وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

ما الذي يعنيه سقوط أفغانستان للشرق الأوسط؟

سقوط أفغانستان
مقاتلو حركة “طالبان” أثناء نوبة حراسة في شارع بساحة مسعود في العاصمة الأفغانية كابول يوم ١٦ أغسطس ٢٠٢١. المصدر: Wakil Kohsar/ AFP.

 

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على تداعيات سقوط أفغانستان في يد حركة طالبان على منطقة الشرق الأوسط وتقلص النفوذ الأمريكي في هذه المنطقة. ويتناول صاحب المقالة توني ووكر، وهو نائب رئيس جامعة لاتروب، تصورات الدول المختلفة حول ما يمكنها القيام به لسد الفراغ الحاصل في أفغانستان نتيجة انسحاب القوات الأمريكية من هذه الدولة.

ويبدأ ووكر مقالته بالإشارة إلى مصطلح اللعبة الكبرى الذي ظهر في القرن التاسع عشر لوصف المنافسة الدائرة بين الإمبراطوريتين البريطانية والروسية على القوة والنفوذ في أفغانستان والمناطق المجاورة لها في وسط وجنوب آسيا.  ويشير ووكر إلى أن هذه اللعبة لم تنتهي بتمكّن أي من الجانبين من بسط سيادته على ما أفغانستان التي باتت تعرف بـ “مقبرة الإمبراطوريات“. وبعد مرور قرنين من الزمن، فإننا شهدنا وقوع قوة أمريكية عظمى في واقع مشابه لما واجهته روسيا وبريطانيا.

وبحسب ووكر، فإن الكارثة الأفغانية، التي انهار خلالها الجيش الأفغاني المكون من 300 ألف جندي مدرب على يد الولايات المتحدة ومجهز بالأسلحة في غضون ساعات، تشكّل نموذجاً يذكرنا بمحدودية النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط الأوسع.

قد يتحمل الرئيس الأمريكي جو بايدن أشد الانتقادات بسبب تنفيذ انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بشكل كارثي. بيد أن اللوم يقع في قسمٍ كبير منه على عاتق القرار الأصلي المشؤوم بـبناء الدولة في بلد قاوم التدخل الخارجي للآلاف السنين.

وبعد سقوط كابول والانسحاب المتسرع للولايات المتحدة من بلدٍ أهدرت فيه حوالي تريليون دولار، يبقى السؤال: ما القادم للشرق الأوسط؟

هذا السؤال تمتد مظلته لتشمل المغرب في الغرب وحتى باكستان في الشرق، وتركيا في الشمال نزولاً إلى الخليج في الجنوب، وعبر القرن الأفريقي.

ويرى ووكر أن كلّ ركن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيتأثر بشكلٍ أو بآخر بفشل السلطة الأمريكية في أفغانستان، فيما يعد أطول حرب في تاريخ البلاد.

وتمتد محاسبة الولايات المتحدة على التدخل في أفغانستان، لتشمل أيضاً أعضاء في حلف الناتو ودول مثل أستراليا. وينبغي بحسب ووكر أن يوجه الاستهجان للمشاركة الأسترالية غير المدروسة، والتزامها مفتوح الآجل تجاه أفغانستان.

سايغون جديدة؟

لم يكن هناك مفر من عقد مقارنات بين الانسحاب الأميركي المذعور من كابول ومشاهد مشابهة في مدينة سايغون الفيتنامية منذ 46 عاماً.

في بعض النواحي، يعد الموقف الأفغاني أكثر مدعاة للقلق لأن العديد من الأماكن في الشرق الأوسط مهددة بالانزلاق صوب الفوضى.

قد تكون هزيمة جيش جنوب فيتنام عام 1975 قد أثرت على التنمية في الدول المجاورة بمنطقة الهندالصينية، لكن تداعيات هذا السقوط جرى احتوائها إلى حد كبير.

ويرى ووكر أن الوضع في أفغانستان مختلف. فعلى الرغم من سحق مصداقية الولايات المتحدة وثقتها في نفسها في فيتنام، إلا أن واشنطن بقيت القوة العسكرية المهيمنة في غربي المحيط الهادي قبل صعود الصين.

وفي الشرق الأوسط، ستجد واشنطن التي تقلص نفوذها – والتي باتت الثقة في قدرتها على الوفاء بالتزاماتها مهزوزة ما لم تكن محطمة – أن سلطتها باتت موضعاً للكثير من التساؤلات.

يأتي هذا في الوقت الذي تختبر فيه الصين وروسيا قدرة الولايات المتحدة على الوصول إلى حلول حاسمة عالمياً. وفي المنطقة نفسها، تسعى إيران وتركيا بالفعل إلى ملء الفراغ الذي تسبب فيه الفشل الأمريكي.

وتهتم موسكو وبكين بمستقبل أفغانستان لأسبابهما الخاصة. فالصين يتجاوز الأمر بالنسبة لها مجرد التشارك معها في الحدود. أما روسيا، فالأمر يتعلق بمخاوف تاريخية من تغلغل التطرف الأفغاني داخلها وتأثيره على سكانها المسلمين وعلى مسلمي الدول المجاورة لها.

وعملت الصين في الآونة الأخيرة على رعاية قادة حركة طالبان، إذ عقد وزير خارجيتها وانغ يي اجتماعاً، حظي بدعاية جيدة، مع الملا عبد الغني بردار، الزعيم السياسي لحركة طالبان أفغانستان خلال الشهر الماضي.

