وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الأسلحة وتأثيرها على قضية خاشقجي

Translation- US saudi relations
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصافحاً ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية واشنطن يوم ٣٠ مارس ٢٠١٨. المصدر: AFP.

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على الدور الذي تلعبه صفقات السلاح الأمريكية في إضعاف نفوذ واشنطن في منطقة الشرق الأوسط وقدرتها على الضغط في القضايا المماثلة لقضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي. ويقوم راسل إي لوكاس، مدير قسم دراسات الآداب والعلوم الإنسانية العالمية والأستاذ المساعد المتخصص في مجال العلاقات الدولية بجامعة ميتشغان الأمريكية، باستعراض كيفية تحوّل سياسة واشنطن الخارجية في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من سياسة تعتمد على المصالح الأمريكية العليا إلى سياسة تقوم على أساس صفقات السلاح وخلق الوظائف.

ويكشف رد فعل ترامب على اختفاء وموت الصحفي خاشقجي في إسطنبول عن تفاصيل هامة حول تراجع نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

ويرى لوكاس، الذي يعد من الباحثين الذين يربطون بين السياسات الدولية والمحلية في منطقة الشرق الأوسط، أنه لن يصعب على القارئ معرفة أن “ما قاله الرئيس ترامب عن قضية خاشقجي سيؤدي إلى تسريع وتيرة تناقص قوة الولايات المتحدة الأمريكية في” هذه المنطقة من العالم.

ديناميكية جديدة لتحالف قديم

تراجع النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط – وبشكلٍ خاص في المملكة العربية السعودية – بشكلٍ واضح قبل انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت إدارة أوباما حاولت تجنّب الوقوع في شرك المستنقعات العسكرية لمنطقة الشرق الأوسط عقب فشل إدارة بوش في تحويل عراق ما بعد الغزو الأمريكي إلى نموذجٍ يحتذى به للديمقراطية الداعمة لأمريكا في المنطقة.

عوضاً عن ذلك، حاولت واشنطن الاعتماد على الدبلوماسية للتفاوض مع إيران حول برنامجها النووي. إلا أن السعودية كانت تعتبر إلى المطالب الرامية إلى تقاسم الرياض للمنطقة مع طهران وكأنه مطالبة بقبول عربي للقوة الإيرانية.

وأدى صعود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مؤخراً إلى تحول المملكة العربية السعودية من دولة فضلت العمل في الخفاء على مستوى الشؤون الدولية إلى دولةٍ تصعّد من نشاطاتها في الوقت الذي بتنا نشهد فيه تراجعاً للولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال.

ويرى لوكاس ان السعوديون اعتبروا انتخاب ترامب بمثابة فرصةٍ لدفع الولايات المتحدة الامريكية نحو اتخاذ موقف أكثر تشدّداً تجاه إيران، مشيراً إلى رغبة السعوديين أن تقوم الولايات المتحدة بإلغاء الاتفاق النووي بالتزامن مع بذل المزيد من الجهود لإيقاف عملاء إيران في سوريا واليمن والعراق والبحرين. وفي الوقت نفسه، أراد السعوديون تسليح أنفسهم بأنظمة أسلحة أكثر حداثة.

ترامب وفن صفقة السلاح

ترتكز رؤية ترامب للعلاقات السعودية – الأمريكية على صفقات السلاح التي تقوم واشنطن بعقدها مع الرياض، وهو مثالٌ حي وتطبيقٌ عملي لكيفية عمل سياسة “أمريكا أولاً” على مستوى الشؤون الخارجية.

وفي زيارته الخارجية الأولى كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، طار ترامب إلى السعودية ووقع صفقة لبيع السعودية أسلحة تصل قيمتها إلى ١١٠ مليار دولار أمريكي. وخرج ترامب من هذه الزيارة وهو على علاقة وثيقة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، علماً بأن هذا الأخير يتولى زمام الأمور في كثيرٍ من سياسات الحكومة السعودية التابعة لوالده المسن الملك سلمان.

ومنذ ذلك الحين، قام الأمير محمد بتطوير علاقة قوية مع صهر ترامب جاريد كوشنر الذي بات يعمل كحلقة وصل منتظمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية.

