وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تقاربٌ بطيء الوتيرة بين الدول العربية وسوريا الأسد

Syria Nassib crossing
مسافرون يستعرضون جوازات سفرهم عند معبر جابر الحدودي بين الأردن وسوريا (معبر نصيب على الجانب السوري) يوم إعادة افتتاحه في 15 أكتوبر 2018، في محافظة المفرق الأردنية. Photo AFP

افتتح معبر نصيب بين الأردن وسوريا أمام حركة عبور الأشخاص والسلع في 15 أكتوبر 2018 بعد إغلاقه لمدة ثلاث سنوات، إذ تعدّ هذه إشارةً إلى تطبيع العلاقات بين البلدين وتُمثل خطوةً أقرب إلى النظام السوري، الذي بات يُعتبر أكثر قبولاً، سياسياً ودبلوماسياً، من قِبل جيرانه.

سهّل النظام السوري إعادة فتح الحدود، وذلك بعد سيطرته على المنطقة التي كان يحتلها في السابق متمردون، في يوليو 2018 في أعقاب هجومٍ مدعومٍ من قبل روسيا. هذا ويعتبر المعبر طريقاً يستخدم لتسهيل دخول مليارات الدولارات من التجارة بين البلدان في جميع أنحاء المنطقة، مع دخول مئات الشاحنات يومياً لنقل البضائع بين تركيا والخليج، وكذلك لبنان والخليج. في يوم الافتتاح، قال رئيس نقطة التفتيش على الجانب الأردني من حدود جابر، عماد ريالات، لرويترز، “نحن على أتم الاستعداد لاستقبال المسافرين ونقل البضائع. نتوقع أن تكون حركة المرور بطيئة في البداية، لكن في الأيام القادمة نتوقع أن ترتفع وتيرة حركة المسافرين.” وفي الوقت نفسه، صرح وزير الخارجية السوري وليد المعلم بأن سوريا” تشهد أول نتائج النصر.”

طوال التاريخ، لم يكن الأردن وسوريا مقربين، رغم أنهما اتفقا على عدم دعم منظمة التحرير الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي لأسباب إقليمية وسياسية. فقد زادت الحرب الأهلية السورية من الضغوط على العلاقة، حيث تصادمت القوات الأردنية بشكلٍ ملحوظ مع القوات السورية في أغسطس 2012، وطرد السفير السوري بهجت سليمان في مايو 2014، وهو القرار الذي تم تحريكه، وفقًا للمتحدثة باسم وزارة الخارجية صباح الرفاعي بسبب “استمرار تصريحاته المسيئة، من خلال تواصله الشخصي أو كتاباته على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ضد المملكة.”

يدعم الأردن، الحليف القوي للولايات المتحدة والذي يعدّ جزءاً من التدخل الأمريكي في سوريا، حلفائه في الخليج العربي في موقفهم المتشدد ضد دور إيران في المنطقة ويشعر بالقلق من النفوذ المتزايد للميليشيات المدعومة من طهران في جنوب سوريا، بحسب دبلوماسيين، وهو ما قد يفسر قراره بالمضي قدماً نحو تطبيع العلاقات. وبشكلٍ منفصل، ولكن على نفس المنوال، أعادت إسرائيل فتح معبر القنيطرة على جبهة هضبة الجولان المحتلة مع سوريا في نفس اليوم.

يُظهر إعادة فتح الحدود في نصيب تهدئةً للعلاقة بين البلدين، وهو ما يفسر وفقاً للمستشار الإعلامي والسياسي البارز في الأردن والإمارات العربية المتحدة شهاب المكاحلة، إرادة ورغبة سوريا في تطوير العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية الكاملة مع الأردن.

