وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

وقف إطلاق النار في القوقاز يفتح الباب أمام إعادة توازن القوى الإقليمية

Armenia ceasefire
Aجنود أرمينيون يضيئون الشموع يوم ١٢ نوفمبر ٢٠٢٠ أثناء تأبينهم لآخر رفاقهم الذين قتلوا في النزاع الدائر مع أذربيجان حول إقليم ناغورنو كاراباخ. ويحي في الصورة الجنود مراسم التأبين في دير داديفانك الأرثوذكسي الذي يعود تاريخ بنائه بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي ويتواجد على أطراف بلدة كالباجر. وتعتبر كالباجر من سبع مقاطعات سيجري تسليمها لأذربيجان في إطار اتفاق وقف إطلاق نار تم توقيعه مع أرمينيا لفض النزاع الدائر في الإقليم. المصدر: Alexander NEMENOV / AFP.

كتب جيمس دورسي، الباحث البارز في كلية إس راجاراتنام للدراسات الدولية بجامعة نانيانغ التكنولوجية بسنغافورة، مقالةً على مدونته ناقش فيها تداعيات اتفاق وقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان وكيف أن الاتفاق يعزز نفوذ تركيا في المنطقة ويعيد رسم توازنات القوى بها.

وقال دورسي إن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أُبرِمَ بوساطة روسية بمنطقة القوقاز، ساهم في تعزيز انتصار الجيش الأذربيجاني، الذي يحظى بدعم تركيا، على أرمينيا لكنه يثير تساؤلات محيّرة.

وتلقي التظاهرات الحاشدة العفوية ضد بنود اتفاق وقف إطلاق النار وأداء الحكومة الأرمينية في هذه الحرب بظلال الشك على مستقبل الرئيس الأرميني نيكول باشينيان وقدرة أرمينيا على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

وتشير التظاهرات أيضاً إلى أن أي حل للنزاع طويل الأمد حول منطقة ناغورنو كاراباخ، وهي أرض أرمينية حبيسة تقع داخل أذربيجان ومقياساً هاماً للهوية الأرمينية، يجب أن يتعامل مع المخاوف الوجودية العميقة لدى الجانبين بشأن الانقسامات الوطنية والعرقية لديهما.

ويعزز وقف إطلاق النار ما حققته أذربيجان من انتصار خلال الحرب الأخيرة التي استمرت على مدار 6 أسابيع. واستعادت قوات أذربيجان أرض أذرية، تحتلها أرمينيا منذ تسعينات القرن الماضي في انتهاك للقانون الدولي، بالإضافة إلى احتلالها لمدينة سوزا الاستراتيجية التي تقع على قمة جبل في منطقة ناغورنو كاراباخ.

وبعد الاستيلاء على سوزا، فقد كان الهجوم الأذري قاب قوسين أو أدنى على عاصمة منطقة ناغورنو كاراباخ خانكندي (ستباناكرت)، ما دفع أرمينيا إلى قبول اتفاق وقف إطلاق النار المذل.

بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي سيُشرف على تطبيقه نحو ألفي جندي من قوات حفظ السلام الروسية، أُجبِرَت أرمينيا على قبول الانسحاب من المنطقة الأذرية المحتلة على أطراف منطقة ناغورنو كاراباخ.

ولعل الشعور الأذري والتركي بالانتصار العسكري والمعنوي، بالإضافة إلى السياسات الإقليمية الحازمة التي يتبناها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يشير إلى ضرورة سعي أذربيجان إلى موازنة انتصارها على أرمينيا بإيماءات تعيد الثقة في التأكيدات الأذرية بأن أمن وحقوق الغالبية الأرمينية الموجودة في منطقة ناغورنو كاراباخ ستخضع لحمايتها، وسط انتشار مخاوف بشأن تجدد التطهير العرقي هناك.

ويدعو اتفاق وقف إطلاق النار إلى عودة النازحين من منطقة ناغورنو كاراباخ منذ نشوب الصراع في بدايات تسعينات القرن الماضي. كما يسمح الاتفاق بتبادل الأسرى وجثث الذين قتلوا أثناء الحرب.

ويأتي دعم إردوغان لأذربيجان في إطار جهوده الرامية لتشكيل حيز نفوذ إقليمي يمتد من منطقة القوقاز، مروراً بسوريا، وشرق البحر المتوسط، ووصولاً إلى ليبيا والقرن الإفريقي.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه قوات حفظ السلام الروسية مواقعها، فإن اتفاق وقف إطلاق النار يترك تساؤلاً بشأن توازن القوى بين روسيا وتركيا في منطقة كانت من قبل جزءاً من الاتحاد السوفيتي، وتعتبرها موسكو فنائها الخلفي.

