وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قانون مكافحة المعلومات المضللة التركي الجديد: توجّهٌ مقلق نحو الاستبداد الإلكتروني

قانون مكافحة المعلومات التركي
تظهر في هذه الصورة التي تم التقاطها يوم ٣٠ سبتمبر ٢٠٢١ من على شاشة هاتف ذكي في العاصمة التركية أنقرة شعارات تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي التالي: تيك توك، وتويتر، وإنستغرام، ويوتيوب، وفيسبوك، وبنترست، وسناب تشات، وليكند إن، وتويتش. المصدر: Ali Balikci / ANADOLU AGENCY / Anadolu Agency via AFP.

بيرك إيسن: زميل وباحث في مركز إسطنبول للسياسات ومؤسسة ميركاتور ومركز تركيا للدراسات التطبيقية ومؤسسة العلوم والسياسات والمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية “SWP” في برلين. كما أنه أستاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة سابانجي.

المصدر: المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية

قدم مشرعون تابعون للتحالف الحاكم التركي مشروع قانون في 27 مايو الماضي لتجريم نشر المعلومات المضللة. ويفرض مشروع القانون الجديد، المكون من 40 مادة، قيوداً جديدة على المواقع الإخبارية الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي داخل البلاد.

وتعد هذه خطوة مقلقة لإحكام الرقابة على الفضاء الإلكتروني. ويشمل مشروع القانون المقترح أحكاماً بالسجن تصل إلى ثلاث سنوات لمعاقبة نشر أي معلومات مضللة تتعلق بـ “الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، والنظام العام والصحة العامة”. ويمكن أن تصل عقوبة السجن بمقدار نصف المدّة في حال تم نشر المحتوى عبر حساب مجهول الهوية.

ويجب رؤية مشروع قانون مكافحة المعلومات المضللة في سياق التحوّل الاستبدادي الحاد الذي تشهده تركيا. فبعد مواجهته لمعارضة نشطة، حرص أردوغان على تسييس السلطة القضائية لاستهداف معارضيه وعدّل القانون الانتخابي لتقليص فرص أحزاب المعارضة. ويهدف مشروع القانون المقترح إلى إخضاع المواقع الإخبارية الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي للسيطرة الحكومية قبيل الانتخابات المزمع عقدها في عام 2023. وعلى الرغم من من تأجيل التصويت البرلماني حتى الجلسة التشريعية المقبلة عقب وقوع خلافات داخل الحزب الحاكم، إلا أن التهديد الموجه نحو حرية التعبير لا يزال قائما.

ضغوط متزايدة على الإعلام

وكانت لجنة الإعلام الإلكتروني بالبرلمان التركي قد مرّرت بسهولة مشروع القانون، لكن المصادقة على مشروع القانون تم تأجيلها في اللحظة الأخيرة حتى الجلسة القادمة في أكتوبر 2022. ومن المنتظر أن يؤدي مشروع القانون، في حال تطبيقه، إلى تضييق الخناق على آخر منافذ حرية التعبير المتبقية. وكانت تركيا قد عايشت بالفعل تراجعاً حاداً في حرية التعبير الإعلامي تحت رئاسة أردوغان. ويخضع ما يزيد عن 90% من النوافذ الإعلامية التركية لسيطرة حزب العدالة والتنمية بشكل مباشر أو غير مباشر. ونتيجة لهذا، بات أردوغان يتمتع بتغطية إعلامية منتظمة وإيجابية إلى حد كبير. وباتت المؤسسات الإعلامية المستقلة المتبقية تحظى بتمويلاتٍ محدودة، فضلا عن مواجهتها لتحديات قانونية كثيرة. ويقبع حوالي 100 صحفي في السجن بتركيا حالياً بسبب الاستخدام الحزبي لقوانين مكافحة الإرهاب. ووفقاً للمعهد الدولي للصحافة، فقد شهد عام 2021 لوحده رفع دعاوى قضائية بحق 241 صحفي. وكثيراً ما يتعرض الصحفيون لهجمات الشرطة أثناء تغطية المظاهرات، ويهاجمهم السياسيون لفظياً، كما يستهدفهم أنصار النظام.

