والموسيقى، والتعليق الصوتي لقصة أحد الاشخاص.

وزاد الانتشار الواسع للتكنولوجيا من إمكانيات مشاركة القصص عبر الوسائل الرقمية. وبات سرد القصص الرقمي أسلوباً ممتازاً “للمشاركة في إعداد” الأبحاث، نظراً لمشاركة الرواة في عمليةٍ تحمل في طياتها قيمة أكبر بالنسبة لهم.

وتشير لينيت إلى استخدامها لأسلوب سرد القصص الرقمي في البحث الذي أجرته مع إحدى النساء الواصلات على إلى أستراليا بموجب تأشيرة “النساء المعرضات للخطر” خلال العام الماضي. وسبق للحكومة الأسترالية إطلاق هذا النوع من التأشيرات في عام ١٩٨٩ استجابة لمخاوف المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على مستوى الوضع الحرج للنساء والأطفال من اللاجئين.

وقامت مجموعةٌ من النساء اللواتي يحملن جنسيات دولٍ مختلفة – من بينها السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وإيران – بمشاركة قصصٍ قرّرن اختيارها بأنفسهن.

وعبر تطبيق هذا الأسلوب في سرد رواياتهن، سجلت النساء حضورهن في عملية البحث لدرجةٍ تعجز المقابلات والاستبيانات عن الوصول إليها. وترى صاحبة المقالة أن سرد القصص الرقمي أسلوبٌ منطقي بالنسبة للنساء ويقدّر ما ينبغي عليهن قوله.

ويلعب سرد القصص دوراً حاسماً للغاية على مستوى البحث الأكاديمي. إلا أن معايير النشر الصارمة عادةً ما تدفع الكتّاب نحو استبعاد “العنصر الإنساني” ليبدو كلامهم علمياً بشكلٍ أكبر. وحتى وإن تم إدراج بعض الاقتباسات، فإن هذه الاقتباسات مختصرة ويجري تشذيبها لتتناسب مع البحث. ولهذا السبب، فإن الأساليب القائمة على الفنون كالتصوير الفوتوغرافي، والكتابة الإبداعية، والرقص، والأداء المسرحي، وصناعة الأفلام، وسرد القصص الرقمي تتحلى بقدرةٍ أكبر على نقل العناصر الإنسانية أو عناصر سرد الحياة بصورةٍ أشمل.

ويلعب هذا الأمر دوراً هاماً على وجه الخصوص في مجالات البحث المعقدة المماثلة لدراسات اللاجئين. وقد تشكل الأساليب الإبداعية مساراتٍ بديلة لاستكشاف ومشاركة قصصٍ فريدة عن أشخاصٍ بالكاد نسمع أصواتهم.

قصة مها

تقول لينيت في هذا القسم من المقالة: “تتضمن عملية خلق القصص الرقمية، بالنسبة للباحثين من أمثالي، الاستماع إلى القصص التي يرغب المشاركون بسردها عبر استخدام الوسائط الرقمية. ولقد بات في مقدوري المضي في الرحلة إلى جانب النساء أثناء تحديدهن للتجارب التي يرغبن في ذكرها ضمن قصصهن”.

وتضيف صاحبة المقالة: “أطلقت مها على قصتها اسم “حياة جديدة”. وكانت مها التي تنحدر من أصولٍ سودانية قد شعرت بالاضطراب والضياع والإحباط لدى وصولها إلى مدينة بريسبان الأسترالية. وكانت تشك في أنها قد ارتكبت خطأ فادحاً. بدا كل شيء لها غريباً وغير مألوفاً، ولم تعرف إلى أين تذهب لشراء المتطلبات الأساسية لأطفالها الأربعة”.

وقامت مها بفضل عملية سرد القصص الرقمي بمشاركة أمثلةٍ مؤثرة لما واجهته من مشاق وصعاب. ففي إحدى المرات، اضطرت لبيع خواتمها بسبب بقاء عائلتها دون طعام طيلة يومين كاملين. إلا أن هذا الأمر لم يمنعها من أن تقول في قصتها الرقمية أنها “مقاتلة”.

وتقوم مها في مقطع الفيديو الخاص بها بالحديث عن إصرارها لتغيير حالها من أجل أطفالها، وكي لا يُنظر لها على أنها لاجئة عزباء “عاجزة”.

