وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

كسر حاجز الصمت:الجيش الاسرائيلي لم يرحم المدنيين في غزة

نشرت المنظمة الاسرائيلية غير الحكومية "كسر حاجز الصمت" شهادة جنود إسرائيليين فيما يتعلق بالحرب التي شنتها على غزة عام 2014 والتي أسفرت عن مقتل 1492 مواطن فلسطيني...

File - In this Aug. 3, 2014 file photo, Palestinians evacuate a survivor after an Israeli air strike hit the Al Ghoul family building in Rafah, southern Gaza Strip. A fierce debate is flaring across the ranks of Israel's military over whether to investigate the actions of soldiers during this summer's Gaza war, pitting commanders against the military's judicial wing in a standoff over how far to reach when attempting to hold servicemen accountable. If Israel can show the International Criminal Court that it has carried out its own investigations in good faith, it could avoid an outside probe. (AP Photo/Eyad Baba, File)
صبي يتم سحبه من تحت أنقاض أحد المنازل التي دمرت خلال الغارات الجوية الاسرائيلية، 3 أغسطس 2014، رفح, الضفة الغربية Photo Eyad Baba

إذا كنت جزءاً من جيش وطني يخوض حرب غير متكافئة ضد مجموعة مسلحة في منطقة حضرية ذات كثافة سكانية عالية، كيف يمكنك منع وقوع ضحايا بين المدنيين؟ اضطرت اسرائيل إلى التعامل مع هذا السؤال في الصيف الماضي، عندما قاتلت حركة حماس في قطاع غزة لأكثر من سبعة أسابيع متواصلة. استخدمت اسرائيل تكتيكاً غريباً لمنع سقوط ضحايا بين المدنيين: لم يعتبروا أياً منهم من المدنيين.

ووفقاً للرقيب أول من شعبة الهندسة التي كانت تتمركز في قطاع غزة، كانت التعليمات “أي شخص تواجهه، أي شخص تراه، فمنذ البدء أخبرونا أطلق النار لكي تقتل”، حيث تعرضت المنطقة للقصف قبل دخول وحدته، وتم الافتراض أن المدنيين قد فرّوا، وأياً كان قد لا يزال هناك، أصبح موضع شبهة.

وفي الأسبوع الماضي، نشرت المنظمة الاسرائيلية غير الحكومية “كسر حاجز الصمت” هذه الشهادة، إلى جانب أكثر من ستين شهادة أخرى. الجنود الاسرائليين، بدءاً من الجنود حتى الضباط، تحدثوا دون ذكر أسمائهم حول تجاربهم في حرب غزة الأخيرة، التي عُرفت اسرائيلياً بعملية الحد الواقي. الاستنتاج الرئيسي الذي يمكن استخلاصه من هذه الشهادات أن الجيش الاسرائيلي يقدّر قيمة حياة أفراده أكثر من حياة المدنيين في المناطق التي يتحرك بها “العدو”.

وتخالف هذه التصريحات الموقف الرسمي للجيش الاسرائيلي، الذي صرّح أنه بذل قصارى جهده لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين. ووفقاً للأمم المتحدة، توفي 2293 شخصاً خلال الحرب، بما في ذلك 1492 مواطن فلسطيني.

أي نوع من الوسائل تستخدم اسرائيل لاعتبار الأفراد غير مدنيين؟ على سبيل المثال، قاموا بإلقاء منشورات على المناطق السكنية، يعلنون من خلالها الموعد النهائي لإخلاء المواطنين للمنطقة. وأياً كان من هؤلاء المواطنين يبقى في منزله يُعتبر من المقاتلين، وعلى حد قول نقيب ممن دخل القطاع “يحكم على نفسه بالاعدام”.

مثال آخر: حتى في المناطق السكنية، تستخدم اسرائيل في الكثير من الأحيان ما وصفته “بالأسلحة الإحصائية” – قذائف الهاون والمدفعية الأخرى التي من المستحيل أن توجه بشكل دقيق. ووفقاً لملازم في وحدة المشاة التي دخلت شمال قطاع غزة يُشير إلى أن هذه الأسلحة تضرب “50 متراً إلى اليمين أو 100 متر إلى اليسار، وتكون النتائج… غير سارة”.

قواعد معينة، مثل المسافة التي يسعى الجيش إلى الحفاظ عليها بعيداً عن المدنيين من العدو عند إطلاق القذائف، تم تخفيفها خلال الحرب. وفي كل من الشجاعية ورفح، تم تجاهلها تماماً.

وفي الشجاعية، قُتل سبعة من أفراد جيش الدفاع الاسرائيلي بعد أن أصاب صاروخ ناقلة الجند المدرعة، وكان هناك إشاعات (كاذبة) بمقتل قائد اللواء. وفي رفح، حاولت حماس خطف جندي.

