وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

وساطات عربية للأزمة الأوكرانية: حدود الممكن والمتاح

تتسابق بعض الدول العربية للعب دور الوساطة، سواءً أكان ذلك بصورة فردية أو جماعية، بين الروس والأوكرانيين لأغراضٍ داخلية وأخرى خارجية.

وساطات عربية للأزمة الأوكرانية
صورة تم التقاطها يوم 4 إبريل 2022 لأحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، أثناء حضوره لمؤتمر صحفي عقب المحادثات التي أجراها ممثلو الدول العربية مع وزير الخارجية الروسي في موسكو. المصدر: Pavel Bednyakov / SPUTNIK / AFP.

خالد محمود

مع دخول الأزمة الأوكرانية شهرها العاشر، تتسابق بعض الدول العربية للعب دور الوساطة، سواءً أكان ذلك بصورة فردية أو جماعية، بين الروس والأوكرانيين لأغراضٍ داخلية وأخرى خارجية. ومع ذلك، فإن هذه الوساطات العربية الفردية والجماعية قد تصطدم بعوائق متعددة.

سعي صنّاع القرار العرب للعب دور الوساطة لا يرتبط بالآثار الاقتصادية المترتبة على الأزمة الأوكرانية فحسب، بل يتجاوز ذلك ليصل إلى ضرورات سياسية داخلية. وتخشى بعض الدول العربية أن تقود الضغوط المترتبة عن الأزمة الأوكرانية إلى موجة جديدة من ثورات “الربيع العربي“.

ومع تعدد المحاولات العربية للعب دور الوساطة، يصعب الحديث عن نظرة إستراتيجية عربية موحّدة تجاه ما قد تؤول إليه الأمور على المستويين الإقليمي والدولي.

ورغم بروز بوادر لما يمكن اعتباره بتحرك عربي جماعي، فإنّ التحركات الفردية على المستوى السعودي والإماراتي كانت أكثر فاعلية. ومن اللافت اقتصار مساعي الوساطة على بعض الدول الخليجية، ما يشير إلى قيادة دول تلك المنطقة ولو شكلياً للعالم العربي.

تحرك جماعي

سبق لوفد وزاري عربي رسمي عقد محادثات مع مسؤولين روس وأوكرانيين في إبريل 2022. ودعا الوفد الوزاري العربي حينذاك إلى عقد مفاوضات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا. وضم الوفد في صفوفه أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ومجموعة الاتصال الوزارية العربية المعنية بالأزمة الأوكرانية، وفيها مصر والأردن والعراق والجزائر والسودان.

وتشكلت المجموعة في مارس 2022 بقرار من مجلس الجامعة في دورته الـ 157 على مستوى وزراء الخارجية بالقاهرة. وكان الهدف من تشكيل المجموعة إجراء مشاورات مع الأطراف المعنية بالأزمة الأوكرانية لإيجاد حل دبلوماسي لها. وجاء ذلك التحرّك العربي بعد أسبوعين فقط من إطلاق روسيا لعمليتها العسكرية في أوكرانيا.

أثناء زيارة هذه المجموعة إلى موسكو، كشف سامح شكري، وزير الخارجية المصري، عن عرض عربي رسمي للوساطة في حل الأزمة الدائرة بين روسيا وأوكرانيا. ولفت شكري إلى أن “الدول العربية تدرك خطورة تداعيات الأزمة في أوكرانيا على السلم والأمن الدوليين”.

حينذاك، كان أبو الغيط أكثر تحديدا بتأكيده لموسكو رغبة الوفد العربي “في المساعدة للتوصل لوقف إطلاق النار في أوكرانيا”. واستند موقف أمين جامعة الدول العربية على اعتبار أن “الحرب في أوكرانيا تؤثر على أسواق الغذاء والنفط في العالم”.

أما حسام زكي، وهو مساعد أبو الغيط، فقد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. وعلى الرغم من الطابع الاستكشافي لمهمة الوفد العربي، فقد أعرب زكي عن استعداد الجامعة لاستضافة وفود من الجانبين الروسي والأوكراني في حال موافقتهما على ذلك.

لكن أبو الغيط اشتكى لاحقا من تعرّض الدول العربية لضغوط من العالم الغربي لرفض التحرك الروسي ضد أوكرانيا. وقال إن الغرب يسعى لتطويق روسيا. وتمنى نجاح الدول العربية في مساعيها للحيلولة دون أن يكون لهذا الصدام المسلح تأثيرات سلبية على الأرض في المنطقة. وفي هذا الصدد، أشار تصريح أبو الغيط للمرة الأولى وبوضوح شديد إلى مخاطر تأثر العرب أمنيا وعسكريا واقتصاديا بالأزمة الأوكرانية.

