وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تجاوز الإنقسامات: جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي يجتمعان في قمة الصحراء الأولى 2019

Specials- Arab league eu
(الصف الأول، من اليسار) رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل السعودي سلمان، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، يقفون لالتقاط صورة خلال أول قمة مشتركة بين الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية في مركز المؤتمرات الدولي في منتجع شرم الشيخ المصري على البحر الأحمر، في 24 فبراير 2019. Photo AFP

اتفقت جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي على تعزيز التعاون بينهما في القمة الأولى التي عقدت بين الكتلتين في شرم الشيخ، وهي منتجع صحراوي في مصر. وعليه، احتلت الهجرة غير النظامية ومكافحة الإرهاب مكانة ذات أهمية على جدول أعمال الحدث الذي استمر ليومين، والذي بدأ في 24 فبراير 2019.

لطالما سعت فيديريكا موغريني، رئيسة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، إلى تعزيز العلاقات مع جامعة الدول العربية، والتي يُعتقد أنها جزء مهم من إرثها. كما رحب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالقمة، الذي يأمل دون أدنى شك في أن المحادثات مع أوروبا سترفع مكانة مصر في العالم العربي.

وعلى الرغم من مظاهر الوحدة، لم يتفق أي من الطرفين على بيان القمة الختامي. كما فشل وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية في الاتفاق على نصٍ بعد أن اعترضت هنغاريا على قسمٍ خاص بالهجرة.

ستكون الوثيقة، بمجرد الموافقة عليها، بمثابة مخططٍ لكيفية تعاون كلا الجانبين لتخفيف حدة النزاعات في سوريا واليمن. وهذا أمر مستبعدٌ حدوثه، بفضل مختلف الرجال الأقوياء الذين يقوضون التعاون المتعدد الأطراف. ومع ذلك، اعتبر أن القمة حققت نجاحاً لمجرد جمعها الكثير من رؤساء الدول تحت سقفٍ واحد.

وقال حسام زكي، مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية، لموقع المونيتور، وهو موقع إخباري إقليمي على الإنترنت: “إن حقيقة انعقاد القمة كان بحد ذاته ناجحاً.” وأضاف “إن إتاحة الفرصة لكل هؤلاء القادة للتحدث مع بعضهم البعض يزيد من فرص التفاهم. وهذا بحد ذاته إنجاز للقاء الأول من نوعه.”

ومن بين أبرز الغائبين عن القمة كان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي سلطت عليه الأضواء بشكلٍ مكثف في أعقاب عملية القتل الوحشي للصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول في أكتوبر الماضي. كما تغيب الرئيس السوداني عمر البشير، المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية عن جرائم ارتكبت في دارفور ويواجه الآن احتجاجاتٍ جماهيرية في الداخل. وعلاوةً على ذلك، لم يحضر بشار الأسد من سوريا أيضاً، بالرغم من التحضيرات لعودته إلى أحضان الجامعة العربية.

على المدى البعيد، يأمل الاتحاد الأوروبي في حث خفر السواحل المصريين على نقل المهاجرين الذين يغادرون ليبيا وإعادتهم إلى البر الأفريقي. وكما هو حال اتفاقية إعادة القبول الموقعة مع رجب طيب أردوغان في تركيا، يعتمد السيسي على إضفاء الشرعية على حكمه على الرغم من سجله المروع في مجال حقوق الإنسان.

خير شاهدٍ على ذلك هو شعار القمة الذي حمل عنوان “الاستثمار في الاستقرار.” فقد سبق وأن عبر السيسي عن مشاعر مماثلة لتبرير التعديلات الدستورية المقترحة التي من شأنها أن تسمح له بالبقاء في السلطة لمدة 15 سنة أخرى. تقول جماعات حقوقية ومحللون إن مصر ستصبح دكتاتورية بشكلٍ رسمي إذا ما تم اعتماد التعديلات. ومع ذلك، لا يبدو أن هذا يهم الاتحاد الأوروبي.

ويقول مروان قبلان، وهو باحثٌ سوري في المركز العربي للبحوث والدراسات السياسية ومقره الدوحة، إن أوروبا لا تزال تحاول معالجة تداعيات الهجرة بدلاً من الأسباب.

