وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أمن الخليج: توقعٌ صيني ببقاء المنطقة رهن الهيمنة العسكرية الأمريكية

Chinese navy
صورة التقطتها وكالة الأنباء الإيرانية “إرنا” وتظهر فيها مدمرة تابعة للبحرية الصينية أثناء تواجدها في ميناء بندر عبّاس الإيراني على الخليج يوم ٢٠ سبتمبر ٢٠١٤. ووصلت مدمرتان صينيتان في زيارةٍ غير مسبوقة إلى ميناء بندر عبّاس، ما اعتبرته وسائل الإعلام الإيرانية دليلاً على تقاربٍ جديد بين البلدين. المصدر: NADER NASSERI / IRNA / AFP.

نشر الكاتب جميس دورسي على مدونته في موقع “The Turbulent World of Middle East Soccer” مقالةً سلط فيها الضوء على رؤية الصين لأمن الخليج وموقفها من السياسة الأمنية التعددية في ظل التطورات الحاصلة في هذه المنطقة ومستجدات السياسة الخارجية الصينية. ويقوم الباحث المختص في كلية راجاراتنام بسنغافورة بتحليل هذا الرؤية الصينية عقب مشاركة الصين في تدريبات بحرية مشتركة مع روسيا وإيران.

وبحسب دورسي، فإن إجراء التدريبات البحرية التي تعتبر الأولى من نوعها بين الصين وروسيا وإيران لا يعني أن توثيق بكين لعلاقاتها مع عددٍ من دول الشرق الأوسط ينطوي بالضرورة على تحقيق تطلعات الصين الرامية إلى لعب دورٍ أكبر في المستقبل القريب على مستوى الامن الإقليمي.

ومع ذلك، فإن هذه التدريبات تحمل في طياتها جانبين. ويكمن الجانب الأول في رغبة الصين بدعم سياسة أمنية متعددة الأطراف في منطقة الخليج. أما الجانب الثاني فيتمثل في توقع الصين استمرار الهيمنة الأمريكية على أمن الخليج رغم التنافس الشديد بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.

وهذه هي الرسالة التي ترسلها الصين عبر تقليلها من أهمية التدريبات البحرية، وإشارتها إلى أنها لن تساهم إلا بقواتٍ غير قتالية.

وعوضاً عن إرسال وحدات من جيش التحرير الشعبي للمشاركة في هذه التدريبات، فمن المتوقع أن تقصر الصين مشاركتها في التدريبات بأسطول مكافحة القرصنة التابع لها والموجود بالفعل في المياه الصومالية لحماية السفن التجارية، ناهيك عن عناصر حفظ السلام والعاملين في مجال الإغاثة الإنسانية.

ورغم تبني الصين لرؤيةٍ تعددية لأمن الخليج، يبدو أنها تفضل استمرار قيادة الولايات المتحدة لهذا الملف، وهو ما اتضح بجلاء في بداية عام ٢٠١٩ عندما أعلنت استعدادها للمشاركة في التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة لحراسة السفن التجارية في الخليج وتأمين خطوط النقل البحري، علماً بأن هذا التحالف أُنشأ رداً على الهجمات المتكررة على ناقلات النفط في خليج عمان.

وحتى الآن، انضم إلى التحالف الذي بدأ عملياته الشهر الماضي كلٌّ من الإمارات، والسعودية، والبحرين وبريطانيا وأستراليا.

ورغم تفضيلها بقاء القيادة الأمريكية الحالية، فإن الصين تنظر إلى توسيع الترتيبات الأمنية لتشمل دول أخرى تحت مظلة الدفاع الأمريكية في الخليج بدلاً من استبدالها بالكامل كوسيلة لتخفيف حدة التوترات الإقليمية.

كما ترى الصين أن ترتيباً متعدد الأطراف سيسمح لها بمواصلة سياستها الواضحة في عدم الانخراط في الصراعات والنزاعات في الشرق الأوسط، لا سيما التنافس السعودي الإيراني.

كما أن مثل هذا الترتيب التعددي الذي يحفظ للولايات المتحدة دورها كلاعبٍ عسكري رئيسي يتوافق مع مخططات الصين التدريجية للخروج على الساحة العالمية وبما يتجاوز نطاق قوتها العسكرية المتنامية.

وباستثناء القاعدة العسكرية في جيبوتي، تبدو مخططات الصين أقل اعتماداً على القوة الصلبة كلما ابتعدنا عن حدود الجمهورية الشعبية.

وقد تنسجم المقترحات الخاصة برؤيةٍ أمنية تعددية مع توجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعتمد على تقاسم الأعباء.

إلا أن الكلام يبقى أسهل من الفعل.

فإذا كانت المظلة الأمنية الأمريكية تهدف لمواجهة إيران، فإن الرؤية التعددية لابد أن تشمل إيران نفسها.

ويمكن لمثل هذا الانخراط الحدوث على أساس اتفاقٍ من عدم الاعتداء المشترك، وهو ما اقترحته إيران وأشارت له روسيا بشكلٍ ضمني في دعوتها لعقد مؤتمرٍ للأمن الإقليمي على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE).

