وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

منظمات المجتمع المدني تأمل في تغيير ميزان القوى في الانتخابات اللبنانية

Lebanon- Trash crisis Lebanon
متظاهرون لبنانيون يلوحون بالعلم اللبناني ويرددون هتافات خلال مظاهرةٍ نظمتها جماعات المجتمع المدني، احتجاجاً على أزمة النفايات المستمرة في البلاد Photo AFP

تتزايد أعداد جماعات المجتمع المدني التي تُقدم مرشحين للانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في 6 مايو 2018 في لبنان، أملاً في تحدي ميزان القوى التقليدي على السلطة في البلاد.

فقد أثارت أزمة النفايات عام 2015، والتي أدت إلى اندلاعٍ احتجاجاتٍ في العاصمة بيروت وخارج مكبات النفايات، الحاجة إلى تعبيرٍ جديد عن الفاعلية. فعلى سبيل المثال، أطلقت حملة طلعت ريحتكم، وهي حملة بدأت من وسائل التواصل الاجتماعي من قِبل جماعاتٍ بيئية ومجتمعية انتقدت فيها الحكومة لفشلها في التخلص من النفايات المتراكمة في شوارع بيروت، الرغبة في تغييرٍ حقيقي في السياسة اللبنانية. وفي السنوات الثلاث التالية، أصبح الأشخاص الذين كانوا جزءاً من الحملة ومنظمات المجتمع المدني نشطين سياسياً على نحوٍ متزايد.

فعلى سبيل المثال، خسرت حركة بيروت مدينتي المستقلة الإنتخابات البلدية في مايو 2016 بفارقٍ ضئيل، حيث حصلت على 40% من الأصوات. وفي أكتوبر 2016، تم إطلاق مجموعة سياسية جديدة مستقلة حملت اسم سبعة من قِبل بعض الأشخاص المشاركين في حملتي طلعت ريحتكم وبيروت مدينتي. أما بالنسبة للانتخابات البرلمانية لعام 2018، سيمثل التحالف الوطني، وهو تحالفٌ يضم 11 من منظمات المجتمع المدني بقيادة سبعة، جزءاً كبيراً من هذا المجتمع المدني. كما تم تشكيل قوائم أخرى للمجتمع المدني في مناطق مختلفة من لبنان، بشكلٍ مستقل عن التحالف الوطني.

وفي هذا الصدد، قالت منى خنيصر، منسق مشروع برنامج المجتمع المدني والسياسات في معهد عصام فارس، “انطلاقاً من الحاجة إلى التنظيم السياسي والتعاون في مبادرة دائمة، ما فتئت الجهات الفاعلة في المجتمع المدني ومجموعات وشبكات الناشطين تتداول في استراتيجيات داخلية وآمال في التأثير على التغيير من خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة.” وأضافت “لقد أجبرت الإحباطات المتكررة بين ما يسمى ناشطو المجتمع المدني بقدرتهم المتصورة على إحداث تغيير في النظام من خلال معارك واحدة، العديد من العمليات الانتخابية ومنطق التغيير التدريجي من الداخل. فقد كشفت خبرة النشطاء الطويلة في مجال الدعوة وحملات القضية الواحدة لهم عن العوائق الهيكلية وعدم الاستعداد السياسي للانضمام إلى المطالب العامة، وتعتبر احتجاجات أزمة النفايات في عام 2015 تذكير أخير واحد.”

لبلدي، إحدى القوائم في التحالف الوطني في بيروت، والتي أعلنت عن مرشحيها وبرنامجها السياسي في 10 مارس. فالأهداف الرئيسية للبرنامج مؤسساتية، بما في ذلك إلغاء الطائفية، وتنفيذ اتفاق الطائف (الذي أنهى الحرب الأهلية عام 1989)، وفصل السلطة التنفيذية عن السلطة القضائية والتشريعية، وتحسين البنى التحتية الأساسية لخلق فرص العمل، وإدخال نظام مصرفي ومالي جديد، والإسكان والتعليم، والسيادة والأمن.

وفي هذا الشأن، قال الخبير في تطوير السياسة العامة والمرشح عن قائمة لبلدي، طارق عمّار، “إنها حركة سياسية جديدة لا ترتبط بالإيديولوجيات السياسية التقليدية.” وأضاف “نركز على احتياجات الناس وأولوياتهم. تغطي مجموعاتنا كل لبنان، وهذا تحدي كبير. نحن متأكدون من وجود بعض أعضاء البرلمان [من التحالف الوطني]، ولكن في الوقت الراهن نحن بحاجة إلى التضامن وحشد الناخبين لنتمكن من إحداث فرق.”

