وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هجمات 11 سبتمبر: كيف حوَّل السياسيون والإعلام الإرهاب إلى قضية إسلامية

هجمات 11 سبتمبر
صورة تم التقاطها يوم ١١ سبتمبر ٢٠٠١ لطائرة تجارية تم اختطافها وقد اصطدمت بمركز التجارة العالمي في نيويورك. المصدر: AFP PHOTO SETH MCALLISTER.

 

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلّطت الضوء على تأثير هجمات الحادي عشر من سبتمبر على التغطية الإعلامية للحرب على الإرهاب. ويقوم صاحب المقالة جاريد أحمد، وهو محاضر في الصحافة والسياسة والاتصال لدى جامعة شيفيلد، بتناول كيفية ربط وسائل الإعلام بين الإرهاب والإسلام والمسلمين، ومدى قدرة السياسيين والمصادر الأمنية على تشكيل الرأي العام عبر المبالغة في خطر العنف الإرهابي.

وفي الوقت الذي تحلّ فيه الذكرى العشرون لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، يرى أحمد ضرورة التفكير في الإرث الذي خلفه هذا الحدث – والحرب على الإرهاب على نطاق أوسع – بشأن الطريقة التي تقوم وسائل الإعلام الإخبارية بتغطية الأحداث المرتبطة بالإرهاب. كما أنه من الضرورة بمكان معرفة أنّ الإرهاب، كما نعرفه حالياً، سبق الهجمات بما يزيد عن قرن من الزمان. بيد أن المهم بشأن أحداث 11 سبتمبر هو الطريقة التي تم من خلالها تحويل الإرهاب إلى مادّة شبه ثابتة في دورة الأخبار اليومية.

جادل الباحثون لوقت طويل بوجود علاقة رمزية بين وسائل الإعلام الإخبارية والإرهاب. وبحسب ما يراه الصحفيون، فإن العنف الإرهابي يتضمن قيم إخبارية أساسية، تساعد على ضمان جذب عدد كبير من المشاهدين. أما إذا ما نظرنا للموضوع من وجهة نظر الإرهابيين، فإن التغطية الإخبارية توفر إحساساً بالشرعية وأكسجين الدعاية الحيوية لقضيتهم. وما من حدث يشرح هذه العلاقة أكثر من 11 سبتمبر.

ومع تحديد توقيتها لكي تتزامن مع جداول الأخبار الصباحية عبر الولايات المتحدة، فإن الفارق الزمني بين الهجومين بالطائرات على برجي مركز التجارة العالمي وصل إلى حوالي 17 دقيقة، وهو ما ساعد في تضخيم الدراما وضمن حصول فرق الكاميرات التابعة لشبكات التلفاز على الوقت الكافي للتركيز على الأحداث. وفي بعض الحالات، أذاعت الشبكات الإخبارية تقارير متواصلة لما يقرب من ١٠٠ ساعة لملايين المشاهدين حول العالم.

في مقابلات أجراها جاريد أحمد للكتاب الذي أصدره عن تصوير هيئة الإذاعة البريطانية لخطر تنظيم القاعدة خلال هذا الوقت، ذكر أحد الصحفيين التالي عمّا كان عليه ذاك اليوم:

“يصعب الآن تأكيد الطريقة التي استطاعت من خلالها الأحداث إيقاف العالم عن الحركة. لقد استطاعت تلك الأحداث القيام بذلك بطريقةٍ لم يقم بها أي حدث آخر، على الإطلاق، طوال حياتي. كان الأمر صاعقاً… مشاهدة رعب ما حدث، وعدد الأشخاص الذين قُتِلوا، ثم مشاهدة انهيار هذين البرجين الرمزيين”.

في السنوات التي تلت هذا الحدث، تزايد بوتيرةٍ متسارعة عدد المقالات الصحفية التي تُبرِز كلمتي “الإرهاب” أو “إرهابي”، في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا. حدث هذا رغم حقيقة أن الهجمات الإرهابية في أوروبا وأمريكا الشمالية كانت أكثر شيوعاً خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وكانت هذه الهجمات تُنفذ بواسطة المنظمات القومية اليمينية واليسارية.

من تشكل آراؤه الأخبار؟

بعيداً عن الدراما والقيمة الإخبارية لهجمات 11 سبتمبر، فإن أحد الأسباب الهامة التي جعلت الإرهاب يحتل العناوين الرئيسية للأخبار تمثّل في حديث السياسيين وغيرهم من رموز “النخبة” بشكلٍ كبير عن الإرهاب.

لطالما أشارت منح دراسات الاتصال السياسي إلى تأثير المصادر النافذة على أجندة الأخبار. ومع ذلك، تكشف الدراسات كيف أن السياسيين والمصادر الأمنية (التي كانت أغلبها مُجهَّلة) سيطروا على أخبار الخطر الإرهابي، في الأيام والأسابيع والأشهر التي تلت أحداث 11 سبتمبر، وساعدوا على تحفيز أجواء مفعمة بالحماسة الوطنية.

قيل أيضاً أن السياسيين كانوا يتبنون لغة مثيرة للمشاعر عند حديثهم عن التهديدات الإرهابية، ما زاد من القيمة الإخبارية لهذه المعلومات.

