نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على ما تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية من دور في دعم ما تقوم به الحملة التي تقودها المملكة العربية السعودية ضد اليمن من انتهاكات بحق اليمنيين. ويقوم صاحب المقالة جيف باتشمان، المحاضر المختص في مجال حقوق الإنسان ومدير برنامج ماجستير الأخلاقيات والسلام وحقوق الإنسان في كلية الخدمات الدولية بالجامعة الأمريكية، باستعراض الحالات التي يعاني منها الشعب اليمني جراء الدعم الأمريكي للحملة.
ويقوم التحالف الدولي الذي تقوده السعودية بتنفيذ عمليات قصفٍ شديدة في اليمن بالتزامن مع فرض حصارٍ جوي وبحري على موانئ هذه الدولة لما يزيد عن ثلاث سنوات. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الوضع في اليمن بأنه “الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم”.
ويرى باتشمان أن الوصف الذي استخدمه غوتيريس يعبر عن مدى قسوة الأزمة اليمنية، خاصةً وأنه يؤكد على افتقار الشعب اليمني للأمن. ويحتاج ما يزيد عن ٢٢ مليون شخص من إجمالي سكان اليمن البالغ عددهم ٢٨ مليون نسمة إلى الأمن والمساعدات إنسانية. كما يفتقر ١٨ مليون شخص إلى إمكانية الحصول على الغذاء، في الوقت الذي وصل فيه عدد الأشخاص الذين “لا يعرفون كيف يمكنهم الحصول على وجبتهم القادمة” إلى ٨.٤ مليون شخص.
ويرى باتشمان، بصفته باحثاً مختصاً في مجال الإبادة الجماعية وحقوق الإنسان، أن الدمار الناجم عن هذه الهجمات وما يرافقه من حالة حصار يصل إلى مرحلة “الإبادة الجماعية”.
واستناداً إلى بحثه الذي سيتم نشره في عدد لاحق من مجلة “Third World Quarterly”، يرى صاحب المقالة أنه لم يكن في مقدور التحالف ارتكاب هذه الجريمة دون ما قدمته إدارتا أوباما وترامب من دعمٍ مادي ولوجستي في هذا الخصوص.
من “العاصفة” إلى “الأمل”
يعيش اليمن على وقع الحرب الأهلية الدائرة منذ عام ٢٠١٥، حيث تقوم حركة الحوثي الشيعية – التي حاربت لقرونٍ من الزمن بهدف السيطرة على أجزاءٍ من اليمن – بمواجهة حكومةٍ تحظى بدعم المملكة العربية السعودية السنية. وإذا ما نظرنا إلى هذه الاختلافات الدينية، فإنه سيسهل علينا وضع الصراع السياسي الذي يشهده اليمن في قالب النزاع الطائفي.
ويتوافق هذا الوصف مع تشديد السعودية والولايات المتحدة على ما تتمتع به إيران الشيعية من سيطرة على الحوثيين، وهو ادعاءٌ لم يشكك فيه أحد. كما تقوم السعودية والولايات المتحدة على حدٍّ سواء بإظهار عدائهما لإيران. ولهذا السبب، فإن ما تقدمه الولايات المتحدة من دعمٍ للسعودية في اليمن يأتي في إطار ما تعتبره مصالح استراتيجية في المنطقة.
ويضم التحالف ضد اليمن في صفوفه دولة الإمارات العربية المتحدة، ومصر، والمغرب، والأردن، والسودان، والكويت، والبحرين، فضلاً عن المملكة العربية السعودية. كما سبق لقطر المشاركة في هذا التحالف، إلا أنها لم تعد جزءاً منه في الوقت الراهن.
وشهدت السنوات الثلاث الأولى من “عملية عاصفة الحزم“، والتي أعيد تسميتها لاحقاً لتحمل اسم “عملية إعادة الأمل”، توثيق ١٦,٧٤٩ غارة جوية شنها التحالف من قبل مشروع بيانات اليمن (Yemen Data Project)، علماً بأن المشروع يصنف نفسه كـ “مشروع جمع بيانات مستقل يهدف إلى جمع ونشر البيانات عن الحرب في اليمن”.
وأفاد تقرير “مشروع بيانات اليمن” أن ثلثي هجمات التفجير التي شنها التحالف كانت ضد أهداف غير عسكرية وغير معروفة، علماً بأن المشروع استند في تقريره على المعلومات التي تتوفر له باستخدام المصادر المفتوحة. ولا يقوم التحالف بمهاجمة المدنيين والبنى التحتية المدنية عن طريق الخطأ، بل أنه يفعل ذلك بصورةٍ متعمدة.