وهناك أيضاً باكستان التي دعمت طالبان سراً وعلناً على مدار السنين. وسترى إسلام آباد في المحنة الأمريكية الشديدة فرصةً لتولي دور إقليمي أكبر. وفي هذا الإطار، لا ينبغي علينا نسيان علاقة باكستان اللصيقة بالصين، وعلاقتها المتصدعة مع الولايات المتحدة.

وفي أفغانستان نفسها، فإن طالبان قد تلتزم بتعهداتها التي أشارت فيها إلى تغيرها وسعيها إلى تأسيس حكم بالإجماع في بلد مزقته الانقسامات العرقية والقبلية الدموية.

ونظراً إلى المؤشرات المبكرة على انتقام طالبان الوحشي من أعدائها ورد الفعل المذعور للسكان الأفغان المصدومين، قد نحتاج إلى قفزة ثقة كي نصدق أن كثيراً قد تغيّر.

ما هي تداعيات هذا على الشرق الأوسط؟

هل سيُسمَح لتنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” بتأسيس فروع لهما في أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان؟ هل ستعاود طالبان الظهور كدولةٍ راعية للإرهاب؟ هل ستواصل السماح لأفغانستان بأن تُستخدَم كسوق ضخمة لتجارة الأفيون؟

بكلمات أخرى، هل ستُغيّر طالبان أساليبها وتتصرف بطريقةٍ لا تشكل تهديداً على جيرانها وعموم المنطقة؟

من وجهة النظر الأمريكية، فإن خروج واشنطن من أفغانستان يجعل محاولاتها لإحياء الصفقة النووية مع إيران الملف الوحيد الرئيسي المتبقي لها في الشرق الأوسط – إذا ما استثنينا النزاع الفلسطيني الإسرائيلي العصي على الحل.

وشكلت محاولات إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (صفقة إيران النووية) حجراً رئيسياً في جهود إدارة بايدن للتفاعل بطريقة بناءة أكثر مع الشرق الأوسط.

وبحسب ووكر، فإن التقدم المحرز في حالة تداعي. وزاد انتخاب الرئيس الإيراني الجديد المتشدد إبراهيم رئيسي من تعقيد الجهود الرامية للوصول إلى تسوية. وسيضيف الفشل في إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، التي تخلى عنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بعداً آخر من الغموض – والخطر – لحسابات الشرق الأوسط.

ويرى ووكر أن طهران سيكون أكثر الأطراف اهتماماً بتطور الأمور لدى الجارة أفغانستان. واتسمت العلاقة بين إيران وطالبان بالتوتر في بعض الأوقات، والتعاون في أوقات أخرى، نظراً لقلق طهران بشأن سوء معاملة السكان الشيعة في أفغانستان.

إن إيران الشيعية وحركة طالبان السنية الأصولية ليستا شريكتين طبيعيتين.

الأكثر من هذا، ستجذب التطورات الأخيرة في أفغانستان انتباه دول الخليج. وكانت قطر قد وفرت ملاذاً دبلوماسياً لطالبان خلال محادثات السلام مع حكومة غني المهزومة. وتبين حالياً أن مبادرة السلام هذه، تحت رعاية الولايات المتحدة، كانت إحباطاً لطموح طالبان في العودة إلى السلطة بجهدها الخاص.

إن اعتقاد أي مراقب عاقل بخلاف ذلك لهو أمرٌ محير.

وستشعر السعودية بالاضطراب بسبب تطورات الأيام الأخيرة، لأن تقويض النفوذ الأمريكي في المنطقة ليس في صالح الرياض. ومع ذلك، فإن السعوديين تمتعوا بصلاتٍ طويلة الأمد مع حركة طالبان.

وفي السياسة الخارجية السعودية، فإن أفغانستان لا تعد معادلةً صفرية.

وبشكل أعم، يعد تضرّر مكانة الولايات المتحدة في المنطقة مصدر قلق لحلفائها العرب المعتدلين. ويشمل هذا مصر والأردن. فبالنسبة لهاتين الدولتين، وفي ظل وجود نسخ خاصة بهما من الحركات المتطرفة المشابهة لطالبان تقبع في الظلام متأهبة، فإن الأحداث الدائرة في أفغانستان لا تسرّ الخاطر.

وسيكون لنجاح طالبان في أفغانستان تداعيات على أكثر المناطق اشتعالاً في الشرق الأوسط. وسيعود الانسحاب الأمريكي باضطرابات في كلٍّ من العراق وأجزاء من سوريا، حيث تحافظ الولايات المتحدة على تواجد عسكري هناك.

وفي لبنان، الذي أصبح بلد فاشل بكل المعايير، ستزيد الكارثة الأفغانية الوضع قتامةً.

وستحسب إسرائيل تداعيات الانتكاسة التي تعرضت لها حليفتها الرئيسية، إذ أنّ تزايد حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط لا يصبّ في صالح إسرائيل.

وهنا، يرى ووكر أن الولايات المتحدة ستنسحب قطعاً في الفترة المقبلة من جميع التزاماتها في الشرق الأوسط، على أن يقتصر الالتزام بأكثر الالتزامات إلحاحاً. وسيكون هذا وقتاً لتأمل الدروس المستفادة من التجربة الأفغانية المؤلمة.

ويختم ووكر مقالته بالتالي: “هناك درسٌ أساسي يتعلق بالولايات المتحدة وحلفائها وهو: أن الحروب ضد “الدول الفاشلة” هو فرضية خاسرة”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://theconversation.com/uk في 16 أغسطس 2021