وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المسرحية الهزلية لشرعية بشار الأسد

شرعية بشار الأسد
سوريون يلوحون بالأعلام في شوارع العاصمة دمشق احتفالاً بفوز بشار الأسد بولايةٍ رابعة في 27 مايو 2021. (Photo by LOUAI BESHARA / AFP)

مات ناشد

يُطالب الرئيس السوري بشار الأسد مواطنيه الذين يضطهدهم بتمجيده، لا مسامحته فحسب، إذ كانت تلك الغاية وراء إعادة انتخابه في الشهر الماضي، التي لم تكن سوى عرضاً مسرحياً هزلياً لإضفاء صبغة الشرعية.

وقعت هذه المسرحية الهزلية في البلاد التي مزقتها الحرب في 26 مايو 2021، حيث أدلى الأسد وزوجته بأصواتهم في دوما، المدينة الواقعة على أطراف العاصمة دمشق. بالنسبة للعديد من السوريين، تمثل دوما موت انتفاضةٍ شعبية ضد النظام البعثي القاتل، لكن بالنسبة للأسد، فإنها ترمز إلى استعادته للسيطرة وقوته الوحشية على البلاد.

ففي عام 2012، سقطت دوما في يد جماعة متمردة عنيفة تُدعى جيش الإسلام، وعلى مدى السنوات الست التالية، جوّعت القوات الحكومية السكان، وقصفت المباني عشوائياً، واستخدمت أسلحة كيماوية ألقت الرعب في أوساط المجتمع العالمي. وفي أعقاب ارتكاب فظائع لا حصر لها، استعاد النظام المدينة أخيراً في أبريل 2018.

وبالعودة مجدداً إلى الشهر الماضي عندما احتفل بشار الأسد بإعادة انتخابه بعد ما يقرب من عقدٍ من الحرب، آنذاك، أعلن رئيس مجلس الشعب فوز الأسد بنسبة 95% من الأصوات بعد يومٍ واحدٍ فحسب من الاستحقاق الرئاسي على مستوى البلاد.

بيد أن النتائج المخادعة بالكاد تعكس الرأي العام، في الواقع، تصرف النتائج الانتباه عن الاستياء المتزايد بين المجتمعات التي تدعم النظام تقليدياً، والذين يكافحون جميعاً من أجل البقاء في ظل اقتصادٍ بالِ دفع الملايين من الناس إلى الفقر المدقع. ومع ذلك، ما يزال العديد من السوريين يصوتون للأسد لتجنب الإجراءات الانتقامية التي قد يتعرض لها أي شخصٍ قد يوضع ضمن خانة معارضة النظام.

وبالرغم من ذلك، لم يبذل حتى أعتى المؤيدين للنظام أي جهدٍ لإخفاء التزوير الحاصل في النتائج، فقد احتفل العديد منهم بالتصويت للأسد مراتٍ عديدة، بينما زعم مسؤولو النظام أنهم حصلوا على أصوات لصالح الأسد أكثر من عدد الأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

في نهاية المطاف، زاد المشهد الانتخابي نظام الأسد تصلباً، وهنا توضح إليزابيث تسوركوف، الخبيرة في الشؤون السورية من معهد نيولاينز، أن إعادة انتخاب الأسد كانت تهدف إلى ثني المعارضين عن الانتفاض مرةً أخرى، من خلال إقناع السوريين والمراقبين الأجانب بأن الأسد يتمتع بدعمٍ أكثر مما يتمتع به في الواقع.

ففي بلدٍ يمكن أن يقودك فيه النقد السياسي إلى حبل المشنقة، ليس لدى معظم السوريين أي فكرة عما إذا كان التملق العام للأسد يعكس قاعدة الدعم الكبير الذي يحظى به أم مجرد محاولة جماعية من المجتمع لإخفاء مقته للنظام. وبالنسبة للسوريين، من المستحيل فك رموز سلوك أقرانهم السوريين أثناء الانتخابات الصورية، وبالتالي تثبيطهم عن الانتفاضة بشكل عفوي.

وهذا هو السبب الرئيسي وراء هوس معظم الطغاة العرب بإقبال الناخبين أثناء إعادة انتخابهم، فبعد أن تم تحديد النتيجة بالفعل، تتوقف هيمنتهم وشرعيتهم على عدد الأشخاص الذين يشاركون في تمجيد النظام.

ينطبق ذات الأمر على سوريا، مما حذا الأمل الخصوم الإقليميين إلى التقارب مع دمشق لمساعدة الأسد، فقد سمحت كلٌ من الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان والبحرين والكويت للسوريين في بلدانهم بالمشاركة في التصويت، إذ تدل هذه اللفتة على اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بإصلاح العلاقات مع سوريا.

