وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الصحراء التونسية تطلب الاستغاثة

الصحراء التونسية
صورة تم التقاطها يوم ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٦ في مدينة دوز لدورية من الجنود التونسيين على هامش اختتام فعاليات النسخة التاسعة والثلاثين من مهرجان الصحراء الدولي. ويجذب المهرجان الذي يجري تنظيمه على بعد ٦٠٠ كيلومتراً جنوب تونس العاصمة انتباه أبناء المنطقة والسياح للحدث الثقافي الذي يحتفي بتراث المنطقة وأبناء الصحراء. المصدر: FETHI BELAID / AFP.

حكيم مرزوقي

يأتي بعض أثرياء الخليج العربي إلى الصحراء التونسية للتمتّع برحلة صيد جائرة تستهدف صنفا نادرا من الغزلان البيضاء المهدّدة بالانقراض ويسهّل لهم الطريق في ذلك بعض السماسرة المحليين تحت يافطة “أدلاّء سياحيين “أو “وكلاء أسفار “…. وبتعام واضح من جهات  رسميّة وشبه رسميّة.

تنتهي رحلة القنص داخل هذه “المحميات “بصور سيلفي” يلتقطها الأثرياء مع الغزال النازف على صفحات التواصل وهم يبتسمون ببنادقهم ومحاطون بزبانيتهم في الليالي الحمراء… وربّما على أنغام “بساط الريح” في مقطع “غزلانك البيضاء على الشطوط تعوم”…. من يدري.؟.

أمّا المضحك المبكي في هذه المجزرة المهزلة، هو أنّ مرافقي هؤلاء “القنّاصة” يعمدون إلى القبض على قطيع الغزال وهو حيّ يرزق، يحبسونه في مخابئ خاصّة ثمّ يطلقونه قبيل رحلة الصيد كي يعيش الزوّار الوافدون متعة القنص بمفردهم، وعندما يتحقّق لهم ذلك، يتركون عادة جثّة الغزال لمن سهّل لهم المهمّة ويمضون متمثّلين في ذلك “أخلاقيات” السادة النبلاء في هواية الصيد.

ألا يحيلنا كلّ هذا إلى مشهد من مشاهد العربدة والفجور السافر؟ خصوصا إذا علمنا بأنّ بعض هؤلاء يأتون أيضا لنفس الصحراء لقنص صنف نادر من طائر “الحبارى” الذي قيل لهم أنّه يقوّي القدرات الجنسية للرجل ويرفع “عقاله” أمام قرينته في الفراش.

كم يصيبنا الغيظ والحسرة على ما آلت إليه الأحوال العربية حين نعرف أنّ نفس الصحراء هي التي صوّر فيها فيلم “المريض الانكليزي” الشهير بمنطقة ذات جمال ساحر، تعرف بـ “عنق الجمل ” ودون أن ننسى فيلم “حرب النجوم” ذائع الصيت وقد أبقى المنتجون على ديكوره الذي صار مزارا سياحيّا لعشّاق السينما.

لماذا يأتي إنسان المجتمعات المتحضّرة إلى صحرائنا قصد معايشة سكّانها الطيبين ومشاهدة معالمها والوقوف عند جمال الواحات والكثبان التي حوت بيوض الديناصورات وشهدت أحداثا ومعارك غيّرت التاريخ!؟ بينما يأتي أثرياء النفط لقتل الجمال والسعي خلف سراب الفحولة المستحيلة…!؟

تبدأ الحضارة باحترام الطبيعة وتقدير الجمال، الذهاب نحو الآخر والانتصار لقضايا الإنسان أينما كان.. وتنتهي عند مثل هذا المشهد القبيح والبائس، حين يستقدم ثريّ جاهل باسم السياحة لتشويه الإنسان والطبيعة عبر ممارسة نزواته المنحطّة مقابل حفنة من الدولارات.

هل الحقّ على الصحراء التي أعطته نفطا في بلاده فجاء يشوّهها عن طريقه في بلاد أخرى؟

بين السياحة والدعارة خيط رفيع، لكنّه صلب ومتين في البلاد المتطوّرة.. وأوهن من خيوط العنكبوت في البلاد المتخلّفة.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.