بعد أن شنت الحكومة حملةً قمعية على وسائل الإعلام التقليدية، ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي كبديل يسمح للمواطنين الأتراك بالوصول إلى مصادر معلوماتية بديلة. غير أن الفضاء الرقمي لم يكن حراً تماماً من قبضة النظام. وقامت هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تحت حكم حزب العدالة والتنمية، بحظر إمكانية الوصول لأكثر من 400 ألف موقع، بما في ذلك حظر مؤقت لموقع ويكيبيديا عام 2017.

وتصدرت تركيا قائمة الطلبات المقدمة لحذف محتويات من موقعي تويتر وفيسبوك لسنوات، كما تم حظر إمكانية الوصول إلى عشرات آلاف مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب. في يوليو 2020، مرّر البرلمان تعديلاً لقانون الإنترنت، يُلزِم منصات التواصل الاجتماعي، التي يتجاوز عدد مستخدميها مليون مستخدم، بترشيح ممثلين قانونيين لها وتخزين معلومات المستخدمين في تركيا. وتهدف هذه الإجراءات إلى جعل منصات، مثل تويتر وفيسبوك، أكثر استجابةً لمطالب الحكومة بحذف محتويات رقمية منشورة عليها.

ما هي التغييرات التي ينطوي عليها القانون الجديد؟

يسمح مشروع القانون الجديد للحكومة بإحكام قبضتها على الفضاء الرقمي عبر تزويد الإعلام الإلكترونية الموالي للحكومة بمزيد من الموارد وتوسيع الرقابة. ويمكن القول إن صياغة مشروع القانون الجديد غامضة بما يكفي لمنح المدعين العامين سلطة تقديرية واسعة لتجريم أي انتقاد للسلطات العامة تقريباً. ويمكن استخدام القانون الجديد لتضييق النقاش العام حول القضايا الحساسة سياسياً مثل الهجرة والأزمة الاقتصادية. كما أنه يسهل على السلطات إزالة المحتوى من منصات التواصل الاجتماعي ومحاكمة الأفراد بسبب آرائهم. وسيولد هذا خوفاً لدى المواطنين ويؤدي إلى الرقابة الذاتية. كما يسمح القانون للحكومة بإساءة استخدام الاعتماد الحكومي والإعلانات لمكافأة المنافذ الإخبارية الإلكترونية التي تمتثل لمشروع القانون.
وواجه مشروع قانون مكافحة المعلومات المضللة مقاومة شديدة من أحزاب المعارضة، والصحفيين، ومنظمات المجتمع المدني، فجميعهم قلقون من أن القانون سيكثف القمع ضد منتقدي الحكومة. ويشير تأجيل التصويت البرلماني إلى أنه حتى نخب حزب العدالة والتنمية لم تتمكن من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن تفاصيل مشروع القانون. ويمنح هذا القرار جماعات المعارضة وقتاً إضافياً لاستغلال الانقسامات داخل الكتلة الحاكمة وتعبئة الرأي العام.

ويتعين على صانعي السياسة الأوروبيين أن يظلوا يقظين تجاه جهود الرئيس التركي لخنق المعارضة. وشهدت تركيا انخفاضاً حاداً في الحريات الإعلامية خلال رئاسة أردوغان، وهي الآن تحتل المرتبة 149 من بين 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة العالمي الذي أصدرته منظمة مراسلون بلا حدود عام 2022. ويعد هذا تحولاً قياسياً محزناً لبلدٍ ما زال مرشحاً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (حتى لو تم تعليق العملية لفترة طويلة). وإذا ما تم تطبيق قانون مكافحة المعلومات المضللة، فسوف يسهل هذا على الحكومة استهداف منتقديها في الفضاء الرقمي، وإضعاف قدرة جماعات المعارضة على تحدّي أجندة الحكومة. ويبدو أن أردوغان قد استعاد درجة من الشعبية في العواصم الغربية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. ويتعاون الاتحاد الأوروبي بالفعل مع تركيا في مسائل رئيسية تتعلق بالأمن والطاقة، بالإضافة إلى أزمة الهجرة. وبطبيعة الحال، ينبغي ألا يأتي هذا التعاون على حساب التغاضي عن الهجمات الخطيرة على حرية التعبير.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://www.swp-berlin.org/en/ في 14 يوليو 2022