أما في بعبدا، أحد الأحياء جنوب بيروت، فقد أطلق بول أبي راشد، وهو ناشط بيئي ورئيس جمعية الأرض- لبنان، قائمةً مستقلة حملت عنوان صفحة جديدة للبنان مع المهندس الدكتور أجود العياش، والأستاذة في قانون الأعمال ألفت السبع. ولم تكتمل القائمة بعد إذ لا زالوا يتقربون من أشخاص آخرين ممن سيكونوا قادرين على تمثيل كل من أولوياتهم الست، ألا وهي: البيئة، والمجتمع والاقتصاد، والصحة، والإصلاح السياسي والأمن.

وقال أبي راشد: “نحن نبني برنامجنا على أهداف التنمية المستدامة لعام 2030.” وتابع قوله “نعتقد أنها لحظة جيدة لأن الأحزاب السياسية التقليدية لم تظهر سوى الإخفاقات. نريد المشاركة لأنهم لم يستمعوا أبداً إلى حلولنا لمشاكل لبنان، وبدأ المواطنون يدركون ذلك. أعتقد أن الناس يشعرون بالاشمئزاز بسبب تصرفات النواب الحالية، مما قد يمنحنا فرصة ما.”

وفي المتن، شرق بيروت، أعلنت نادين موسى، وهي محامية وأول إمرأة في لبنان تترشح لمنصب الرئيس، ترشحها بقائمة مستقلة حملت اسم تنعيش، بالرغم من أنها تفكر بالإنضمام إلى مجموعة أخرى من مجموعات المجتمع المدني في وقتٍ لاحق. ونادين موسى واحدة من 111 إمرأة ترشحن للانتخابات هذا العام. ويتضمن البرنامج السياسي للقائمة تحقيق استقلال النظام القضائي، وتأمين حقوق المواطنين من خلال ضمان حصولهم على أساسيات الحياة، وحماية الأماكن العامة، واتخاذ قرار جديد بشأن موارد النفط والغاز في لبنان.

وقالت موسى “وفقاً لاستطلاعات المعهد الديمقراطي الوطني، فإن الشعب اللبناني يعطي الأولوية للضمان الاجتماعي وفرص العمل ومحاربة الفساد.” وأضافت “أعتقد أن الناس قد غيروا رأيهم عندما كانت الأوضاع عام 2009 جيدة. عندما أتحدث إلى الناس في منطقتنا، على سبيل المثال، بدأوا بتقبل مفهوم العلمانية، وهو أمرٌ جديد. كما يساعدنا قانون التصويت الجديد أيضاً، لأنه مع إدخال النظام النسبي، نحتاج الآن إلى 13 ألف صوت فقط بدلاً من 50 ألف صوت للوصول إلى نتيجة. وستلعب الأحزاب التقليدية مرةً أخرى على الخوف باعتباره عنصراً قيّماً، مثل التهديدات من الدول الأجنبية، ولكن هل ينبغي لنا أن نستمر في العيش في ظل الخوف؟ يجب أن نعتمد أكثر على ذكاء الناس بدلاً من عواطفهم.”

حتى وإن نجح هؤلاء المستقلون في قيادة الحوار وجذب الناخبين، إلا أن هناك مسألة أخرى لا بد من معالجتها، ألا وهي النظام السياسي نفسه. ومن وجهة نظر خنيصر “إذا ما افترضنا أن الفوز في الانتخابات يعني ضمناً اكتساب السلطة أو تحقيق التغيير، إلا أن هذا قد يكون فرضيةً مضللة وأملاً مخادعاً.” وتابعت القول “من المتوقع أن تبقى غالبية المقاعد في قبضة الأطراف الطائفية التقليدية، التي صممت قانوناً يناسب احتياجاتها، في حين تقدم فحسب تنازلاتٍ صغيرة للحفاظ على الحد الأدنى من الشرعية للنظام.”

ولكن حتى دون وجود أغلبية في البرلمان، فضلاً عن الانقسامات السياسية وعدم وجود تأثير فوري عملي، يمكن للمجتمع المدني على الأقل أن يتخذ أول ما يمكن أن يكون خطواتٍ عديدة نحو حياةٍ سياسية أكثر تنوعاً في لبنان.