يُناقش الصراع حول فلسطين العربية-اليهودية غالبًا من منظور الحلول، لكن هذا التحليل يطرح واقعًا صارخًا: فالتطلعات الجوهرية للطرفين غير قابلة للتوفيق، مما يجعل التوصل إلى حل سلمي أمرًا غير ممكن في الوقت الراهن.

نيقولاوس فان دام
نتحدث كثيرًا عن الحلول الممكنة للجمع بين فلسطين عربية وإسرائيل يهودية. وقد طُرحت نماذج متعددة، من أبرزها ما يلي:
1. فلسطين عربية بالكامل.
2. إسرائيل يهودية بالكامل تشمل كامل أرض فلسطين.
3. نموذج الدولة الواحدة التي يعيش فيها اليهود والفلسطينيون كمواطنين متساوين في نظام ديمقراطي.
4. دولة فلسطينية عربية إلى جانب دولة إسرائيلية يهودية، وهو ما يُعرف بنموذج الدولتين.
فأيٌّ من هذه النماذج هو الأقرب إلى الواقعية؟ أو هل هناك أصلًا حلٌّ سلمي ممكن من الناحية الواقعية؟ في الحقيقة، لا حاجة لقراءة المزيد، لأن الجواب واضح: كلا! وهذا أمر بديهي إلى درجة تثير الاستغراب من قلّة من يطرحونه صراحة. وربما يكون السؤال نفسه غير واقعي، لأن الحقائق على الأرض قد تجاوزت منذ زمن طويل (استحالة) تحقق الخيارات الثلاثة الأولى.
إنّ اليهود الصهاينة يريدون دولة يهودية صافية، فيها أقل عدد ممكن من غير اليهود، أو بالأحرى من دون أيّ سكان غير يهود على الإطلاق، تحت شعار تطوّر من «ليست لليهود» إلى «فقط لليهود». وهذا بالضبط ما أراده الزعماء الصهاينة منذ البداية، كما يتضح من أقوال وكتابات بن غوريون وفلاديمير (زئيف) جابوتنسكي وآخرين، رغم كل المظاهر التي قد توحي بأنهم ربما تمنّوا غير ذلك يومًا ما. كما يفضّل الصهاينة الإسرائيليون ألا تكون لهم أي تبعية اقتصادية للعالم العربي أو لغيره، بل يسعون إلى الاكتفاء الذاتي.
أما الفلسطينيون، الذين عارضوا منذ البداية تدفّق هذا العدد الكبير من المهاجرين اليهود القادمين من أوروبا، لكن آراءهم – رغم الدراسات واستطلاعات الرأي العديدة – كانت دومًا تُتجاهل تمامًا، فهم بطبيعة الحال لا يرغبون في العيش إلى جانب اليهود الذين اضطهدوهم لعقود طويلة، وسلبوا أرضهم، وهجّروهم، وارتكبوا بحقّهم سلسلة لا تنتهي من جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان، وكلّ ذلك تحت أنظار معظم الدول الغربية المتسامحة، بل والموافقة أحيانًا.
وعليه، فإذا كان لا يزال هناك أي حلّ ممكن على الإطلاق، فلن يكون سوى ذاك الذي يقوم على نموذج الدولتين.
ومع ذلك، فقد بذلت إسرائيل على مدى سنوات طويلة جهودًا متعمدة لجعل هذا النموذج مستحيل التحقيق، من خلال الاستمرار في فرض وقائع جديدة على الأرض مخالفة للقانون الدولي — مثل المستوطنات اليهودية العديدة.
ويعتقد الصهاينة الإسرائيليون — كما كانوا يعتقدون منذ عقود — أنهم في نهاية المطاف سيتمكنون من الإفلات من العواقب، مستفيدين من دعم الولايات المتحدة وتغاضي أو حتى تأييد دولٍ غربية أخرى.
وربما تنجح إسرائيل في نهاية المطاف في «تطهير» كامل فلسطين من سكانها العرب الأصليين. ولكن حتى لو حدث ذلك، فلن يعني هذا أنّ إسرائيل ستتمكن من تحقيق سلامٍ طوعي مع الدول العربية في المنطقة، إذ ستبقى العداوة قائمة، تمامًا كما كانت الكراهية لألمانيا النازية ستظل قائمة في أوروبا لو كانت ألمانيا النازية قد انتصرت في الحرب العالمية الثانية .ومع ذلك، ينبغي أن يُلاحظ أنه حتى بعد أكثر من نصف قرن على انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظلّت المشاعر المعادية للألمان واضحة بشكلٍ جليّ في أجزاء كثيرة من أوروبا، على الرغم من أنّ السلام مع ألمانيا كان قد استُعيد منذ زمنٍ طويل، وأنّ ألمانيا أصبحت دولة ديمقراطية، وأنّ النظام النازي قد هُزم هزيمةً تامة.
ويجدر بالذكر أنّه حتى بعد مرور أكثر من نصف قرن على نهاية الحرب العالمية الثانية، كان لا يزال بالإمكان ملاحظة مشاعر قوية مناهضة للألمان في أجزاء واسعة من أوروبا، وذلك رغم أن السلام مع ألمانيا كان قد استُعيد منذ زمن طويل، وأن النظام النازي كان قد هُزم. فألمانيا النازية لم يُكتب لها البقاء الأبدي.
وبالمثل، من المتوقع أن يُضطرّ النظام الصهيوني الإسرائيلي في النهاية إلى الرحيل — وهو تطوّر لا يعدو، ولا سيّما في غياب “حلّ الدولتين”، أن يكون مسألة وقت فحسب، حتى وإن تطلّب ذلك نَفَسًا طويلًا جدًا.
نيقولاوس فان دام هو السفير الهولندي السابق في إندونيسيا وألمانيا وتركيا وأذربيجان ومصر والعراق، والمبعوث الخاص لسوريا. كدبلوماسي شاب، عمل في لبنان والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة وليبيا.
الموقع الإلكتروني: http://nikolaosvandam.academia.edu