وقال لقناة الجزيرة: “على الرغم من الاعتراف بوجود صلة بين الاستبداد والإرهاب، إلا أن [دول الاتحاد الأوروبي] لا تبدو مستعدة لاتخاذ خطوة جريئة ودعم التحول الديمقراطي في المنطقة.” وأضاف “على العكس من ذلك، يبدو أنهم على استعدادٍ لدعم المستبدين العرب حتى يتمكنوا من مساعدتهم على تأمين حدودهم وإغلاقها في وجه اللاجئين.”

بينما قالت دولٌ عربية أخرى إنها تحجم عن توقيع اتفاقيات إعادة القبول مع أوروبا. كما رفضت جامعة الدول العربية أي اقتراحٍ لإنشاء معسكراتٍ على أراضيها لمعالجة أمور المهاجرين الفارين من القمع والفقر في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

كما أن الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي تعيق التعاون في مجال الهجرة، فبينما ترفض كل من المجر وبولندا بالكامل ميثاق الهجرة العالمي واحتمال قبول اللاجئين، تقول دولٌ أخرى مثل إيطاليا إنها ترغب في إعادة توزيع اللاجئين في أرجاء دول الاتحاد الأوروبي.

وهناك أيضاً انقساماتٌ في المعسكر العربي، إذ أن العديد من القادة العرب لديهم مشكلة مع قطر، التي أرسلت مندوبين على مستوى منخفض إلى القمة. فقد قطعت كل من المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع الإمارة الصغيرة في يونيو 2017، متهمةً إياها بدعم الإرهاب.

أما القضية الوحيدة التي اتفق عليها الجميع هو مصير فلسطين. وقالت موغريني إن كلا الكتلتين تدعمان حل الدولتين وأن تكون القدس عاصمةً مشتركة. ومع ذلك، كتبت شهيرة أمين، كاتبة العمود في المونيتور، أن سجل مصر المتدهور في مجال حقوق الإنسان كان “القضية الكبرى التي يتم تجاهلها.”

فقبل أيامٍ فحسب من انعقاد القمة، أعدمت مصر تسعة أشخاص أدينوا بقتل المدعي العام هشام بركات في عام 2015. وقالت جماعات حقوق الإنسان إن المحاكمات كانت جائرة للغاية وأن اعترافات المتهمين انتُزعت تحت وطأة التعذيب. وكان هذا هو الحال أيضاً بالنسبة لستة رجال تم شنقهم في عام 2014، بعد إدانتهم بقتل نجل قاضٍ وقتل ضابط شرطة قبل عام.

وفي تقريرها العالمي لعام 2019، أضافت هيومن رايتس ووتش أن الشرطة المصرية تشتهر باستخدام التعذيب والاختفاء القسري لإسكات المعارضة السياسية. وخلص التقرير إلى أن أزمة حقوق الإنسان في مصر هي الأسوأ منذ عقود.

ولكن يبدو أن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ للتغاضي عن قمع السيسي لتعزيز مصالحه في الشرق الأوسط، ومع ذلك، كشف تجاذب لأطراف الحديث بين السيسي ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك التوترات بين الكتلتين.

فقد قال السيسي لمراسلٍ أوروبي بعد أن سُئل عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر،” لن تعلمونا إنسانيتنا وقيمنا وأخلاقياتنا.” وأضاف السيسي “الأولوية بالنسبة للدول الأوروبية هي منح شعبها الرفاهية، بينما تتمثل أولويتنا في حماية دولنا ومنعها من الإنهيار.”

أثارت إجابته تصفيقاً حاراً عم الأرجاء من قبل الصحفيين المحليين، المعرضين جميعاً لخطر الزج بالسجن إذا ما انتقدوا حاكم مصر. ورداً على ذلك، علق توسك قائلاً: “أنا أقدر تماماً حماس الإعلام الذي أعربوا عنه، من المستحيل أن نحصل على مثل رد الفعل هذا في أوروبا، أهنئك على هذا.”

وعلى الرغم من التقدم والتراجع، اتفقت الكتلتان على عقد قمةٍ أخرى في عام 2022، لوضع خطة أكثر واقعية للتعاون بينهما.