فقد كتب المكاحلة: “تتوقف المصالح السورية في ربط استئناف التبادلات الاقتصادية والتجارية باتفاقٍ استراتيجي شامل بين البلدين، على هذا الشعور بالأمن الاقتصادي، على الرغم من سنوات الصراع في سوريا. وبالتالي، فإن المهمة الدبلوماسية الأردنية بإدارة إعادة فتح معبر نصيب ستكون صعبة للغاية، حيث حاول الأردن تحقيق التوازن في علاقاته مع جميع الأطراف المعنية طوال النزاع السوري.” وأضاف ” توصل العديد من الأردنيين وحتى بعض السوريين إلى استنتاجٍ مفاده أنه بعد وفاة أكثر من 420 ألف شخص، فإن نهاية حرب الثماني سنوات خيارٌ أفضل من استمرارها، حتى وإن كانت هذه التسوية تتضمن بقاء الأسد. باختصار، تطالب دمشق بإضفاء الشرعية السياسية على التجارة الاقتصادية. وسواء قبلت عمّان بهذه الصفقة أم لا، سيبقى وضع المعبر الحدودي بين الأردن وسوريا ميزان قياس لعلاقاتهما الثنائية في المستقبل.”

وبالفعل، في أواخر أغسطس 2018، قال الناطق باسم الحكومة الأردنية محمد المومني: “علاقاتنا مع الدولة السورية ونظامها تسير في الاتجاه الصحيح،” وهي دلالة على أن كل خطوة قد تم تحليلها واتخاذ قرارٍ بشأنها بحذر من قبل الأردنيين قبل تنفيذ.

المصادر: Reliefweb, Rudaw.net, economy-news.net, the National, southfront.org, Wikipedia, Haaretz. إضغط للتكبير. @Fanack.com ©Fanack CC BY 4.0

وأشار الصحفي والمعلق السياسي أسامة الشريف إلى أنه على الرغم من أن عمّان أصرت على حلٍ سياسي للنزاع في سوريا، إلا أن الأمر انتهى بالتخفيف من حدة موقفها تجاه الأسد.

إذ قال “حافظت عمّان ودمشق على مدى السنوات السبع الماضية على بعض قنوات الاتصال مفتوحة على الأقل على مستوى الجيش والمخابرات. لدى كلا البلدين مصلحة مشتركة في منع جنوب سوريا من السقوط بيد الجماعات الإسلامية المتشددة، بينما كان الهدف الرئيسي للأردن تأمين حدودها الطويلة مع سوريا. سارع الأردن إلى قراءة المزاج السياسي المتغير في العديد من العواصم الغربية فيما يتعلق بمصير الأسد. فقد منحت سياسته الأولية تجاه الأزمة السورية المرونة، وعلى الرغم من أن الحل السياسي لا يزال أمامه شوطٌ طويل، إلا أن العلاقة الثنائية الطبيعية قد تعطي دفعة ضرورية لتلك العملية.”

ويبدو أن هذا التطبيع هو الهدف الذي حدده نظام الأسد لاستعادة مكانته في المنطقة ثم العالم، كما زعم في أوائل أكتوبر أن الدول الغربية والعربية تتأهب لاستعادة وجودها في سوريا بعد سنواتٍ من الغياب. فقد ذكر الأسد أنه “بالنسبة للعديد من الدول العربية، هناك تفاهمٌ كبير بيننا وبينهم، كما بدأت العديد من الدول الغربية بالتخطيط والاستعداد لفتح سفاراتها (في دمشق). كما بدأت الوفود الغربية والعربية بالفعل في القدوم إلى سوريا لتنظيم عودتهم، سواء كانت دبلوماسية أو اقتصادية أو صناعية.” والأهم من ذلك هو أن الأسد صرح بما هو مذكورٌ لصحيفة الشاهد الكويتية – أول مقابلةٍ له مع منفذٍ إعلامي خليجي منذ بدأ الحرب الأهلية السورية، وفقاً للأسوشيتد برس.

