وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الربيع العربي: لم تزل نفس المشكلات موجودة بعد مرور عقد على الصراع

الربيع العربي
بناتٌ تونسيات يلوحن في مدينة التضامن يوم ١٤ يناير ٢٠١٨، حيث اجتمع التونسيون في الشوارع لإحياء الذكرى السابعة للانتفاضة التي أطلقت الربيع العربي. المصدر: FETHI BELAID / AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلط فيها الضوء على “الربيع الربيع” وما أفرزه من تحديات وإشكاليات على امتداد العقد المنصرم. ويقوم صاحب المقالة سيمون مابون، وهو أستاذ مختص في العلاقات الدولية لدى جامعة لانكستر، بتحليل أسباب اندلاع ثورات الربيع العربي في 2011، مسلطاً الضوء في الوقت نفسه على الوضع الحالي بعد مرور عقد على هذه الثورات. ويرى مابون أن المشكلات، التي دفعت الناس للخروج في الشارع، لا تزال قائمة، كما أنها ازدادت سوءاً خلال العقد الأخير، ما ينذر بتجدد التظاهرات خلال السنوات المقبلة.

وقال مابون إنه عندما تردد شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” عبر الشرق الأوسط في الأشهر الأولى من عام 2011، بدأت طبيعة الحياة السياسة والعلاقة بين الحكام والمحكومين في التصدع. وأصبحت هذه الجملة شعاراً لانتفاضات الربيع العربي، التي اجتاحت عدة دول في المنطقة. وسلطت الانتفاضات الضوء على الطبيعة المتصدعة للحياة السياسة والعلاقة بين الشعوب وحكوماتها، ما نتج عنه الإطاحة بالحكام المستبدين في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن.

بيد أن هذه كانت انتصارات محدودة ولم يحالف النجاح المتظاهرين في أماكن أخرى. فعلى مدار السنوات العشرة اللاحقة، قتل حوالي مليون شخص ونزح أكثر من 10 ملايين شخص عن منازلهم. وكشفت المظاهرات عن أزمة سياسية عميقة، يتواصل تردد صداها عبر المنطقة. وفي أغلب الحالات، لا تزال القضايا التي أثارت المتظاهرين مستمرة حتى يومنا هذا ومنها الركود الاقتصادي، ونقص المحاسبة السياسية، والفساد المستشري، واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

شرارة البداية

بعد شرارة حادثة حرق البائع التونسي المتجول محمد البوعزيزي لنفسه، تولدت حركة التظاهرات بدفعٍ من الإحباط طويل الأمد تجاه الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها كثيرون عبر المنطقة، والناجمة عن الفساد المزمن. ومع تنامي الكثافة السكانية الشبابية التي تواجه عوائق حقيقية للحصول على وظائف، وثراء هؤلاء الموجودين في السلطة ثراءً فاحشاً، وعدم الاستعداد لطرح أية إصلاحات، حتى وإن كانت رمزية، انفجر الإحباط الكامن أسفل السطح في صورة مظاهرات اجتاحت الشوارع من تونس إلى مسقط.

واختلفت ردود أفعال الأنظمة الحاكمة عبر المنطقة، لتتراوح ما بين تنفيذ إصلاحات رمزية في عُمان، حيث شملت تلك الإصلاحات إقالة الوزراء الذين لا يتمتعون بشعبية جماهيرية، وطرح حوافز اقتصادية مصممة للحصول على دعم دول الخليج الأخرى، إلى تطبيق استراتيجيات أكثر وحشية في مناطق أخرى. وشمل هذا استخدام قوانين الطوارئ، والاحتجاز، والتعذيب، وتضيق مساحة المشاركة السياسية، وسحب الجنسية، والقتل. ففي سوريا، وليبيا، واليمن، بلغ القمع العنيف للتظاهرات ذروته وتحول إلى صراع مدمر مستمر حتى يومنا هذا.

