وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

قانون جديد يفرض قيوداً صارمة على المنظمات غير الحكومية في مصر

Egypt-human rights-Hossam Baghat
الصحفي الاستقصائي حسام بهجت، وسط، يغادر قاعة المحكمة في محكمة جنايات القاهرة حيث كان يحاكم بمزاعم حصوله على تمويل اجنبي غير قانوني، القاهرة، مصر، الخميس 24 مارس 2016. Photo AP

فوجئت المنظمات غير الحكومية المصرية والجهات المانحة الدولية عندما صدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي في 29 مايو 2017 على قانون، أؤجل كثيراً، يفرض قيوداً صارمة على أنشطتها.

فقد وافق البرلمان على القانون في نوفمبر الماضي 2016، على الرغم من المعارضة واسعة النطاق من ممثلي المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مصر والبالغ عددها نحو 40 ألف منظمة، ووصفوه بـ”الضربة القاصمة” و”إعلان للحرب.”

فقد أهمل في الأدراج الرئاسية خلال الأشهر الستة التالية دون أن يتم التصديق عليه، مما منح المنظمات غير الحكومية، والمانحين الأجانب بعض الأمل في أن يعيده الرئيس إلى البرلمان ويطالب بإجراء تعديلات، تماشياً مع صلاحياته الدستورية.

ولكن قبل منتصف ليل 29 مايو بقليل، أفادت وكالة أنباء الشرق الأوسط التي تديرها الدولة، أن السيسي صدّق على القانون دون أي تغييرات، مما قضى على أي أملٍ في إمكانية تحسينه أو تعديله، على المدى القصير، على الأقل.

وقال محامون يمثلون المنظمات غير الحكومية إنهم سيستأنفون ضد القانون في المحكمة الدستورية مدعين أنه ينتهك الضمانات المنصوص عليها في الدستور المصري والمعايير المتعلقة بحرية التعبير وتكوين الجمعيات.

ومن بين الشواغل الرئيسية لمجموعات المنظمات غير الحكومية، والاتحاد الأوروبي والعديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، الذين أصدروا تصريحاتٍ شديدة اللهجة ينتقدون فيها القانون، شرطٌ يضع المنظمات غير الحكومية تحت سيطرة وزارة الشؤون الاجتماعية فحسب، كما كان الحال في الماضي، ولكن مع إشراف إضافي من هيئة أنشئت حديثاً: السلطة الوطنية لتنظيم عمل المنظمات غير الحكومية الأجنبية، التي تضم ممثلين عن وزارة الدفاع، والمخابرات العامة، ووزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ووزارة العدل والبنك المركزي.

ويتحكم القانون بشكلٍ صارم في تمويل المنظمات غير الحكومية. وينص على أنه يجب على المنظمات غير الحكومية الحصول على إذنٍ مسبق من السلطة الجديدة قبل 30 يوماً من تلقي التبرعات من الجهات المانحة المصرية أو الأفراد داخل مصر. وعليها أيضاً إبلاغ وزارة التضامن الاجتماعي عند استلام الأموال التي لا تتجاوز قيمتها 10 آلاف جنيه مصري (550 دولار) نقداً. في حين يجب تلقيّ التبرعات بقيمة أكبر على شكل شيكات، والتي يجب على السلطة التحقق منها أولاً. كما ينص القانون على أنه يجوز للمنظمات غير الحكومية الحصول على تمويل أو منح من جهات أجنبية داخل مصر أو جهات مصرية أو أجنبية خارج مصر طالما يتم إخطار السلطة خلال 30 يوماً من استلامها. ويحق للسلطة بعد ذلك أن ترفض التمويل في غضون فترة 60 يوماً بعد إخطارها. ولا يجوز للمنظمات غير الحكومية استخدام هذه الأموال في غضون فترة الستين يوماً من المراجعة.

وقال محمد سالم الذي يدير منظمة رصد، وهي منظمة غير حكومية ترصد انتهاكات حقوق الإنسان، أن ضوابط التمويل ستثني الكثير من المصريين عن تقديم الأموال للمنظمات غير الحكومية المحلية، لأن لا أحد يريد تفحص اسمه من قبل الأجهزة الأمنية أو الدخول في أي نوعٍ من المشاكل.

كما يمكن أن يعوق القانون بشكلٍ خطير إنشاء منظمات غير حكومية جديدة. ففي الوقت الراهن، تطلب وزارة التضامن الاجتماعي 60 يوم عمل، أو ما يقرب من ثلاثة أشهر، للموافقة على إنشاء منظمات غير حكومية جديدة. وفي حال لم تستجب الوزارة في غضون ثلاثة أشهر، تعتبر المنظمة غير الحكومية قانونية ويمكنها المباشرة بعملها. ولكن بموجب القانون الجديد، تُشير عدم استجابة الوزارة إلى رفض الموافقة.