ومن الجدير بالذكر أنه قد تم تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية التي تضم 22 عضواً في الأيام الأولى للحرب وفرضت الدول العربية عقوباتٍ اقتصادية بعد أن فشلت في التوسط لإنهاء النزاع. وحتى عام 2017 كانت المملكة العربية السعودية وقطر وأعضاء آخرون في مجلس التعاون الخليجي يدعمون بشكلٍ علني جماعات المعارضة التي تقاتل للإطاحة بالأسد، ولطالما أدانت تدخل حزب الله في سوريا.

وعليه، ظهرت علاماتُ التغيير في العلاقة بين دول الخليج وسوريا خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 سبتمبر 2018، عندما تبادل وزير الخارجية السوري وليد المعلم ونظيره البحريني خالد بن أحمد آل خليفة الأحضان والقبلات. وفي اليوم التالي قال آل خليفة على قناة العربية: “يأتي الاجتماع في وقتٍ تبذل فيه جهود جادة لإحياء دور العرب في الأزمة السورية. سوريا هي أمة عربية شقيقة، وما يحدث هناك يثير قلقنا أكثر من أي مكانٍ آخر في العالم. ليس صحيحاً أن اللاعبين الإقليميين والدوليين يشاركون في سوريا بينما نحن غائبون. نعتقد أن على الدولة استعادة السيطرة على البلد بأكمله وتأمينه.” تُظهر هذه الكلمات أن دول الخليج تدرس مرةً أخرى الاتصال الدبلوماسي والسياسي مع سوريا، على الرغم من خوفها من تأثير إيران على النظام.

كما أظهرت مصر يضاً دعمها للنظام السوري، خاصة في فبراير 2018، عندما قام وفدٌ مصري يضم شخصياتٍ شعبية وسياسية بزيارة القنصلية السورية في القاهرة للإعلان عن التضامن مع سوريا في “حربها ضد الإرهاب.” في حين أكد أمين عام الجمعية العربية للعلوم السياسية في مصر جمال زهران، على أهمية استئناف العلاقات الطبيعية بين سوريا ومصر. فقد بدأ هذا التقارب بين مصر وسوريا في سبتمبر 2017، بحسب الباحثين سي ميتال وإن موزس، اللذان كتبا أن مصر كانت “تتصرف علناً لتقوية العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع النظام السوري، كما اتضح من إرسالها وفداً إلى معرض دمشق الدولي الذي انعقد في الفترة ما بين 17 و26 أغسطس 2017. كما تتعاون مصر مع روسيا، حليفة الأسد، في جهود الأخيرة لتأسيس مناطق تخفيف التصعيد في سوريا، فضلاً عن جهودها توسيع قاعدة وفد المعارضة السورية في المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، بحيث يشمل، بالإضافة إلى شخصياتٍ مقربة من المملكة العربية السعودية، شخصياتٍ معارضة مقربة من القاهرة وموسكو.

يمكن أن يعود هذا التحول في الاستراتيجية من جانب مصر والأردن والخليج بالفائدة على روسيا في ظل استمرار محاولاتها موائمة مصالحها في المنطقة مع السعوديين والإماراتيين. ففي أكتوبر 2018، التقى وفدٌ روسي بقيادة مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سوريا، الكسندر لافرانتيف، مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وغيره من المسؤولين في الرياض قبل التوجه إلى الإمارات العربية المتحدة ثم عُمان. فقد تتضمن جدول أعمال الرحلة الأمن الإقليمي، وخاصة في سوريا، بينما تحاول روسيا حشد المزيد من الدعم لاستمرار الأسد بلعب دوره كرئيس. وإذا ما نجحت هذه المحاولات الدبلوماسية، بالإضافة إلى التحولات الإيجابية في العلاقات بين سوريا والجهات الفاعلة في المنطقة، قد ينتهي الأمر ببشار الأسد كحليفٍ محتوم في الشرق الأوسط، مما سيؤدي في النهاية إلى تعزيز نفوذ روسيا، دون أدنى شك.