وتعمل مها حالياً على مساعدة العائلات الأخرى التي تصل إلى أستراليا وتعيش نفس الاضطراب الذي عايشته هي كإنسان. ويحدو مها الأمل بأن يُصبح تأقلم العائلات الجديدة أسهل بفضل ما تقدمه لهم من دعم.

وجرت العادة على ألا يوفر وسم الناس بـ “اللاجئين” بما يحتاج له المرء من فرص لفهم القصص الاستثنائية المماثلة لقصة مها. فتجربة الاستقرار تختلف بين الرجال والنساء، ناهيك عن أن خبرات وتجارب النساء أنفسهن تتنوع حيال هذا الموضوع.

وتوفر القصص الرقمية مدخلاً مذهلاً لفهم ومعرفة أكثر ما يهم “بطل القصة”. وبهذه الطريقة، يصبح من الممكن تقدير قصص النساء، بالتزامن مع عدم إضاعة قضاياهن. كما سيصبح في مقدورهن المشاركة في عمليةٍ تتيح لهنّ إدراك قواهن وطموحاتهن المستقبلية، لا المشقات فحسب.

إيغني تستذكر أباها/h3>

تحمل قصة إيغيني اسم “أوبونتو”، وهو ما يعني العمل الجماعي. ويعتبر “الأوبونتو” من المفاهيم الفلسفية الإفريقية التي تعبّر عن الرابط الجامع بين الناس على الرغم مما يحملونه في طياتهم من اختلاف.

وأبصرت إيغيني النور في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأقرب الذكريات إلى قلبها هو ذكريات طفولتها السعيدة والمحاطة بالحب والدعم. إلا أن إيغيني عانت من التشرد في مرحلةٍ لاحقة واضطرت للعيش في إحدى الخيم بمدينة ديربان في جنوب إفريقيا. حينذاك بدأت المصاعب تتوافد من كل حدبٍ وصوب. وتقول إيغيني في مقطع الفيديو الخاص بها: “كانت (الخيمة) قفصاً مفتوحاً؛ سجناً بلا سقف أو جدران تحمينا. لم يكن الناس النائمون إلى جانب أسرتي في تلك الحديقة ملتزمين بالأوبونتو”.

في تلك المرحلة، واجهت إيغيني أصعب تحدٍ في حياتها، إذ اختفى والدها عندما تمت مهاجمة المخيم المؤقت في إحدى الليالي. وتمكنت إيغيني وباقي أفراد عائلتها من الانتقال إلى مكان آمن، ومن هناك إلى أستراليا. وعندما التقت صاحبة المقالة بإيغيني في بريسبان عام ٢٠١٥ للحديث عن قصتها، قالت إنها ما زالت تجهل إذا ما كان أبوها حياً أم ميتاً.

ذكريات إيغيني مع أبيها ساعدتها على أن تصبح قائدة نشطة في مجتمعها. وتنعم إيغيني بدعم من حولها، خاصةً وأنهم يريدون رؤيتها في أحسن حال وأن تتحلى بالقدرة على اغتنام الفرص في أستراليا. وترى إيغيني نفسها من أبطال التغيير الذين يتكسبون قوتهم من أحداث حياتهم التراجيدية.

الإصغاء الجيد/h3>

تقول لينيت في هذا القسم من المقالة ما يلي: “بالنسبة لي كباحثة، فإنه من المذهل الدخول إلى عالمٍ تبرز فيه هذه القصص المفصّلة والحميمية، كما من المذهل أن يتم تأمينك على هذه القصص. وتملك هذه النساء قصصهن الرقمية، كما أن بإمكانهن اختيار طريقة ومكان مشاركتها. وعلى هذا النحو، فإن مقاطع الفيديو المسجلة ليست متاحة للتداول العام، فهذا أسلوب بحثٍ أخلاقي يتجنب الاستيلاء على قصص الآخرين لأغراض أكاديمية”.

وتختم لينيت مقالتها بالقول: “إن ما يثري هذه المقابلات هو الإصغاء الجيد بدلاً من طرح الأسئلة وانتظار الإجابات. وتميط هذه الحوارات اللثام عن قوة الأبطال وتطلعاتهم، وتلك هي عناصر القصص التي تبقى معنا لفترةٍ طويلة بعد مشاهدتنا لقصصهن الرقمية”.