وكان الرئيس ترامب قد رفض مؤخراً فكرة الكونغرس الأمريكي بفرض عقوبات على المملكة العربية السعودية إذا ما ثبتت مسؤولية السعودية عن مقتل خاشقجي.

وقال ترامب: “لا أرغب بإيقاف المبالغ الضخمة التي يتم ضخها في بلادنا – أعرف أنهم (أعضاء الكونغرس) يتحدثون عن أنواع مختلفة من العقوبات، إلا أنهم (السعوديون) يقومون بإنفاق ١١٠ مليار دولار أمريكي على المعدات العسكرية والأشياء التي تقوم بخلق الوظائف، والأشياء المماثلة للوظائف وغير ذلك من الأمور في دولتنا”.

وفي مقابلةٍ أخرى، قال ترامب إنه قال للعاهل السعودي “يجب عليك أن تدفع أيها الملك” لتحصل على الحماية الأمريكية.

أسلحة أم نفوذ؟

يتركز اهتمام السياسة الخارجية الانتقالية التي يتبعها ترامب على الأموال والوظائف الأمريكية في المقام الأول. ويرى صاحب المقالة أن ترامب ألقى على هذا النحو أسس السياسة الخارجية الأمريكية السابقة التي اتبعها الحزبان الديمقراطي والجمهوري على جانب الطريق، ويندرج في إطار هذه الأسس دعم حقوق الإنسان والديمقراطية أو السعي لإيجاد توازن قوى استراتيجي يتوافق مع المصالح الأمريكية.

وتخاطر هذه السياسة بتهميش النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ أكبر. ففي حسابات ترامب، لا تستطيع الولايات المتحدة فرض العقوبات على الرياض أو تأديبها لأن هذا الأمر سيعود بأضرارٍ أكبر على الولايات المتحدة مقارنةً مع ما سيكون عليه الحال في المملكة العربية السعودية. وسوف تضيع الوظائف الأمريكية إذا ما لجأ السعوديون إلى شراء الأسلحة من روسيا أو الصين.

وفي الوقت الذي قد يؤمن فيه ترامب بحساباته الخاصة حول مبيعات الأسلحة التي تبلغ قيمتها ١١٠ مليار دولار أمريكي، فقد تم طرح عددٍ من التساؤلات حول إذا ما كانت المبيعات تساوي أقل من هذا المبلغ بكثير. وعلاوة على ذلك، فقد حذّر بعض المراقبين من أن مبيعات الأسلحة الأمريكية تتاجر بحقوق الإنسان من أجل تحقيق الأرباح. وإلى جانب المخاوف المتعلقة بانعدام الحرية في المملكة العربية السعودية، فقد أعرب آخرون عن قلقهم من أن تمد هذه الأسلحة يد المساعدة لما بات بصورةٍ مروعة تدخلاً سعودياً مميتاً في اليمن.

وكانت السعودية قد هدّدت بأنها “سترد بفعلٍ أكبر إذا ما تم اتخاذ أي إجراء بحقها، وبأن اقتصاد المملكة يلعب دوراً مؤثراً وحيوياً في الاقتصاد العالمي”. وعلى الرغم من عدم وضوح معالم الإجراءات التي تعتزم الرياض اتخاذها، إلا أن هذه التهديدات تلعب على وتر إلغاء السعودية لصفقة شراء الأسلحة أو رفع أسعار النفط. يأتي ذلك في الوقت الذي ظهرت فيه تقارير مساء يوم الاثنين الماضي تشير إلى أن السعودية ستعترف بقتل خاشقجي عن طريق الخطأ أثناء التحقيق.

ويختم لوكاس مقالته بالتالي: “لقد قام الرئيس ترامب بتشجيع المملكة العربية السعودية عبر الاعتماد على دبلوماسيته الشخصية والتركيز على الوظائف أكثر من التركيز على المصالح أو المثل الأمريكية الأوسع. وإذا ما تمكن السعوديون من إبقاء الولايات المتحدة الأمريكية خارج نطاق قضية خاشقجي، فإن ترامب يفتح الباب أمام فرض المزيد من القيود على النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط”.