في كلا الحالتين، ردت اسرائيل بلا رحمة، حيث أطلقت المئات من قذائف الدبابات في غضون بضع ساعات. وقتل ما بين 130 إلى 150 فلسطيني، معظمهم من المدنيين، في قصف جيش الدفاع الاسرائيلي لمدينة رفح. كما قُتل أيضاً الجندي المختطف في هذه العملية.

ومن الصعب القول ما إذا كانت اسرائيل قد انتهكت القانون الدولي بهذه العمليات، إذ يمكن تفسير هذه القوانين بمرونة، لذلك هناك دائماً شيء ما يمكن لاسرائيل قوله لتبرير دفاعها. وفقاً لنعوم زوهار، أستاذ الفلسفة في جامعة بار إيلان في رمات غان، المتخصص في مجال أخلاقيات الحرب، تتعلق الحرب دوماً بالتفكّر بالمخاطر. “لا يحتاج الجيش إلى تحمّل المخاطر الشديدة أو تعريض أفراده للموت لمنع تعرض المدنيين للأذى”. ولكن هناك، كما يقول، قادة اسرائيليين يريدون تجنيب جنودهم التعرض لأي خطر. ونتيجة لذلك، سيسقط حتماً ضحايا من المدنيين.

ووفقاً لزوهار يتعلق الأمر بالأخلاقيات عوضاً عن كسر القوانين، وهو الذي كان قد شارك في صياغة الميثاق الأخلاقي للجيش الاسرائيلي. وفي بعض الحالات، كما يقول، لم يرتقي الجيش إلى معاييره الخاصة خلال الحرب الأخيرة على غزة. “في بعض الأحيان، سرعان ما يُعتبر المدنيون الذين لم يخلوا منازلهم بعد التحذير مسلحون. ومن غير المقبول على الجيش تبرير عدم التزامه التحقق من المدنيين اللذين لا يزالون في المنطقة”.

ويؤكد زوهار أن اسرائيل تحاول أن ترتقي “عالياً جداً” إلى المعايير الأخلاقية. “نحن لا نتحدث عن جرائم حرب هنا. لا تتصرف اسرائيل بشكلٍ أسوء مما فعلته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على سبيل المثال في أفغانستان”، ولكن يرى زوهار أن على الجيش الاسرائيلي بذل المزيد من الجهد للتحقيق في كل ضحية من الضحايا المدنيين.

الصراع بين المنظمة “كسر حاجز الصمت” و الجيش الاسرائيلي

ورداً على تقرير منظمة “كسر حاجز الصمت” قال الجيش أنه يأسف أنّ الشهادات التي جمعتها المنظمة غير الحكومية لم تتم مشاركتها قبل النشر. “لأسباب واضحة يجعل مثل هذا السلوك أي تحقيق من قِبل الهيئات ذات الصلة بالجيش الاسرائيلي مستحيلة، ولا يسمح بالتعامل مع الإدعاءات والحوادث التي تمت إثارتها بطريقة فورية ومناسبة. لذلك، نحن غير قادرين على الرد على هذه المزاعم المثارة”.

وذكرت منظمة “كسر حاجز الصمت” أنها قامت بالفعل بالتواصل مع رئيس أركان جيش الدفاع الاسرائيلي لطلب لقائه ومشاركته شهادات الجنود. “ما أثار رعبنا أن المتحدث بشأن الجيش الاسرائيلي اختار مرة أخرى الكذب على الجمهور والاستمرار في إسكات النقاش العام وإخفاء حقيقة كيفية قتال الجيش الإسرائيلي في غزة”.

وفي السنوات الأخيرة، غالباً ما نشبت الخلافات بين الجيش الاسرائيلي ومنظمة “كسر حاجز الصمت”.
تأسست المنظمة عام 2004 من قِبل الجنود والمحاربين القدامى بهدف جمع شهادات من خدموا في الضفة الغربية. يُريد مؤسسوا المنظمة “كسر حاجز الصمت” المتعلق بالعواقب اليومية للاحتلال في الأراضي الفلسطينية. وبعد الحرب الأولى على غزة عام 2008-2009، بدأت منظمة “كسر حاجز الصمت” أيضاً إصدار تقارير عن العمليات والسلوك الاسرائيلي في غزة. وفي اسرائيل، غالباً ما يتم وصف المنظمة بأنها من “اليسار المتطرف“.

وأكد متحدث باسم منظمة “كسر حاجز الصمت” بأنه يتم التأكد من حقيقة شهادات الجنود بجميع الطرق المتاحة وعدم نشر القصص المشكوك فيها. وفي العام الماضي، حاول مستوطن يدعى اورن حزان، والذي انتخب قبل شهرين في الكنيست عن حزب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حزب الليكود، خداع المنظمة بشهادة زور. كان هدفه فضح أكاذيب “المنظمات اليسارية المتطرفة”. ووجد باحثوا المنظمة أنّ حزان لم يخدم قط في عملية الحد الواقي، خلافاً لتأكيده، فما بالك بكونه مجرد مظلي.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles