يعاود الباحث البارز في كلية راجاراتنام للدراسات الدولية جميس دورسي تسليط الضوء على الأزمة الدائرة بين قطر وحلف الإمارات – السعودية، موضحاً في مقالةٍ جديدة نشرها على موقع “The Globalist” أن الصراع بات سيفاً ذي حدّين ويستلزم إحداث تغييرات اجتماعية. ويرى الكاتب أن تداعيات النزاع لم تفرز سباق تسلّحٍ محموم فحسب، بل دبّت الروح أيضاً في مسيرة الاصلاحات الاجتماعية البطيئة التي شهدتها قطر منذ الإعلان عن فوزها بتنظيم كأس العالم لكرة القدم في عام 2022.
وبالطبع، فإن طبيعة هذه الاصلاحات لا بد وأن تتناقض بشكلٍ كبير مع ما تضعه دول مجلس التعاون الخليجي الست من سياساتٍ تركز على توفير الحماية الكاملة للحكام عوضاً عن دعم الحقوق والحريات.
حصار بنتائج عكسية
من المفارقات التي يشير إليها دورسي في مقالته أن يكون الزخم الجديد الذي شهدته الدوحة مؤخراً على مستوى عملية الإصلاح من إرهاصات المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية التي فرضتها عليها دول التحالف الرباعي بقيادة السعودية والإمارات على قطر.
ويرجح كاتب المقال أن تتأثر العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي لطالما جمعت بين دول مجلس التعاون الخليجي وبطرقٍ قد لا تتصورها هذه الدول نفسها، وذلك في أعقاب رفض قطر الإذعان للمطالب التي قد تفضي إلى وضعها تحت الوصاية السعودية والإماراتية.
وتضع مقاطعة قطر كلاً من السعودية والإمارات في مقام الأخ الأكبر للدول الخليجية الأصغر، وبما يجعلها من التهديدات المحتملة التي قد تواجهها هذه الدول.
ويقول غراهام فولر، المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية والخبير المتخصص في شؤون الشرق الأوسط: “بات من المنطقي أن يتخوف حكام الدول الخليجية الأصغر ممّا تبديه المملكة العربية السعودية من تعنّت متنامٍ (في سياساتها) تحت قيادة مليكها المنتظر”، وبالطبع فإن “الملك المنتظر” هو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ويرى فولر أن مقاطعة الدوحة تبرز “صورة جديدة عن عدوانية السعودية ورغبتها في الانتقام من قطر، وهو ما يسلّط لنا الضوء على الطبيعة التي ستصبح عليها الأشياء في الجغرافية السياسية الجديدة لمنطقة شبه الجزيرة العربية”.
إصلاحات لا تغني ولا تسمن من جوع!
يصف النقاد التغييرات الاجتماعية والسياسية التي قامت بها قطر مؤخراً بـ”الشحيحة” وتهدف بصورةٍ أساسية إلى حشد التأييد الدولي في نزاعها مع التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات. وبحسب كاتب المقال، فإن الإصلاحات المماثلة لاعتماد نظام الإقامة الدائمة للطبقة العليا من الوافدين لا تستهدف العمال الذين لا يحظون بخبرة أو أولئك الذين تعتبر خبرتهم متوسطة.
وكانت قطر قد أعفت مواطني 80 دولة من شرط الحصول على تأشيرة لدخول البلاد، لكن هذا الإعفاء لم يشمل الإيرانيين. ويرى دورسي أن هذا التوجه الجديد في السياسة القطرية لم يعالج قضية إصدار تأشيرات الخروج. وهنا يكمن الخلاف الجوهري مع ما تبذله منظمات حقوق الإنسان والاتحادات التجارية من جهود لإجبار الدوحة على تنفيذ إصلاحات جذرية في نظام كفالة العمال المثير للجدل، هذا إن لم يكن إلغاء هذا النظام برمّته.
وبحسب دورسي، فإن قطر تتفاعل ببطء مع النداءات الدولية المطالبة بإحداث تغيير على مستوى نظام العمل والتعامل مع حالة التذمّر المحلية فيما يتعلق بالمكتسبات الاقتصادية والتعليمية.
ويتضمن ذلك أيضاً القضايا الاجتماعية المماثلة لرفض منح المواطنة لأطفال الأجانب المتزوجين من مواطنات قطريات والقيود المفروضة على حق اختيار الشريك. ومن الناحية النظرية، يحقّ لأطفال القطريات التقدّم للحصول على المواطنة القطرية. ومع ذلك، لم يتم منح هؤلاء الأطفال الجنسية القطرية.
كسر المحرمات
على الرغم من كل الانتقادات السابقة، تعتبر قطر حتى هذه اللحظة الدولة الخليجية الأولى التي تمنح الأجانب أي نوعٍ من أنواع الحقوق المماثلة لما يتم منحه فقط للمواطنين في هذه المنطقة من العالم، وبخلاف تلك بحقوق الإقامة المرتبطة بفترة العمل.
وبحسب دورسي، تتناسب هذه التغييرات مع كسر محرمات من وزن طرح النقاشات العامة حول حقوق المثليين ولباس المرأة في الأماكن العامة، وحق الزواج ممن يختاره المرء. ويشير دورسي إلى أن هذا النوع من النقاشات ظهر نتيجة استثمار قطر الكبير في الرياضة والسياسة الناعمة واستغلال منظمات حقوق الإنسان والاتحادات التجارية فرصة نجاح قطر في الحصول على حق استضافة كأس العالم 2022 للضغط عليها.
وبحسب الكاتب، سيكون اجتماع قطر المقبل مع منظمة العمل الدولية في شهر نوفمبر 2017 اختباراً لتقييم مدى رغبة الدوحة في المضي قدماً ضمن عملية التغيير، خاصّةً وأن المنظمة الدولية ستقوم بتقييم امتثال الدولة الخليجية مع ما أطلقته من وعود لتحسين معيشة وظروف عمل العمّال الأجانب.
وكانت منظمة العمل الدولية قد حذّرت من تشكيل لجنة لتقصي الحقائق إذا ما فشلت قطر في التعامل مع هذه القضايا بحلول شهر نوفمبر 2017. ويشير دورسي إلى أن هذا النوع من اللجان من أقوى الأدوات التي تعتمد عليها منظمة العمل الدولية لضمان امتثال الدول للمعاهدات الدولية.
وكانت هذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة قد شكّلت 13 لجنة لتقصي الحقائق منذ تأسيسها قبل مئة عام، حيث تم تشكيل آخر لجنة مماثلة لتلك التي قد تواجهها قطر في عام 2010، وكان ذلك لإجبار زمبابوي على الوفاء بالتزاماتها.
ويختم دورسي مقالته بالإشارة إلى قول جيمس لينتش من منظمة العفو الدولية الذي أشار فيه إلى أن العالم: “ينظر بأكمله نحو قطر. ومن الواضح أن الحكومة القطرية تحظى بفرصة الرد على جميع منتقديها. وإذا ما أرادت الحكومة اختيار الطريق الآخر والمضي قدماً في تنفيذ الإصلاحات الجوفاء، فإن إساءة معاملة العمال الأجانب ستكون الهدية التي ينتظرها الخصوم السياسيين لدولة قطر”.
ملاحظة: تم نشر هذه المقالة باللغة الإنكليزية على موقع “The Globalist”. لقراءة المقالة الأصلية باللغة الإنكليزية، يرجى النقر هنا.