الاهتمام العربي عاد للأضواء مجدداً مع زيارة وزير الخارجية الروسي إلى مقر الجامعة العربية في القاهرة في 26 يوليو 2022. حينها، تم الحديث مجدّداً عن إمكانية لعب العرب لدور وساطة في الأزمة.

الحاجة إلى الوساطة

وساطات عربية للأزمة الأوكرانية
صورة تم التقاطها يوم 4 إبريل للوفد العربي مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبيل عقد المحادثات معه في موسكو. المصدر: Egyptian Foreign Ministry/ Hand/ Anadolu Agency via AFP.

يرى اللواء سمير فرج أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدأ بتغيير إستراتيجيته. ووفقاً لفرج، فإن بوتين لم يعد يعمل على سرعة إنهاء الحرب، بل اتبع إستراتيجية جديدة، وهي إطالة زمن الحرب حتى تصل إلى الشتاء. ويسعى بذلك الرئيس الروسي لاستخدام سلاح الغاز الذي تصدره موسكو إلى دول أوروبا، والذي يمثل 49% من احتياجات القارة العجوز.

العرب من القلائل الذين ما زالوا يحظون بعلاقات دبلوماسية جيدة مع كل أطراف النزاع. وبما أن العرب ليس لديهم أية مشاكل تاريخية مع روسيا أو أوكرانيا، فإنهم يستطيعون حثّ الطرفين على التقدم في المفاوضات وإبداء ليونة أكثر في المفاوضات.

في السيناريوهات المحتملة، يستبعد سيد غنيم، رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع بالإمارات، أن تمضي أوروبا في خيار التهدئة ومحاولة إنجاح المفاوضات بعيداً عن تأثير الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. ويستند غنيم في تقديره إلى أن أمريكا “لن تسمح بذلك”، سيّما وأن هذا السيناريو يعزل واشنطن ويفسد ما حققته من ترابط غير مسبوق مع أوروبا.

وتبدو الإدارة الأمريكية منفتحة بشروط على احتمال الوساطة والجهود الدبلوماسية. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن: “سنفكر وندرس وننظر في كل وسيلة لتعزيز الدبلوماسية إذا رأينا فرصة لدفعها إلى الأمام بأي وسيلة كانت”. بيد أنه ربط المسألة بإظهار روسيا أي علامات على استعدادها للانخراط في دبلوماسية ذات مغزى بأي وسيلة.

في تقدير بعض المحللين الروس، فإن موسكو لا تضع الدول الغربية في خانة الوسطاء. وتنظر روسيا إلى هؤلاء كطرف في النزاع، سيّما وأن تلك الدول فرضت عقوبات على روسيا وزوّدت أوكرانيا بالأسلحة والمدربين والمرتزقة.

ولم يمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من عرض وساطته بهدف التوصل إلى “اتفاق يرضي الجميع”. وقال أردوغان إن بوتين “يريد إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت ممكن”. ومع ذلك، تظلّ الوساطة التركية محلّ شكٍّ روسي، نظراً لتوقيع أنقرة مؤخراً لاتفاق تبيع بموجبه الأسلحة لكييف. وفي ظل حالة الفتور الراهنة التي تتسم بها العلاقات بين أنقرة وواشنطن، فإن الوساطة التركية لا تعدو عن كونها محاولة للظهور بصورة إيجابية أمام الرأي العام العالمي.

وسط ذلك، يرى أحد المحللين الروس أن دول منطقة الشرق الأوسط التي تنتهج سياسة براغماتية ستحظى بفرص أكبر للوساطة. ووفقاً لنفس المنهج، فإن احتمال اللجوء لوساطة عربية يعتمد على الحياد والبراغماتية وعدم الخضوع للضغوط الغربية. بيد أن هذا الشرط صعب التحقيق لاعتماد الدول العربية الكبير على الولايات المتحدة وأوروبا.

موقف الإمارات

وساطات عربية للأزمة الأوكرانية
صورة تم التقاطها يوم 11 أكتوبر 2022 للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء استقباله لنظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في سان بطرسبرغ. المصدر: Pavel Bednyakov / SPUTNIK / AFP.

غداة اجتماعه مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان في بطرسبورغ، أعلن بوتين اهتمام بلاده باستمرار جهود الوساطة الإماراتية. وأشاد بوتين لاحقا ببن زايد وبجهود الإمارات الإنسانية في الأزمة.

وكالة الإمارات الرسمية صنّفت الاجتماع ضمن المساعي الإماراتية الرامية لخفض التصعيد العسكري. في المقابل، أعلنت الخارجية الإماراتية استعداد أبوظبي التام “لدعم الجهود الهادفة إلى إيجاد حل سلمي للأزمة في أوكرانيا”. وجدّدت الوزارة التأكيد على موقفها المتمثل في الدعوة إلى الدبلوماسية والحوار واحترام قواعد ومبادئ القانون الدولي.

