وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحكم المطلق مقابل الإسلام الديمقراطي = الإمارات مقابل إندونيسيا

الإمارات مقابل إندونيسيا
صورة تم التقاطها يوم ١٨ فبراير ٢٠٢٢ لوزيرة المالية الإندونيسية سري مولاني إندراواتي (يسار) وهي تصغي لنظيرها الإماراتي محمد الحسيني قبيل في اليوم الأخير من اجتماع وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لدول العشرين بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا. المصدر: Mast IRHAM / POOL / AFP.

نشر الصحفي البارز جيمس دورسي على موقعه الخاص مقالة تناول فيها المعركة الدائرة في إندونيسيا بين تيارين أحدهما يدعو إلى فك الارتباط بين السلطة السياسية وعلماء الدين والآخر يناصر تعزيز النفوذ الديني في الدوائر السياسية. ويقوم دورسي، وهو باحثٌ بارز في معهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية، بالمقارنة بين النسختين الإندونيسية والإماراتية حول مفهوم الإسلام المعتدل وعلاقة رجال السياسة برجال الدين وكيفية استخدامهم لمنح شرعية للحكم الاستبدادي وخنق أي جدل يخالف الرؤى الرسمية.

وبحسب دورسي، فقد باتت إندونيسيا ساحة أساسية للمعركة بين الرؤى الديمقراطية والاستبدادية للإسلام في القرن الحادي والعشرين.

وتدور رحا هذه المعركة بين جمعية نهضة العلماء، وهي أكبر حركة مجتمع مدني في العالم وتضم 90 مليون تابع ووزراء أقوياء في حكومة الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو المعروف باسم جوكووي، وعبد الله بن بيه، وهو فقيه ديني موريتاني المولد ومقيم في أبو ظبي. ويوفّر بن بيه، وهو عالم دين سني كبير داعم للحكم المطلق في الشرق الأوسط، الشرعية الدينية للحكام المستبدين في الإمارات.

ويرى دورسي أن ويدودو يخاطر بالتواجد وسط نيران المعركة المتقاطعة. فعلى الرغم من ارتباطه الوثيق بجمعية نهضة العلماء، وافق ويدودو على التعاون مع الإمارات في الشؤون الدينية مقابل ضخ استثمارات إماراتية ضخمة في بلاده المكونة من مجموعة من الجزر في جنوب شرق آسيا.

وتحتل العلاقة بين رجال الدين المسلمين والدولة قلب المعركة الدائرة بين رؤى الحكم المتنافسة والمغلفة بعباءة دينية.

ويفضل بن بيه رجال الدين الخاضعين لسيطرة الدولة، الذين يخنقون الجدل الحر عبر تجنّب ما يسميه الفقيه الديني بـ “فوضى الفتاوى”. ويرأس بن بيه مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي الذي تأسس عام 2018 لانتزاع الفتوى من أيدي الإرهابيين والمتطرفين“.

وفي هذا السياق، قال حمدان المزروعي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف الإماراتية في ذلك الوقت، إن مجلس الإفتاء قد أُنشئ لضمان توافق الفتاوى في الدولة وضمان الدعوة إلى الإسلام المعتدل. وتعكس السيطرة على النقاش الديني في الإمارات قمع الدولة لحرية التعبير بشكل عام.

ويضم مجلس الإفتاء الشرعي بين أعضائه الأستاذة أماني برهان الدين، العالمة الإسلامية البارزة، التي تترأس مجلس العلماء الإندونيسي لشؤون المرأة والشباب.

وفي تناقض تام مع بن بيه والإمارات، شنّت جمعية نهضة العلماء، بقيادة رئيسها المنتخب حديثاً، يحيى خليل ستاكوف، وهو أحد دعاة الإسلام الإنساني الذي ينشر الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتعددية، هجوماً مباشراً على مجلس العلماء الإندونيسي الذي كان قوياً سابقاً.

ومجلس العلماء هو ما تبقى من سيطرة الدولة السابقة على الشأن الديني، ويعتبره كثيرون أعلى هيئة للعلماء المسلمين في البلاد، تضمّ ممثلين عن جميع المذاهب الإسلامية السنية.

ويهدف الهجوم إلى تهميش المجلس الذي يسعى للاحتفاظ بهذه السلطة كجماعة مستقلة بحكم الواقع. وعبر تقويض نفوذ المجلس، يشجع نهضة العلماء “فوضى الفتاوى” التي يفضل بن بيه وداعموه الإماراتيون قمعها.

ومنذ تأسيسه عام 1975 على يد الرئيس سوهارتو كهيئة شبه مستقلة، قدّم المجلس نفسه على أنه الصوت الرسمي للإسلام. ومع ذلك، كانت السيطرة على المجلس في متناول اليد بعد أن أطاحت ثورة شعبية بسوهارتو في عام 1998، حتى وإن كان المرشدون الأعلون لنهضة العلماء قد ترأسوه منذ ذلك الحين.

روج المجلس على الدوام لسياسات تمييزية ضد الطوائف الإسلامية المتهمة بالهرطقة مثل الأحمديين والشيعة وأقليات النوع الاجتماعي. وقد فعل ذلك بدعم من رجال الدين المحافظين في جمعية نهضة العلماء، بمن فيهم معروف أمين، نائب الرئيس ويدودو.

ولعب أمين دوراً محورياً كرئيس للمجلس في الاحتجاجات الجماهيرية التي أسقطت في عام 2017 حاكم جاكرتا باسوكي تجاهاجا بورناما، المعروف أيضاً باسم أهوك وهو مسيحي من أصل صيني، وأدت إلى الحكم عليه بالسجن لمدة عامين بتهمة التجديف ضد الإسلام.