وعلاوة على ذلك، يشترط القانون على أي منظمة غير حكومية جديدة تسديد رسوم تسجيل قدرها 10 آلاف جنيه مصري، مما يجعل من الصعب، بشكلٍ متزايد، على المنظمات غير الحكومية بميزانيات صغيرة التسجيل. كما يتعين على أعضاء مجلس إدارة المنظمات غير الحكومية تقديم سجلاتهم المالية إلى وزارة الشؤون الاجتماعية للمراجعة، وهو شرطٌ لا يأخذ بعين الاعتبار أن معظم العاملين في المنظمات غير الحكومية يقومون بذلك كمتطوعين. وسيتعين على المنظمات غير الحكومية الأجنبية التي ترغب في العمل في مصر دفع 300 ألف جنيه مصري (16,700 دولار) للحصول على ترخيص.

كما يُحظر على جميع المنظمات غير الحكومية القيام بأنشطة “تهدد الأمن القومي أو النظام العام أو الأخلاق العامة أو الانضباط العام،” وهي مصطلحات غامضة يقول النقاد إنه يمكن إساءة استخدامها لتقييد النشاط المشروع. كما يُحظر عليها العمل في المجالات التي تنشط فيها الأحزاب السياسية أو النقابات، مثل المشاركة السياسية أو الحكم أو حقوق العمال.

وبالإضافة إلى ذلك، ينص القانون على فرض عقوباتٍ صارمة في حال عدم الامتثال، سيما فرض غرامات تتراوح بين 50 ألف إلى مليون جنيه مصري (2800 دولار – 55,500 دولار)، وفترات سجن تصل إلى خمس سنوات. ومن بين الانتهاكات التي يمكن أن تؤدي إلى العقوبة، إجراء استطلاعٍ للرأي دون موافقة مسبقة، وإعادة هيكلة مجلس الإدارة، وفتح فروع جديدة، وحتى الانتقال إلى مكتبٍ جديد دون إبلاغ السلطات مسبقاً.

وقال نجاد البرعي، المحامي والعضو في العديد من منظمات حقوق الانسان، أن التصديق على القانون لا يمكن فصله عن حملة الدولة واسعة النطاق ضد المجتمع المدني أو تلك المتعلقة بالحريات العامة مثل حرية التعبير. وأضاف “عندما أصبح السيسي رئيساً، أعلن أنه لا يملك الوقت للمعارضة أو الحريات الأساسية لانه منخرطٌ في الحرب ضد الارهاب.” وتابع “لهذا السبب يمكننا أن نرى الفضاء يضيق ليس فقط على المنظمات غير الحكومية، ولكن ايضاً على وسائل الاعلام والنقابات المستقلة والاحزاب السياسية.”

وعندما ناقش البرلمان القانون في نوفمبر الماضي، قال النواب المعروفون بدعمهم للسيسي أن هناك حاجة لمحاربة “المحاولات الغربية” للتسلل إلى مصر وتقسيمها على أسسٍ طائفية، كما حدث في سوريا والعراق. واتهم رئيس البرلمان، علي عبد العال، النواب الذين يعارضون القانون بأنهم عملاء أجانب. وكرر التأكيد على نظرية المؤامرة المشتركة التي أشار إليها السيسي نفسه مراراً وتكراراً؛ بأن العديد من المنظمات غير الحكومية هي جزءٌ من ما يسمى بـ”حرب الجيل الرابع” التي تعتمد على الوسائل غير التقليدية لإضعاف سلامة واستقرار مصر وغزوها بالتأثير الغربي.

وغالباً ما يحذر السيسي من التدخل الغربي في شؤون المنطقة من خلال المنظمات غير الحكومية وغيرهم من “الوكلاء الأجانب” أو “لأشرار” الذين يتلقون التدريب في الخارج لتعزيز أفكار مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ومن المرجح أن هذا النوع من الشكوك ما أدى إلى زيادة عدد حالات حظر السفر ضد العديد من الناشطين البارزين في مجال حقوق الإنسان، منهم حسام بهجت، وجمال عيد، ومحمد زارع، وعايدة سيف الدولة، ومزن حسن، وعزة سليمان. ويواجه هؤلاء الناشطون أيضاً اتهاماتٍ بتلقي أموال أجنبية بصورة غير قانونية وتم تجميد أصولهم بأمر من المحكمة.