وفقا لهذا الموقف، وضعت الدبلوماسية الإماراتية ثلاث محاور رئيسية لمساعيها. ويكمن المحور الأول في تحقيق نتائج إيجابية لخفض التصعيد العسكري. أما المحور الثاني، فيتمثل في الحد من التداعيات الإنسانية للأزمة. ويركز المحور الثالث على التوصل إلى تسوية سياسية لتحقيق السلم والأمن العالمي.

وتأكيدا لمضيّها قدماً بهذه الإستراتيجية، فقد أعلنت الإمارات عن تقديم مساعدات إغاثية إنسانية إضافية بقيمة 100 مليون دولار للمدنيين الأوكرانيين المتضررين من الأزمة في أوكرانيا.

ويرى مركز الإمارات للإعلام والدراسات أن هذا التبرع ذو الصبغة الإنسانية يخدم تحركات أبوظبي لحلّ الأزمة الأوكرانية دبلوماسياً. وبحسب المركز، فإن هذا التبرّع لن يغضب بوتين لأنه لا يشكل دعماً حقيقياً لكييف في مواجهة القوات الروسية على أراضيها.

يأتي ذلك في الوقت الذي تعهد فيه بن زايد هاتفياً لنظيره الأوكراني زيلينسكي ببذل كل ما بوسع الإمارات من جهد لمنع تفاقم الأزمة. كما أكّد بن زايد السعي لتهيئة الأجواء للتهدئة والتفاوض بما يخدم جميع الأطراف.

وكان لافتا أن يعلن بن زايد حصوله على ثقة زيلينسكي بجهود الإمارات كوسيط في القضايا الإنسانية والأمن الغذائي وغيرها. وأكد الرئيس الإماراتي استعداد بلاده لمواصلة الجهود ودعم المبادرات التي من شأنها تخفيف التداعيات الإنسانية والاقتصادية للأزمة.

ويلفت أحد التحليلات النظر إلى سعي الإمارات للحفاظ “على سمعتها العالمية واستغلال ما تعتبره فرصة ثمينة لتعزيز دورها ومكانتها على الساحة الدولية”.

واستغلت الإمارات اجتماع الدورة الثالثة للجنة المشاورات السياسية بين وزارة خارجيتها ونظيرتها الروسية للتأكيد على أنها ستبذل “كافة الجهود لتخفيف التصعيد والتوترات”.

الدور السعودي

وساطات عربية للأزمة الأوكرانية
شهد يوم 21 سبتمبر 2022 إطلاق سراح عشرة من أسرى الحرب في إطار اتفاق تبادل أسرى رعته السعودية بين روسيا وأوكرانيا. المصدر: Ukrainian Presidency/ Handout/ Anadolu Agency via AFP.

قد تكون السعودية أولى الدول التي بادرت لإطلاق وساطة رسمية بين روسيا وأوكرانيا. وكان ذلك خلال اتصال هاتفي جمع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس 2022. وأكد بن سلمان أثناء الاتصال استعداد بلاده لبذل “الجهود للوساطة بين كل الأطراف”.

وتعهدت السعودية بتقديم مساعدات إنسانية لأوكرانيا تبلغ قيمتها 400 مليون دولار. وكرّر بن سلمان هاتفيا لزيلينسكي استعداده لمواصلة جهود الوساطة ودعم كل ما يسهم في خفض التصعيد.

ونجحت السعودية في تأمين الإفراج عن مقاتلين أجانب أسروا في أوكرانيا. كما أنها قامت بعملية أخرى ساهمت فيها تركيا لتبادل الأسرى. وشملت تلك العملية تبادل 215 أسيراً أوكرانيا و55 من الروس والأوكرانيين المؤيدين لموسكو.

ثمة من يرى أن المبادرة السعودية محاولة لتحسين صورة بن سلمان. ومع ذلك، فقد استطاع ولي العهد السعودي بالفعل لعب دور رجل الدولة النافذ على المستوى الدولي، وبطريقة تتعارض مع الرواية التي تصوره باعتباره شخصا مندفعا وخطيرا.

في كلّ الأحوال، يسعى بن سلمان لأن يظهر أمام الغرب بمنظر الشخص الموثوق به في الشؤون الدولية. ويأتي السعي السعودي بعدما نجح بن سلمان في كسر طوق العزلة الذي كاد أن يحيط به على خلفية اتهامات بالتورط في قضية مقتل الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي.

اللافت هنا هو ارتباط التحركات السعودية والإماراتية بحسابات داخلية، إلى جانب ارتباطها بتبرعات مالية. ويعني ذلك أن وساطة الطرفين تمضي قدما عبر المال في بعض الأحيان.

لكن حلّ تلك الأزمة العاصفة التي دفعت العالم إلى حافة الهاوية، يتطلب ربما ماهو أكثر أهمية من القدرة المالية للوسطاء المحتملين.