Chinese navy
صورة تم التقاطها من الفرقاطة الفرنسية طلو فلوريال” للمدمرة هايكو “DDG-171″، وهي إحدى السفن الحربية التابعة للبحرية الصينية، وهي تخفر سواحل خليج عدن يوم ١٩ يناير ٢٠٠٩. وتعد هذه السفينة من ثلاث سفنٍ صينية تم نشرها لإجراء عمليات مكافحة القرصنة بعيداً عن ساحل الصومال. وصوّت مجلس الأمن يوم ١٦ يناير ٢٠٠٩ لتأجيل إصدار قرار حتى حزيران ينطوي عن تشكيل حملة لإحلال السلام في الصومال التي مزقها النزاع، وذلك بهدف تولي المسؤولية الملقاة في هذا الجانب على القوات الأفريقية التي فشلت في تحقيق هذا الأمر. المصدر: STEPHANE DE SAKUTIN / AFP.

وحتى يتحقق هذا الأمر، سيكون على الولايات المتحدة والسعودية الحد من التوتر مع إيران، ما يعني التأكيد على عدم وجود نوايا لإطاحة النظام الإيراني أو زعزعة استقراره، وحلّ الأزمة التي خلقها انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الدولي النووي لعام 2015 الذي حجّم البرنامج الإيراني النووي.

ويرى دورسي أن هذا الأمر بعيد المنال رغم عدم إغلاق السعودية أو إيران باب التواصل لتخفيف حدة التوتر القائم بينهما.

وعلاوة على ذلك، فإن الدعم الصيني للمقترح الروسي الذي يدعو الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند للتوجه نحو رؤية تعددية افتقر حتى هذه اللحظة للحماس اللازم.

وأبدى المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية جينغ شوانغ تأييده للمقترح الروسي بصفةٍ عامة، إلا أنه لم يخصّه بدعمٍ محدد، إذ رحب “بكل المقترحات والجهود الدبلوماسية التي تؤدي إلى الحد من التصعيد في منطقة الخليج”.

ويعود إحجام الصين عن تقديم دعم حقيقي للمقترح الروسي إلى الاختلاف بين الصين وروسيا حول السياسة الأمنية التعددية بصفةٍ عامة، والتحالفات بصفة خاصة. وتنأى الصين بنفسها عن التحالفات التي تركز على الجغرافيا الاقتصادية أكثر من الجغرافيا السياسية، بينما تتحرك روسيا في إطار التحالفات.

وتلوح لنا في خلفية التحليل النهائي حقيقة أن الصين ترى ارتباطاً بين الأمن في جنوب ووسط آسيا وأمن الخليج، ما يثير التساؤلات حول مدى استدامة النهج الأمني الصيني.

ولا تظهر أهمية المستويات الجغرافية في الرؤية الصينية بجلاءٍ شديد في الموقف الصيني القوي في بحر الصين الجنوبي فحسب، ولكن أيضاً في دول من طينة طاجيكستان وأفغانستان.

وشهدت الآونة الأخيرة إحراز الصين لتقدم على مستوى بناء طريق يخترق ممر واخان الأفغاني ليحقق أهدافاً جيوسياسية متعددة.

ومن شأن هذا الطريق تسهيل مرور القوات وتشييد قاعدة عسكرية في طاجيكستان لإجراء عمليات صينية عابرة للحدود في الممر.

ويكمن السؤال هنا فيما إذا كانت التحركات الصينية ستهدد تقسيم العمل المفترض ضمنياً بينها وبين روسيا، والذي تتحمل روسيا بمقتضاه المسؤولية الأمنية في وسط آسيا، بينما تركز الصين على التنمية الاقتصادية. وإذا ما حصل ذلك، فإن التساؤل سيمتد ليصل إلى معرفة مدى الأثر الذي سيحمله هذا الخلاف على مستوى اعتماد الصين على دورٍ روسي محتمل في منطقة الخليج.

ما من شك في أن منطقة الخليج تنتقل بصورةٍ تدريجية من ترتيب أمني أحادي إلى ترتيب أمني تعددي، وهو ما يحظى بدعم التخوفات الخليجية التي أعقبت هجمات سبتمبر على المنشآت النفطية السعودية، ورد الفعل الأمريكي الذي أعاد الشكوك حول جدية الضمانات الأمنية الأمريكية.

ويغذّي هذه الشكوك توجه السياسة الأمريكية، ابتداءً من إدارة أوباما وصولاً إلى إدارة ترامب التي تقترح إعادة تقييم مصالح الأمن القومي الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.

وبما أن الصين تؤمن بأن حل الخلافات يكمن في الاقتصاد لا الجغرافية السياسية، فإن هذا الاعتقاد سمح لها بالبقاء دون خدوش، إلا أن هذا الاعتقاد بحاجة لأن يثبت استدامته على المدى الطويل.

ويرى دورسي أن هذا التوجه لن يقي الصين من ولع الشرق الأوسط بأن يكون في قلب اهتمامات القوى الخارجية العظمى.

ويختم دورسي مقالته بالتالي: “هذا التحليل يؤكده شيانغ شودونغ، وهو باحثٌ مختص في شؤون الشرق الأوسط ضمن أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية، حيث يرى شودونغ أن الاستثمار الاقتصادي لن يحل كل المشاكل الأخرى عندما يتعلق الأمر بصراعات دينية وإثنية”.

“الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر فنك”.