حكيم مرزوقي
التونسيون بكافة شرائحهم الاجتماعية وفئاتهم العمرية يرقبون ما يحدث من قرارات سياسية ساخنة يؤدي دور البطولة فيها الرئيس قيس سعيد، بمزاجية جمهور الفوتبول، وهم المعروفون بتعلقهم الشديد بهذه اللعبة الشعبية التي تبلغ درجتها حد الهوس.
تراهم مجتمعين في المقاهي والحانات ورؤوسهم مشرئبة نحو شاشة التلفزيون. ينتظرون كل خبر أو تصريح يتعلق بالمستجدات في تونس وقد تناسوا التباعد الاجتماعي الذي تفرضه حالة التوقي من هذه الجائحة التي حصدت الكثير من أرواح التونسيين.
الجمهور العريض الذي يصطف مع قيس سعيد، يكثر من حماسته وتشجيعه للرئيس الذي خرج من صمته يوم 25 يوليو وبدأ يسجل الهدف تلو الآخر في مرمى خصمه مثل فريق كروي استيقظ في الوقت بدل الضائع، عدّل النتيجة لصالحه ثم كثف من هجماته ليستحوذ على اللعب وحده، لكن صافرة النهاية لم تعلن بعد.
جمهور الخصم المقابل أي المؤيدون لزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وحلفائه، لا يظهرون في المقاهي والحانات بطبيعة الحال، ولا في المساجد التي أغلقت بسبب الحظر الصحي، لكنهم يطلون برؤوسهم من حين لآخر في مواقع التواصل الاجتماعي، منددين بما أسموه الانقلاب، ومتوعدين مناصري قيس سعيد، مذكرين إياهم بالمثل القائل “يضحك كثيرا من يضحك أخيرا”.
لا يمكن هنا الحديث عن الجمهور المحايد وسط هذا الاصطفاف الواضح وإن غلبت كفّة المؤيدين لقيس سعيد. لكن قسما لا بأس به من التونسيين، يتساءل عن مخرجات هذا الاحتدام محذرين من بعض الانزلاقات، خصوصا وأن الرئيس قد بات يمسك برئاسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهو ما ينذر بالتأسيس لدكتاتورية حقيقية لا يرضاها التونسيون الذين دفعوا ثمن هذه الديمقراطية الناشئة غاليا، ذلك أن الحريات هي الغنيمة الوحيدة لثورة الياسمين بعد الاخفاقات الاقتصادية والاجتماعية.
قرارات الرئيس التونسي مازالت تلقى الكثير من الترحيب خصوصا فيما يتعلق بالحجر على بعض المشتبه بهم في الفساد والإرهاب، ولكن هذه القرارات مازالت تقابلها تحفظات حتى في بعض الأوساط العلمانية والدوائر الغربية.
“المباراة” مازالت مستمرة في الدقائق الأخيرة بين الرئيس وخصومه السياسيين، في انتظار النتيجة النهائية، وإن أعلن جمهور قيس سعيد انتصاره قبل صافرة الحكم.
جمهور الغنوشي لن يسكت بطبيعة الحال في حالة الحسم لصالح الرئيس، سيتجاوزون مجرد الاحتجاج والتشكي، وهو ما يجب أن يحسب له العقلاء ألف حساب.
المزاج الكروي للتونسيين يرافق كل حدث سياسي، لكن الأهم هو الإبقاء على أرضية الميدان خالية من الدخلاء والمندسين والمخربين، وكذلك نزاهة التحكيم في سبيل أن يكتمل المشهد الديمقراطي وتصبح تونس جديرة بأرقى ما توصل له الفكرة الإنساني منذ الإغريق.. إنها الديمقراطية طبعا.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.