أما المملكة العربية السعودية، أقوى دولة في مجلس التعاون الخليجي، فقد قدمت أحدث مبادراتها إلى دمشق، حيث أرسلت الرياض في مايو 2021 وفداً استخباراتياً إلى العاصمة السورية لمناقشة إمكانية استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الخصمين. كما وأرسلت سوريا في وقتٍ لاحق وفداً وزارياً إلى الرياض في وقت لاحق من نفس الشهر.

وفي هذا الصدد، قال مسؤول سوري كبير تربطه علاقات وثيقة مع وزارة الخارجية السعودية وإدارة المخابرات العامة، إن الرياض تعتقد أن الزمن قد تغير وتتطلع الآن إلى الاقتراب أكثر من إيران من خلال الترحيب بعودة الأسد في الدوائر الدبلوماسية.

وأضاف مسؤول آخر في وزارة الخارجية السورية أن محمد بن سلمان يريد أن يؤكد لطهران أنه لم يعد يسعى لتغيير النظام في سوريا، وقال إن المملكة العربية السعودية تستعد لعصر ما بعد الربيع العربي. لكن بينما تتجه المملكة العربية السعودية ببطء نحو التطبيع، قامت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى بالفعل بإصلاح علاقاتها مع الأسد.

فقد أعادت عُمان سفيرها إلى دمشق في أكتوبر 2020، وبعد ستة أشهر، زار وزير الخارجية السوري مسقط لتعزيز العلاقات الدبلوماسية. ومع ذلك، كانت الإمارات العربية المتحدة أول دولةٍ خليجية تعلن عن تقاربها مع سوريا بعد أن أعادت فتح سفارتها في دمشق في ديسمبر 2018.

من جهتها، لم تخطر إدارة بايدن دول مجلس التعاون الخليجي لا برفضها أو حتى دعمها تطبيع العلاقات مع دمشق، لكن في الوقت الراهن، يبدو أن الملف السوري يُشكل مصدر قلقٍ متزايد لواشنطن.

وفي الشهر المقبل، سيتعين على مجلس الأمن الدولي أن يقرر ما إذا كان سيُجدد آلية دولية لعبور الحدود، حيث يسمح القرار لوكالات الأمم المتحدة بتجاوز قيود النظام وإمداد أكثر من 4 ملايين شخص في محافظة إدلب المحاصرة التي يسيطر عليها المتمردون بالمساعدات عبر منافذ تركية. ومع ذلك، هددت روسيا باستخدام حق النقض ضد القرار ما لم تكن قادرةً على كسب بعض التنازلات من واشنطن، المتمثلة برفع أو تخفيف العقوبات.

وفي حين أن المدنيين في إدلب هم الأسوأ حالاً، إلا أن حوالي 60% من السكان في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بمن فيهم أولئك المتواجدون داخل المعاقل التقليدية للنظام. وفي حال لم تتعرض دول مجلس التعاون الخليجي لعقوباتٍ بسبب تهديدات واشنطن بالعقوبات، فيمكنها أن تلعب دوراً في تقديم المساعدات الإنسانية الحيوية للسوريين في البلاد.

وفي تقريرٍ موسع لمؤسسة القرن، قال الخبير في الشأن السوري سام هيلر إن المساعدات من دول مجلس التعاون الخليجي لن تحل الأزمة الإنسانية، ومع ذلك ما يزال بإمكانها توفير إغاثة طفيفة للمدنيين الذين يكافحون لإطعام أنفسهم وعائلاتهم.

وهنا كتب هيلر: “إذا أراد أصدقاء الولايات المتحدة في الخليج، على سبيل المثال، التجارة مع سوريا أو المساهمة في المساعدات الإنسانية والاقتصادية، فلا ينبغي على الولايات المتحدة أن تثبط ذلك أو تهددهم بفرض عقوبات.”

وبالفعل، أرسلت الإمارات العربية المتحدة شحنات مواد غذائية ومساعدات طبية إلى دمشق، ومع ذلك تحوم شكوكٌ حول اختلاس الكثير من تلك الإغاثة من قبل النخب المحسوبة على النظام في سوريا. وعلى أي حال، أعادت إعادة انتخاب الأسد ترميم وهم أمن النظام في الداخل والخارج. ومع ذلك، يبقى الوهم مجرد وهم: لن ينهي هذا وضع النظام المنبوذ في الغرب، ولن يخيف سكان البلاد لفترة طويلة ما لم يخفف النظام من أزمة الجوع التي تضرب البلاد.