وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تركيا: استمرار تقويض الديمقراطية بإقالة رؤساء البلديات الأكراد

Turkey- Kurdish mayors turkey
ضباط شرطة مكافحة الشغب الأتراك يستخدمون دروعهم لتفريق المتظاهرين أثناء احتجاجٍ ضد استبدال رؤساء البلديات الأكراد، في ديار بكر، في 20 أغسطس 2019. Photo: Ilyas AKENGIN / AFP

تم انتخاب رؤساء بلديات ديار بكر ووان وماردين بأكثر من 50% من الأصوات في الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس 2019. ومع ذلك، أعلن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في 19 أغسطس أنه قد تم عزلهم من مناصبهم وتعيين محافظين محليين مكانهم.

فقد صرح العديد من المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم وزير الداخلية سليمان صويلو، بأنه يجب استبدال رؤساء البلديات لأنهم كانوا يسيئون استخدام مناصبهم لدعم الإرهاب، في إشارةٍ إلى علاقات رؤساء البلديات المزعومة بحزب العمال الكردستاني المسلح.

ووفقاً للمسؤولين، تشمل هذه العلاقات حضور جنازات مقاتلي حزب العمال الكردستاني وتسمية الشوارع بأسماء رجال حرب العصابات الذين فقدوا أرواحهم. ومن الجدير بالذكر أن رؤساء البلديات الأكراد يحضرون علناً مثل هذه الجنازات، حيث يتم دفن المقاتلين غالباً في مسقط رأسهم وتحدّ عليهم المجتمعات التي صوتت لرؤساء البلديات هؤلاء ليتقلدوا مناصبهم.

وعليه، لم يُمنح رؤساء البلديات فرصة الطعن في إقالتهم في المحكمة، الأمر الذي من المحتمل أن يكون بلا فائدة منذ أن فقدت المحاكم استقلالها خلال ما يقرب من عقدين من حكم حزب العدالة والتنمية.

كما أنه قبل الانتخابات، لم يجد المجلس الانتخابي أي اعتراضاتٍ على المرشحين ووافق على ترشحهم.

وعلى الرغم من أن عمليات الإقالة هذه شكلت صدمةً لدى سكان المدن، إلا أن استبدال المسؤولين المنتخبين، وخاصة في الجنوب الشرقي الذي تقطنه أغلبية كردية في تركيا، ليس بالأمر الجديد. فبعد محاولة الانقلاب في يوليو 2016، تمت إقالة المئات من رؤساء البلديات الأكراد وتم اعتقال عددٍ منهم لاحقاً.

كما لا يزال بعض الذين تم اعتقالهم في السجن، مثل غلطان كيساناك، رئيس بلدية ديار بكر الذي تم انتخابه سابقاً والذي تمت إقالته في أكتوبر 2016. فقد خاض خليفته كومالي أتيلا، الانتخابات كمرشحٍ عن حزب العدالة والتنمية في مارس من هذا العام، بيد أنه حصل على 31% فقط من الأصوات، بينما فاز سلجوق مزراقلي، مرشح حزب الشعوب الديمقراطي، الذي حل محله الآن، بنسبة 63%.

كما حصل رؤساء البلدية الآخران المخلوعان، أحمد ترك في ماردين وبديعة أوكوكجه في وان، على 56% و54% من الأصوات على التوالي.

تأتي عمليات الإقالة الأخيرة هذه في أعقاب المحاولات السابقة لحزب العدالة والتنمية دفع مجلس الانتخابات إلى إلغاء نتائج شهر مارس. وفي العديد من الحالات، كانت المحاولات ناجحة، وتم بدلاً من ذلك تعيين أولئك من حلوا في المرتبة الثانية في الإنتخابات – الذين كانوا دوماً من مرشحي حزب العدالة والتنمية في المناطق الكردية لأن الحزب يتمتع بدعمٍ من الأكراد لأكثر تديناً.

وفي بعض الحالات، لم تنجح المحاولات، كما حصل في حالة أحمد ترك، الذي حاول حزب العدالة والتنمية استبعاده بسبب عمره (78 عاماً). فقد تم تنصيب ترك، وهو محاربٌ قديم يحظى بالاحترام في الحركة السياسية الكردية، رئيساً لبلدية ماردين، إلا أنه تمت إقالته اليوم، مما يشير إلى أن الدولة ستستخدم كل ما في وسعها للتخلص من رؤساء البلديات الذين لا توافق عليهم.

وبمجرد الإعلان عن البدلاء، اندلعت الاحتجاجات في المدن الثلاث، حيث حاولت قوات الأمن تفريق الحشود بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع، كما ألقي القُبض على مئات الأشخاص في صباح اليوم الأول للاحتجاجات، الرقم الذي ازداد بشكلٍ ملحوظ في الأيام التي تلت ذلك.

حصل المتظاهرون على الدعم من العديد من الشخصيات المؤثرة في حزب الشعب الجمهوري المعارض، ولا سيما أكرم إمام أوغلو، عمدة اسطنبول الجديد، الذي توجب عليه الفوز بالانتخابات في أكبر مدينة في تركيا مرتين قبل أن يقبل الرئيس رجب طيب أردوغان بهزيمة حزب العدالة والتنمية.

فقد غرّد إمام أوغلو عبر تويتر منتقداً استبدال رؤساء البلديات الأكراد: “من المستحيل ربط إقالة رؤساء بلديات ديار بكر ووان وماردين بالممارسات الديمقراطية. فقد تم انتخاب رؤساء البلديات الثلاثة الذين تم استبدالهم بالقائمين بالأعمال الذين تم تعيينهم من قبل الدولة، بالاقتراع الشعبي في الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس. تجاهل إرادة الناس أمرٌ غير مقبول.”

وفي حديثٍ لرئيس البلدية مزراقلي مع المنفذ الإخباري المستقل، أوزجوروز، قال: “هذا الصراع سيستمر إلى أن يتم تغيير الآليات التي تولد مثل هذه الاستيلاء على الحقوق بالمجمل.” كما صدر رد فعلٍ عن اتحاد مجتمعات كردستان، وهي منظمة شاملة للجماعات الكردية في العديد من البلدان، الذي دعا إلى “المقاومة الكاملة” من قبل الشعب.

وبالمثل، سرعان ما أدان المجتمع الدولي جهود حزب العدالة والتنمية لتغيير نتائج الانتخابات. فقد كتبت هيومن رايتس ووتش على موقعها الإلكتروني أن إقالة رؤساء البلديات المنتخبين ديمقراطياً “ينتهك بشكلٍ صارخ حقوق الناخبين ويُعطل الديمقراطية المحلية.”

من جهته أصدر أندرس كنيب، رئيس مجلس البلديات والأقاليم الأوروبية، بياناً أعرب فيه عن “قلقه البالغ” بشأن قرار السلطات التركية إيقاف رؤساء البلديات المنتخبين عن العمل. كما لم يطالب السلطات التركية بالتراجع عن الإقالات، بل دعا إلى “استعادة قدرة المجالس البلدية على اختيار رئيس بلدية بديل.”

وأشار بيانه إلى أن البدائل كانت قراراً قانونياً وليس سياسياً. فقد كان وزير الداخلية صويلو حريصاً على التأكيد على هذه النقطة على الرغم من حقيقة أن “القائم بالأعمال” في وان سرعان ما أعاد المجلس الإنتخابي إلى دياره. وحتى وقت كتابة هذا التقرير، لم يحصل هذا الأمر في ماردين وديار بكر.

كما عبر حزب الشعوب الديمقراطي عن قلقه من أن البدلاء سيشجعون الجشع وسوء الإدارة اللذين أظهرهما “القائمون بالأعمال” السابقون. ففي مقابلةٍ صحفية شديدة اللهجة، قالت الرئيسة المشتركة لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بروين بولدان، “إن أولئك الذين ثبت تورطهم في أعمال مضللة مثل السرقة والنهب والفساد وتزوير المناقصات وغيرها من الأعمال المشينة يتم إرسالهم مرة أخرى من قبل حكومة حزب العدالة والتنمية ليحلوا محل رؤساء البلديات الذين تم انتخابهم من قبل شعبنا.”