كما يثير اتفاق وقف إطلاق النار شكوكاً حول العلاقات طويلة الأمد بين روسيا وأرمينيا، إذ يشعر كثيرون بخيانة موسكو لهم بعد رفضها مساعدة أرمينيا في هذه الحرب بموجب اتفاقية دفاعية مبرمة بين الدولتين. وتجدر الإشارة إلى تواجد قاعدة عسكرية روسية في أرمينيا بموجب هذه الاتفاقية.

وأرمينيا وأذربيجان عضوتان في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهو تحالفٌ عسكري روسي لجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة.

وفي إعلانه لاتفاق وقف إطلاق النار، أشار الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف إلى أن تركيا ستشارك في عملية حفظ السلام رغم أنها ليست طرفاً رسمياً في الاتفاق ولم تُذكر في بيان وقف إطلاق النار الذي وقع عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأرميني باشينيان وعلييف نفسه.

وبحسب دورسي، فإن دور تركيا الحتمي في أي مفاوضات تهدف إلى حل النزاع بين أذربيجان وأرمينيا، من شأنه تعزيز التوازن في علاقة روسيا وتركيا، وبما يتماشى مع ضمان عدم تأثير هذا الأمر بصورةٍ سلبية على تحالفهما على ما يحدث في سوريا وليبيا، سيّما وأن أنقرة وموسكو تدعمان طرفين متعارضين في هاتين الدولتين.

وتشعر روسيا، على الأرجح، بالقلق من الأصوات القومية وهؤلاء الذين ينادون بوحدة الدول الناطقة باللغة التركية، ويطالبون باستغلال تركيا لانتصار أذربيجان لزيادة نفوذها في وسط آسيا، وهي منطقة مكونة من جمهوريات كانت تابعة للاتحاد السوفيتي سابقاً وتجمعها روابط لغوية، وثقافية، وعرقية بتركيا.

يأتي ذلك في الوقت الذي قامت فيه صحيفة “Turkiye” اليومية المناصرة للفكر القومي الطوراني، وهي رابع أكبر صحيفة في تركيا من حيث حجم التوزيع، بحث الحكومة على استغلال نصر أذربيجان لتشكيل تحالف عسكري بين الدول الناطقة باللغة التركية.

وقالت الصحيفة: “وضع انتصار كاراباخ واحدة من أكبر مخاوف الغرب على الأجندة مجدداً: الجيش الطوراني. وتمكنت أذربيجان من كسر شوكة أرمينيا، سيّما وأنها باتت تتمتع بقوّة أكبر بفضل عمليات التدريب الحربي والتدريبات العسكرية المشتركة، ناهيك عمّا زودتها به تركيا من طائرات بدون طيار وقادرة على حمل السلاح. لقد أحيت صورة الانتصار مجدداً الآمال بتشكيل الجيش الطوراني، والذي سيكون قوة عسكرية مشتركة بين الدول الناطقة باللغة التركية”.

والطورانية مصطلحٌ يستخدمه مناصرو القومية التركية العابرة للتعبير عن وجود الشعوب التركية في منطقة آسيا الوسطى.

ويرجح جيمس دورسي أن يتجاوز أثر حماسة القوميين والمؤيدين لوحدة الدول الناطقة باللغة التركية حدود المعركة بين أرمينيا وأذربيجان.

من جهةٍ ثانية، شهد الأسبوع الماضي حظر فرنسا لتنظيم الذئاب الرمادية، ويعتبر هذا التنظيم جماعة عسكرية مرتبطة بحزب الحركة القومية التركي، الحليف لحزب العدالة والتنمية، حزب إردوغان الحاكم.

وجاء الحظر ضمن حملة قمع يشنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضد الإسلاميين في أعقاب سلسلة من الهجمات البشعة، التي شملت قطع رأس مدرّس في فرنسا.

وبالتماشي مع معارضته لما يتمتع به إردوغان وتركيا من نفوذ في منطقة القوقاز، وشرق البحر المتوسط، وليبيا، فقد فقد ماكرون، المدعوم من قبل الإمارات، بتوجيه أصابع الاتهام نحو إردوغان بتغذية العنف والكراهية بسبب نقده لحملة فرنسا القمعية.

ويختم دورسي مقالته بالتالي: “حتى الآن، عزز إردوغان من مواقعه بما يكفل دون أدنى شك ضبط توازن القوى في منطقة القوقاز، ليس بين روسيا وتركيا فحسب، بل أيضاً مع إيران التي تعد شريكةً لروسيا وتركيا على حدود أرمينيا وأذربيجان الجنوبية، سيّما وأنّ طهران سعت إلى تحقيق توازن في الصراع بين الدولتين المتجاورتين”.

ملاحظة: الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.