ويتضح ذلك من نوع وحجم الأهداف المدنية الموثقة. وتتضمن قائمة الأهداف الموثقة أماكن تتم حمايتها بصفةٍ عامة من الهجمات حتى في ظل بعض القواعد المتساهلة للقانون الإنساني الدولي: كالمناطق السكنية، والمركبات، والأسواق، والمساجد، وكذلك القوارب، والتجمعات الاجتماعية، ومخيمات المشردين داخلياً.
وتحظى بنية المواصلات التحتية في اليمن بأهميةٍ خاصة بسبب الدور الذي تلعبه في حركة الناس، والطعام والدواء. كما تم شن الهجمات على المطارات والموانئ والجسور والطرق بصفةٍ متكررة.
كما تم ضرب البنية التحتية الاقتصادية في اليمن، حيث تضمن ذلك كلاً من المزارع، والشركات الخاصة، والمصانع، ومنشآت النفط والغاز، وخطوط المياه والكهرباء، وتخزين المواد الغذائية. كما قام التحالف باستهداف وتدمير المدارس والمرافق الطبية.
وشهدت الآونة الأخيرة شن الاعتداءات على التراث الثقافي لليمن. وبصفةٍ إجمالية، تعرض ما لا يقل من ٧٨ موقعاً ثقافياً للضرر أو الدمار، بما في ذلك المواقع الأثرية والمتاحف والمساجد والكنائس والمقابر، فضلاً عن العديد من المعالم والمساكن الأخرى ذات الأهمية التاريخية والثقافية الكبيرة.
كيفية صناعة الأزمة
لا تعتبر الهجمات الطريقة الوحيدة التي يقوم التحالف من خلالها بخلق أزمةً إنسانيةً ضخمةً. وبحسب لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية باليمن، فإنه الحصار الجوي والبحري الساري منذ مارس ٢٠١٥ يقوم “بصفةٍ أساسية باستخدام خطر التجويع كأداة للمساومة والحرب”.
ويشهد الحصار إيقاف وتفتيش السفن التي تسعى إلى دخول الموانئ اليمنية. ويتيح هذا الأمر للتحالف تنظيم وتقييد ما يحصل عليه اليمنيون من غذاءٍ ووقودٍ وإمداداتٍ طبية ومساعداتٍ إنسانية.
ويرى الباحث العسكري الهولندي مارتن فينك، في تحليله لقانونية الحصار، أن الحصار يعني “عمليات تأخير كبيرة لدخول المنتجات وحالة من الغموض حول ما سيتم السماح بإدخاله منها”.
وعلى الرغم مما تبذله الأمم المتحدة من جهود للتخفيف من بعض حالات التأخير، فإن الواردات تبقى عالقة في أغلب الأحيان لفترةٍ طويلة. وشهدت بعض الحالات فساد الطعام قبل نجاحه في المرور من براثن الحصار، هذا إذا لم يتم في الأصل رفض إدخال الطعام.
وتُعتبر الأزمة الإنسانية في اليمن غير مسبوقة من بعض النواحي ويمكن ربطها مباشرةً بالنزاع. وبحسب ما يشير إليه البنك الدولي، فإنه “لا يمكن مقارنة التحديات الاقتصادية الصعبة التي واجهت اليمن قبل النزاع الحالي بالوضع الحرج الذي تعيش على وقعه هذه الدولة في يومنا هذا”.
وبصورةٍ مماثلة، يقوم أليكس دو فال، وهو من الباحثين العاملين في جامعة “تافتس”، بوصف أزمة اليمن باعتبارها “المجاعة الأكبر والأبشع في عصرنا”. ويرى دو فال أن التحالف تسبب في ذلك “عبر ما يقوم به من تدميرٍ متعمد للبنية التحتية المنتجة للغذاء في البلاد”.
وفاقم النظام الصحي الفاشل من حدة الأزمة الأمنية التي يعانيها شعب اليمن. وكانت منظمة الصحة العالمية قد أشارت في سبتمبر ٢٠١٧ إلى عمل ما لا يزيد عن ٤٥٪ فقط من المرافق الصحية في اليمن.
وبحسب ما يذكره أمين عام الأمم المتحدة غوتيريس، فإن “الأمراض القابلة للمعالجة تصبح حُكماً بالإعدام عندما يتم تعليق الخدمات الصحية المحلية ويستحيل فيه السفر إلى خارج البلاد”.
ويشير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان إلى قتل التحالف لستة آلاف شخص حتى فبراير ٢٠١٨ جراء غارات جوية، فضلاً عن إصابة ما يزيد عن ١٠ آلاف شخص آخر.
ويرى صاحب المقالة أن الأرقام الواحدة في تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان ما تزال متحفظة بشكلٍ كبير، خاصةً في ظل وفاة عشرات الآلاف من اليمنيين لأسبابٍ تتعلق بالحرب. وتشير منظمة “أنقذوا الأطفال” إلى احتمال وفاة حوالي ٨٥ ألف طفل دون سن الخامسة منذ عام ٢٠١٥، علماً بأنه تم تسجيل وفاة ما يزيد عن ٥٠ ألف طفل في عام ٢٠١٧ وحده بسبب الجوع وما يرتبط به من أسباب.
وبحسب باتشمان، فإن أعمال التحالف في اليمن لا تعدو عن كونها تطبيقاً للتعرف الذي استخدمه رافاييل ليمكين لوصف مصطلح “الإبادة الجماعية” بكونه “هجوماً متزامناً على جوانب مختلفة من الحياة”.
مساهمة الولايات المتحدة
يرى باتشمان أن الإبادة الجماعية التي ارتكبها التحالف في اليمن لم تكن ممكنة دون تواطؤ الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي اتبعا النهج نفسه في إدارتي أوباما وترامب.
ويشير هنا صاحب المقالة إلى استخدام الأسلحة الأمريكية لقتل اليمنيين وتدمير بلدهم، لافتاً إلى تواجد أربع من دول التحالف ضمن قائمة عام ٢٠١٦ لأبرز خمسة مستوردين للسلاح الأمريكي، وهذا حصل بعد فترةٍ طويلة من بدء عملية الإبادة الجماعية في اليمن.
كما عملت الولايات المتحدة على تزويد التحالف بالدعم اللوجيستي، بما في ذلك إعادة التزود بالوقود في الجو، وتقديم النصائح والدعم على مستوى عمليات الاستهداف، فضلاً عما يتم تقديمه من الخدمات الاستخبارية، وإعادة الإمداد بالذخائر السريعة وصيانتها.
وإذا ما تم غض الطرف عن عمليات بيع الأسلحة، فإن المساهمة الأكبر في جريمة التحالف باليمن قد تتمثل في توفير الوقود وإعادة تزويد الطائرات الحربية بالوقود في الجو، وهو ما توقف في أوائل نوفمبر من عام ٢٠١٨. وبحلول منتصف عام ٢٠١٧، قامت الولايات المتحدة بتسليم ما يزيد عن ٦٧ مليون رطل من الوقود إلى التحالف، بالتزامن مع تزويد طائرات التحالف بالوقود لما يزيد عن ٩٠٠٠ مرة.
مسؤولية مشتركة عن الإبادة الجماعية
يرى باتشمان، بصفته باحثاً مختصاً في الإبادة الجماعية، أن الولايات المتحدة تتشارك مع التحالف في تحمل المسؤولية عن الإبادة الجماعية في اليمن بموجب القانون الدولي.
وبحسب صاحب المقالة، فإنه يتوجب على الولايات المتحدة إيقاف جميع الأنشطة التي تسهل الإبادة الجماعية في اليمن. ويشمل ذلك وقف جميع مبيعات الأسلحة وإنهاء الدعم اللوجستي للتحالف.
وإذا ما كنا في عالمٍ مثالي تتساوى فيه جميع الدول أمام القانون الدولي، فإن الولايات المتحدة ستسعى للحصول على رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن ما تدين به للشعب اليمني بسبب دورها في الإبادة الجماعية.
وبصورةٍ مماثلة، فإن الولايات المتحدة ستطلب تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في المسؤولية الفردية للمسؤولين الأمريكيين في إدارتي أوباما وترامب على ما قاموا به من دور لتسهيل الجرائم التي ارتُكبت بحق اليمن. إلا أن عالمنا ليس مثالياً بالطبع. فالولايات المتحدة لا تعترف بسلطة محكمة العدل الدولية للحكم على قانونية أعمالها، أو بسلطة المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الأعمال الإجرامية المشبوهة التي ارتكبها المسؤولون الأمريكيون. وقد يكون بالإمكان البدء بمثل هذا التحقيق عبر تقديم مجلس الأمن لإحالة بهذا الخصوص، إلا أن الولايات المتحدة ستستخدم ببساطة حق النقض “الفيتو” ضد أي جهدٍ يتم بذله من هذا القبيل.
ويختم باتشمان مقالته بالتالي: “على هذا النحو، لم يبقى بالإمكان إلا أن يبدي شعب الولايات المتحدة حرصه على محاسبة ما يرتكبه مسؤولوهم من جرائم باسمهم”.