وبدأ هجوم نهضة العلماء باستقالة مفتاح الأخيار، المرشد الأعلى للجمعية، من منصبه كرئيس لمجلس العلماء الأسبوع الماضي. ويبدو أن الاستقالة، التي لم يقبلها المجلس بعد، قد أوقعته في حالة من الفوضى.

في الوقت نفسه، حرمت وزارة الشؤون الدينية المجلس من احتكاره الفعلي لشهادات الحلال من خلال فتح القطاع للمنافسة.

وتعتبر شهادات الحلال نشاطاً تجارياً كبيراً. وتُصدِر وكالة ضمان المنتجات الحلال الشهادات بناءً على فتوى صادرة عن مجلس العلماء للشركات العاملة في قطاعات الأغذية، والأزياء، والتعليم، والأدوية، ومستحضرات التجميل، والسياحة، والإعلام، والسفر، والصحة، والفنون، والثقافة، والمالية.

ومع تقويض المجلس، تحاول جمعية نهضة العلماء إزالة ما تبقى من تأثير الدولة على إصدار الفتاوى.

وبطبيعة الحال، فإن هذا النهج يفتح الباب أمام أكثر ما يخشاه بن بيه. ومثلما تردد في تصريحات كبار المسؤولين الإماراتيين، يرى بن بيه أن السبب وراء عدم الاستقرار والتقلب في الشرق الأوسط هو عدم تجانس الفتاوى التي تغذي الجدل غير المقيد بدلاً من تقديم إرشادات موحدة معتمدة من الدولة للمؤمنين.

ويرى بن بيه أن الاستبداد، غير المقيد بالفقهاء الدينيين الذين لا يعرفون مكانهم الصحيح، هو الأفضل لضمان السلام المجتمعي. والتزم بن بيه الصمت عندما جعل سادته الإماراتيون، الذين يدفعون له راتبه، نظريته بالية مع التدخلات العسكرية في ليبيا واليمن. وغذت التدخلات الحروب الأهلية بينما أدى الدعم السياسي والمالي للاحتجاجات المناهضة للحكومة في مصر، التي أطاحت بالرئيس الأول والوحيد المنتخب ديمقراطياً في البلاد في عام 2013، إلى دكتاتورية وحشية.

قُتل أكثر من 800 متظاهر ضد الانقلاب في أعقابه مباشرةً. وأثار تدخل الإمارات في اليمن بالتعاون مع السعودية واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بينما ساعد دعم الإمارات لزعيم المتمردين الليبي خليفة حفتر، في انتهاك لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، على دفع الدولة الشمال أفريقية إلى صراع عنيف طويل الأمد.

ويوحي صمت بن بيه على الفوضى التي يغذيها المستبدون الإماراتيون بأنه “لا يعارض (الفوضى) دون قيد أو شرط، بل يستخدم فقط مصطلح (الفوضى) للإشارة إلى جهود القوى ذات التوجه الديمقراطي في المنطقة لمعارضة الاستبداد”، على حد قول أسامة الأعظمي، وهو باحث بريطاني في شؤون الشرق الأوسط من أصول جنوب آسيوية، وتدرب أيضًا كعالم إسلامي كلاسيكي.

وكان صمت بن بيه نابعاً من اعتقاده بأن الفقهاء الدينيين لا ينبغي أن يأثّروا على قرارات الحاكم لأنهم “لا يعرفون حقائق الأمور أو عواقب إجراءات معينة”. علاوة على ذلك، يجادل بن بيه بأن العلماء المسلمين قد لا يكونون على دراية بـ “التوترات الداخلية أو المخاوف الخارجية لبلد ما والتي قد تؤدي إلى حرب أهلية، وهو ما يجب أخذه في الاعتبار في شؤون الدولة”. وتابع بن بيه: “على النقيض من ذلك، يفهم الحاكم الأسباب الرئيسية لقراراته ويتعامل مع المواقف التي يصعب على الآخرين فهمها”.

وبدلاً من إخضاع العلماء المسلمين لسيطرة الدولة، تعهد ستاكوف، رئيس جمعية نهضة العلماء المنتخب حديثاً، بإخراج الجماعة من السياسة. وقد يكون الهجوم على مجلس العلماء الإندونيسي الخطوة الأولى في هذا الاتجاه. ومع ذلك، سيكون الاختبار الحاسم هو تحديد مستقبل العديد من نشطاء نهضة العلماء الذين يشغلون مناصب في حكومة جوكووي، ويعملون كسفراء وأعضاء في مجلس إدارة الشركات المملوكة للدولة.

وقال الباحث الإندونيسي ألكسندر أريفينتو: “بينما تعهد الرئيس الجديد علناً بإعادة نهضة العلماء لتكون منظمة محايدة سياسياً، تشير الدلائل إلى أنها قد تحتفظ بعلاقاتها الوثيقة مع نظام ويدودو، لتعمل مع الحكومة على الترويج لعلامة الإسلام المعتدل الذي يؤيده جوكووي في الداخل والخارج”.

وقد تستنتج جمعية نهضة العلماء أن منع جوكووي، الذي يغريه السخاء المالي الإماراتي، من اعتناق المفهوم الاستبدادي للدولة الخليجية عن الإسلام “المعتدل” هو سبب وجيه للحفاظ على علاقات المجموعة الوثيقة بالرئيس.

وتعهد ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد بقيادة لجنة ستشرف على بناء عاصمة جديدة لإندونيسيا بقيمة 32.5 مليار دولار أمريكي واستثمار 10 مليارات دولار في صندوق الثروة السيادية للدولة مع التركيز على البنية التحتية.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://jamesmdorsey.substack.com/ في 23 آذار 2022