وفي الوقت الذي توسعت فيه الحرب على الإرهاب، فإن الإرهابيين أنفسهم ظهروا كمصادر مهمة للأخبار. وعنى انتشار الإنترنت وظهور وسائل التواصل الاجتماعي تمتّع الجماعات الإرهابية بقدرة أكبر على الوصول إلى وسائل الإعلام الإخبارية أكثر من أي وقت مضى. وبمرور الوقت، تحولت صور الدعاية البسيطة ضعيفة الجودة إلى أداء مذهل على الطريقة الهوليوودية ضمن حملات العلاقات العامة الإرهابية، والتي يمكن مشاركتها لحظياً مع جمهور الداعمين العالمي.

لكن رغم وجود هذه الصور في التغطية الإخبارية الغربية، فإنّ التقارير الإعلامية فشلت على الأرجح في تضمين شرح مفصّل للأسباب التي دفعت الإرهابيين لتبني خطط عنيفة. وتشير نتائج الدراسات إلى أن الإعلام الغربي، عادةً، ما يحذف البعد السياسي من مقاطع الفيديو الدعائية للإرهابيين، لكنه يحتفظ بالجوانب الأكثر تهديداً، والتي تكون غالباً غريبة.

أسلمة الإرهاب

لكن قد تكون أسلمة التهديد الإرهابي وإكسابه صبغة موحّدة هي أكثر الآثار الضارة لإرث هجمات 11 سبتمبر، إذ أدى هذا إلى الخلط بين الإسلام والمسلمين والإرهاب في العديد من التغطيات الإخبارية.

في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، تُظهر الأبحاث أن جمهور الأخبار شاهد ارتفاعاً هائلاً في الأخبار عن الإسلام والمسلمين في السنوات التي تلت هجمات 11 سبتمبر. وبلغت ذروة هذه التغطية في عامي 2001، و2006. بينما لا تتسم التقارير الإعلامية بنغمة خطاب سلبية دوماً، فإنها تشير إلى التركيز على أفكار محددة مثل الإرهاب، والتطرف العنيف، والاختلافات الثقافية لدى المسلمين.

الأكثر من هذا، أظهر الباحثون كيفية تمتّع الهجمات الإرهابية، التي يتورط فيها جناة مسلمون في الولايات المتحدة، باهتمام أكثر من الهجمات، التي ينفذها شخص غير مسلم بحوالي 375%.

ورغم الافتتان بالإرهاب الإسلامي، يذكرنا مؤشر الإرهاب العالمي بأن 2.6% فقط من الهجمات، و0.51% فقط من حالات الوفاة التي تحدث بسبب الإرهاب، تحدث في البلاد الغربية.

إن غالبية هذه الهجمات مدفوعةٌ بأسباب قومية-عرقية، لا إسلامية. الأكثر من هذا، الدول الخمس الأكثر تضرراً من العنف الإرهابي (أفغانستان، والعراق، ونيجيريا، وسوريا، والصومال) هي دول يُعرَّف غالبية سكانها بأنهم “مسلمون”.

الدروس المتعلمة؟

دشنت هجمات 11 سبتمبر بداية عهد جديد للإرهاب. وأدت هذه الأحداث، و”الحرب على الإرهاب” الناجمة عنها، إلى زيادة كبيرة في قيمة الإرهاب كموضوع ذي قيمة إخبارية. وضمنت أيضاً هذه الأحداث للمجموعات، التي لديها مصالح راسخة في المبالغة بشأن مستويات التهديد الإرهابي، مثل السياسيين وأعضاء الوكالات الأمنية، أن تبقى الأصوات الرئيسية التي تُشكل التغطية الإخبارية. وبالنسبة لهذه المجموعات، هناك نوعاً واحد من “الإرهاب” يعتبر مهماً.

إن التعليقات الأخيرة، التي ألقاها رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بشأن التهديد الوجودي الذي تفرضه ما أشار إليه بـ”الإسلاموية” على الدول الغربية، يُظهر أن الخطاب المختزل بشأن المسلمين “الجيدين” و”السيئين” لا زال يحظى باهتمام وسائل الإعلام الإخبارية. وهذه هو حال التغطية الإعلامية حتى في ظل تحذير حملات مجموعات الضغط من أخطار محلية أكبر.

ويختم أحمد مقاله بالتالي: “إذا كان الإعلام سيتعلم أي شيء من عقدي “الحرب على الإرهاب”، فعليه أن يفهم بشكل أفضل الدروس التي ظهرت بقوة في أحداث 11 سبتمبر. ويعني هذا إيجاد طريقة لنشر تقارير عن الأحداث الإرهابية دون الإثارة أو المبالغة في خطر العنف الإرهابي. ويعني هذا تحدي الطريقة التبسيطية التي يميل السياسيون إلى استخدامها لتأطير القضية، ووضع الأحداث في سياقها كما حدثت. وأخيراً، يتضمن هذا إدراك الصور النمطية الراسخة، التي تفصل “بيننا” و”بينهم”، ومحاربتها. إذا لم يتحقق هذا، ستظل وسائل الإعلام الإخبارية “مُختطَفة” من قبل الإرهاب”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/au في 11 سبتمبر 2021