وطرح تطور الأحداث في تونس ومصر أملاً في البداية بعد إسقاط نظامي بن علي وحسني مبارك المستبدين. بيد أن الانقلاب العسكري في مصر، الذي أطاح بالرئيس السابق محمد مرسي، خليفة مبارك وأول رئيس تم انتخابه ديمقراطياً في تاريخ البلاد، عكس توجهاً واسعاً في المنطقة، تمثل في استخدام الأنظمة لآليات السيطرة لمنع نشوب حركات التظاهر، وسحق أحلام المتظاهرين.

فرق تسد

كانت أحد أكثر الاستراتيجيات الشائع استخدامها هي التلاعب بالخلافات الطائفية. وتجسّدت هذه الاستراتيجية في استغلال الأنظمة للانقسامات الاجتماعية لخدمة أغراضها – وهو نوع من سياسة “فرق تسد”. وكانت تداعيات هذه الاستراتيجية مدمرة. قد يكون تزايد الانقسامات داخل الدولة الواحدة – أو بين الدول وبعضها – ناجم عن اختلافات طائفية، لكن السياسيين والنخبة تلاعبت بهذه الاختلافات لخدمة أغراضها الذاتية وتأمين مواقعها في مواجهة العديد من التحديات الخطيرة.

في سوريا، أطلق بشار الأسد سراح أعضاء الجماعات الإسلامية السنية العنيفة في محاولة لتصوير الصراع ضد متظاهري الربيع العربي على أنه قتالٌ ضد التشدد الإسلامي. وبالمثل، سعت الحكومة في البحرين إلى وصف المتظاهرين بأنهم “طابور خامس”، يفعلون ما تأمرهم به إيران – رغم شحّ الأدلة الداعمة لهذه المزاعم. ولتحقيق هذا المسعى، تحدّث عددٌ من مسؤولي النظام البارزين عن تورّط إيراني شائن لدعم المتظاهرين عبر توفير السلاح والتدريب. وبعد انهزام حركة التظاهرات في البحرين، أعلن الملك حمد عن إحباط “مؤامرة خارجية”، في إشارة واضحة إلى إيران.

في السنوات التالية، تعرضت محاولات التظاهر للتضييق والعزلة بسبب قمع النظام للمعارضين. في البحرين، شمل هذا القمع إسقاط الجنسية عن 990 مواطناً بحرينيا، بينما تمثل القمع في مناطق أخرى – في دول الخليج الأخرى ومصر – في صورة قوانين إرهاب متوحشة تهدف إلى منع التطرف العنيف وأي تحدي لسلطة الأنظمة.

وفي السنوات التي تلت المظاهرات، طغى شبح الحرب في سوريا على الأفق – وهو مثال يستخدمه هؤلاء الموجودين في السلطة عبر دول الخليج للتحذير من المطالبة بالديمقراطية.

وتشكلت السنوات، التي تلت الانتفاضات العربية، بفعل هذا الكفاح واسع النطاق من أجل البقاء وجهود إعادة تأكيد القوة السيادية في وجه الضغوط القومية والدولية المتغيرة. في الوقت ذاته، بقي العديد من العوامل الهيكلية التي تسببت في اندلاع مظاهرات عام 2011 دون حل.

ولا يستغرب مابون عدم الاستعداد لمعالجة العوامل السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية الأساسية. فهو التصوّر يعكس عقوداً من المظالم، التي بقيت دون حل، لتثير مواجهات عنيفة بين الحكام والمحكومين حول طبيعة الدولة ومواردها.

أزمة وانهيار

تخللت المنطقة لحظات اضطراب داخل الدول في القرن العشرين – دون الخوض في الصراعات بين الدول وبعضها – بسبب عدم قدرة الحكام على معالجة المظالم الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية. وأتت سياسات الانفتاح الاقتصادي ضمن توجه عالمي أوسع لتطبيق أجندة نيوليبرالية في ثمانينات القرن الماضي.

بيد أن معدلات النمو السكاني المتزايدة عبر العالم العربي، والضعف المؤسسي، وعدم كفاءة الأنظمة البيروقراطية جعل المشهد العام قاتماً وقائماً على عدم التوازن في تقسيم ثمار التنمية والإقصاء المنهجي.

