وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

معركة العوامية تثير الجدل حول قدرة الشيعة على مواجهة الحملات العسكرية السعودية

Saudi arabia- suado army
الجيش السعودي أثناء تنفيذه لإحدى العمليات العسكرية. Photo Hollandse Hoogte

تصاعدت حالة التوتر الراهنة في التي تعيشها منطقة الخليج، وذلك على خلفية ما شهدته بلدة العوامية السعودية من أحداثٍ دامية بين الجيش السعودي وأبناء البلدة الشيعة. ونشر موقع “كاونتر بنش” مقالة سلطت الضوء على المخاطر المتعددة التي قد تواجهها الرياض أثناء مواجهتها لهذا الصراع، فضلاً عن التطرق إلى تبعات تواجد معظم حقول النفط السعودية في مناطق إقامة السعوديين الشيعة.

ويشير كاتب هذا المقال توماس ماونتن إلى أن حالة التوتر تصاعدت بصورةٍ متواصلة في مدينة العوامية الشيعية شرقي المملكة منذ مايو 2017. ويرد ماونتن السبب في ذلك إلى حالة الدمار الكبيرة التي قامت كاميرات هيئة الإذاعة البريطانية “BBC” بتصويرها في المدينة. وبحسب الكاتب، فإن الحملة العسكرية التي تم شنها في العوامية تعني توسيع العائلة السعودية الحاكمة لنطاق حربها على الشيعة لتشمل أولئك المقيمين في المناطق الشرقية من المملكة، خاصةً وأن تركيزها العسكري انصب في الآونة الأخيرة على مواجهة الحوثيين في اليمن.

ويرى ماونتن أن التقرير المصوّر الذي عرضته قناة “BBC World” في 16 أغسطس لمدينة الزارة التاريخية وباقي مناطق العوامية يحاكي ما تشهده المناطق السورية والكردية من دمار. وتشير التقارير إلى أن الحملة العسكرية السعودية أدت إلى تدمير 500 مبنى، بالتزامن مع إجلاء 20 ألف شيعي من المدينة التي تم قصفها بالغارات الجوية والمدفعية وقذائف الهاون.

واشترطت السلطات السعودية دخول طاقم الـ”BBC” بعرباتٍ مصفحة إلى المدينة، حيث تم تصوير التقرير عبر نوافذ مضادة للرصاص وضمن وحدة مسلحة من وحدات الجيش السعودي. وكان صوت الرصاص مسموعاً أثناء تصوير التقرير، وهو ما دفع السلطات السعودية إلى إصدار الأوامر بعودة الطاقم بسرعة إلى العربات المصفحة ليتمكن أعضاءه من الفرار.

ويرى ماونتن أن هذا التصعيد، الذي أشاحت وسائل الإعلام العالمية بنظرها عنه، يثير الكثير من مخاوف الدول الكبرى، خاصةً وأنه يهدد قدرة السعودية على تزويد العالم بالنفط باعتبارها المصدّر الثاني للنفط على المستوى العالمي. وتنتج العوامية وحدها 2 مليون برميل من النفط يومياً، أي ما يصل إلى 20% من إجمالي صادرات نفط المملكة. وبحسب الكاتب، فإن توسيع الشيعة نطاق مواجهتهم المسلحة مع الجيش السعودي في المناطق الشرقية من المملكة، سيثير التساؤلات ليس حول نفط العوامية فحسب، بل حول قدرة السعودية الكاملة على مواصلة إنتاج 10 مليون برميل من النفط يومياً.

ويرى ماونتن أن الحجج التي أطلقتها العائلة الحاكمة لتبرير نقل المواطنين الشيعة من مناطق إقامتهم القديمة كانت واهية، حيث استندت الرواية الرسمية إلى رغبة الرياض بـ”تحديث” تلك المناطق. إلا أن ذلك “التحديث” أدى إلى تدمير مواقع أثرية عالمية كمدينة الزارة القديمة، التي تحظى بمكانة تاريخية كبيرة لدى الشيعة. كما أن التحديث شكل ذريعة لإبعاد الشيعة عن حقول النفط السعودية إلى أبعد نقطة ممكنة.

ويشير الكاتب إلى استغلال الحكومة السعودية لصمت الأمم المتحدة بهدف تمرير تحركاتها تجاه مواطنيها الشيعة، لافتاً إلى أن وسائل الإعلام تعاملت مع هذه التحركات دون اهتمام. وأسفر الصمت الدولي عن سياسات الرياض إلى الانتقال من مرحلة إعدام أبرز القادة الشيعة في السعودية، إلى إطلاق الرصاص على الحركة الاحتجاجية في العوامية. وقد أدى تصعيد الحكومة السعودية إلى إثارة الشيعة بطريقةٍ ساهمت في ظهور أول حراك مسلّح في تاريخ السعودية.
ويسلط ماونتن الضوء على العلاقات التاريخية التي تجمع شيعة المناطق الشرقية من السعودية مع الحوثيين في اليمن. ويرتبط الجانبان ببعضهما البعض بكثيرٍ من صلات القربى، فضلاً عن إقامتهم لعلاقاتٍ تجارية تاريخية لا يمكن تجاوزها ببساطة. ويرى صاحب المقال أن العلاقات الوطيدة بين الجانبين سمحت بوصول السلاح إلى شيعة السعودية بعدما كان ذلك حكراً على حوثيي اليمن، لافتاً إلى أن ذلك أدى إلى تصاعد حالة التوتر في الصراع بين الشيعة والسنة في أكثر المواقع حساسية من الناحية الاستراتيجية بين الجانبين وهو مدينة “الزارة” التاريخية. وبحسب الكاتب، فقد حملت هذه المدينة السعودية تاريخياً العمق الثقافي للبحرين، خاصةً وأنها كانت عاصمة البحرين لحقبة طويلة من الزمن.

وبعد مرور قرابة أربعة أشهر على الحراك المسلح في مدينة العوامية، استطاع المسلحون الشيعة وضع الجيش السعودي في نفقٍ مسدود، خاصةً وأنهم استطاعوا المحافظة على وجودهم بعد القصف الجوي والمدفعي المكثف. ويعيد ماونتن السبب الأول لمواصلة الشيعة لحراكهم المسلح ضد الحكومة السعودية إلى ما يتعرض له هؤلاء من اضطهاد في المملكة.

ويختم ماونتن مقاله بتأكيد احتمال انتقال الحراك المسلح من العوامية إلى باقي القرى والبلدات التي يقطنها الشيعة في المناطق الشرقية من السعودية. وتزداد خطورة هذا الاحتمال إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار أن عدد السكان الشيعة في المملكة يزيد عن 3 مليون شخص.

وبحسب ماونتن، فإن فقدان العائلة الحاكمة لسيطرتها على حقول النفط الموجودة في المناطق الشرقية من المملكة سيطرح الكثير من التساؤلات حول مدى قدرة هذه العائلة على مواصلة حكم السعودية، وهو أمر غير مسبوق منذ إنشاء المملكة في ثلاثينيات القرن الماضي. كما أن فقدان هذه السيطرة سيزعزع من استقرار العالم الذي يعتمد بشكلٍ كبير على النفط السعودي لتلبية احتياجات الكثير من الدول شرقاً وغرباً.

رابط المقالة باللغة الإنكليزية