وتفاقمت هذه المشكلات بسبب امتصاص الأنظمة الحاكمة لموارد الدولة بدلاً من توزيعها بين السكان – ويعني هذا استحواذ القادة وبطانتهم على أموالٍ من موارد الدولة لخدمة أغراضهم الشخصية – ما أدى إلى فشل الحكم على نطاق واسع.

وفي 2004، أشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة بعنوان “نحو الحرية في العالم العربي” إلى الدول العربية باعتبارها “ثقوباً سوداء”.

وكان للأزمة الاقتصادية في عام 2008 تأثيرات هائلة على الشرق الأوسط. ففي ذروة الأزمة، فقدت السعودية عدداً من الصفقات تقدر قيمتها بـ 958 مليار دولار، بينما خسرت الإمارات عقوداً تقدر قيمتها بحوالي 354 مليار دولار.

وأدى خروج رؤوس أموال أجنبية، تقدر قيمتها بحوالي 247.5 مليار دولار، من منطقة الشرق الأوسط إلى تفاقم هذه المشكلات. وكان أثر هذا على الشعوب مدمراً. فبحلول 2011، كان الوضع سيئاً للغاية: كانت دخول 41% من السكان عبر الشرق الأوسط لا تكفي احتياجاتهم الأساسية.

وأدت الخسائر الاقتصادية عبر المنطقة، التي تسبب بها الفساد المزمن، في تفاقم هذا الوضع، إذ قدرت حجم هذه الخسائر بحوالي تريليون دولار خلال العقود الخمس الأخيرة، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى اندلاع انتفاضات الربيع العربي.

نهاية حزينة؟

يرى مابون أن توجه الناس إلى جماعات مثل الإخوان المسلمين، وحركة فتح، وحزب الله، وحركة حماس لم يكن مفاجئاً بعد ما واجهوه من إهمال، وقمع وفساد على مدار القرن الواحد والعشرين. ونفذت العديد من هذه الجماعات، المنخرطة في الشأن السياسي والتي تمارس في بعض الأحيان أنشطة شبه عسكرية، برامج رعاية اجتماعية ضخمة، ما أكسبها دعماً شعبياً.

وعلى مدار السنوات اللاحقة، ظهرت المظالم الهيكلية، التي تسببت في اندلاع الاحتجاجات في 2011، مجدداً على السطح. لكن هذه المظالم ظهرت هذه المرة وسط منطقة شديدة الانقسام وتعاني من الانشقاقات الطائفية والمنافسات الجيوسياسية، والإحباط من النخب السياسية، وجائحة فيروس كوفيد -19 مؤخراً.

بحلول 2015، كان 53% من السكان في المنطقة بحاجة إلى دعم مالي من منظمات غير حكومية. ففي لبنان والعراق، خرج المتظاهرون إلى الشوارع في 2019 للتعبير عن إحباطهم من الوضع الراهن.

ويضيف مابون: “ليس مستغرباً أن يؤدي الغضب المنتشر بين السكان إلى اندلاع مزيد من التظاهرات خلال العقد الأخير، فهو غضبٌ تجاه نفس المشكلات. ومن المهم فهم جذور حركة الاحتجاجات وتطورها لإدراك المسار الذي قد تتخذه المنطقة خلال العقد الجديد وفي ظل الإدارة الأمريكية الجديدة”.

ويختم مابون مقالته بالتالي: “لم تعالج الأسباب الرئيسية للاحتجاج حتى الآن – وربما يكون الوضع قد ازداد سوءا بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية جراء الجائحة. وفي الوقت الذي سمح فيه تحوّل الأنظمة إلى أنظمة استبدادية بتوفير إجراءات إضافية لتنظيم الحياة العامة والتحكم فيها، فإن الإحباطات الكامنة تحت السطح ستؤدي إلى حدوث تظاهرات متقطعة وعمليات قمع واسعة ما لم تعالج المشكلات السياسية الجوهرية”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com في 10 فبراير 2021.