وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحرب في اليمن تزداد تعقيداً في ظل النزاع السعودي الإيراني

الحرب في اليمن
يمنيون يشاركون في مظاهرةٍ في العاصمة صنعاء، التي يُسيطر عليها المتمردون، تدعو لرفع الحصار الذي فرضه التحالف العسكري بقيادة السعودية، نوفمبر 2017. Photo AFP

ازدادت الحرب الأهلية الوحشية في اليمن تعقيداً بعد إعلان مسؤولين سعوديين في الرابع من نوفمبر 2017 اعتراض صاروخٍ أطلقه المتمردون الحوثيون في اليمن بالقرب من مطار الملك خالد الدولي في الرياض.

اتهم المسؤولون إيران بتورطها في الهجوم الصاروخي، ووصفوا دور الدولة المنافسة في تسليح ودعم المتمردين بـ”العدوان العسكري السافر والمباشر من النظام الإيراني،” والذي “قد يرقى إلى اعتباره عملاً من أعمال الحرب ضد المملكة العربية السعودية.”

كما كان رد فعل البيت الأبيض مماثلاً، وعليه، منع السعوديون الوصول إلى جميع الموانىء اليمنية، التي تمت محاصرتها منذ شن التحالف بقيادة السعودية عملية عاصفة الحزم في مارس 2015، كما كثفت المملكة ضرباتها الجوية على العاصمة اليمنية، صنعاء. فقد سيطر المتمردون على العاصمة منذ استيلائهم على السلطة من الحكومة التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي عام 2014، وذلك بمساعدة الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح.

فقد لجأ هادي إلى المملكة العربية السعودية، إلا أنه خضع منذ ذلك الحين لـ”شكلٍ من أشكال الاقامة الجبرية،” ومُنع من العودة إلى بلاده، ولربما يعود السبب في ذلك إلى الضغينة بينه وبين الإمارات العربية المتحدة، التي تشارك في التحالف، وفقاً لما ذكرته وكالة اسوشيتيد برس.

وعليه، احتج مسؤولون من الأمم المتحدة على الحصار الإضافي المفروض، الذي قالوا أنه سيغرق اليمن بالمجاعة. في حين نفت إيران مسؤوليتها عن الهجوم. ففي الأشهر الأخيرة، تزايد إمعان النظر الدولي بالدور السعودي في النزاع اليمني الذي يتزايد تعقيداً، وبخاصة بعد أن أسفرت غارةٌ جوية شنتها قوات التحالف مؤخراً على أحد الأسواق المزدحمة في شمال اليمن بهدم أحد الفنادق ومصرع 26 شخصاً.

فجميع أطراف النزاع متهمون بانتهاك حقوق الإنسان. وبالتالي، نفى السعوديون هذه الإدعاءات جملةً تفصيلاً، إلا أنه يبدو أنهم عانوا هزيمةً دبلوماسيةً في الأشهر الأخيرة، حيث وافقت الأمم المتحدة مؤخراً على فتح تحقيقٍ في جرائم الحرب المزعومة في اليمن، وأشارت إلى أن التحالف الذي تقوده السعودية، إلى جانب الجماعات الأخرى التي تقاتل في اليمن، أدرجت في تقريرٍ عن الجماعات التي أضرت أو تسببت بمقتل الأطفال في مناطق النزاع.

ومع ذلك، وبعد أن شنت السعودية حملةً شرسة، بما في ذلك التهديد بسحب ملايين الدولارات من برامج الأمم المتحدة، بما في ذلك البرامج المخصصة للاجئين الفلسطينيين، تم سحب هذه الإدعاءات من التقرير النهائي. أغضب القرار الجماعات الحقوقية، التي اتهمت بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، بالخضوع للضغوطات.

الحرب في اليمن
أشخاص يتفحصون الأضرار في أعقاب غارةٍ جوية على العاصمة اليمنية صنعاء في 11 نوفمبر 2017. نفذ التحالف العسكري بقيادة السعودية غارتين جويتين على وزارة الدفاع في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها المتمردون. Photo AFP

بيد أن تقرير هذا العام للأطفال والنزاع المسلح– الذي صدر في ظل أنطونيو غوتيريس، خليفة بان كي مون- أدرج التحالف السعودي ضمن الجماعات التي انتهكت حقوق الأطفال، مشيراً إلى أنه من بين الـ1349 وفاة وإصابة للأطفال المرتبطة بالحرب والتي تحققت منها الأمم المتحدة في اليمن في عام 2016، يعتقد أن التحالف السعودي مسؤولٌ عن 683 منها، بينما الحوثيون وحلفائهم مسؤولون عن 414. كما وجد التقرير أن التحالف كان مسؤولاً عن هجماتٍ على 28 مدرسة وعشرة مستشفيات، وعن الغارة الجوية التي شنها في أكتوبر 2016 على مراسم عزاءٍ في صنعاء، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 24 طفلاً.

خُففت حدة الانتقادات بذكر الإجراءات التصحيحية التي اتخذها التحالف لـ”الحد من أثر النزاع على الأطفال، بما في ذلك مراجعة قواعد الاشتباك، وإنشاء وتفعيل الفريق المشترك لتقييم الحوادث، المكلف بمراجعة جميع الحوادث التي تنطوي على إصابات بين المدنيين واقتراح الإجراءات التصحيحية اللازمة.”

واصل المسؤولون السعوديون نفي الإدعاءات بدورهم في قتل وإصابة الأطفال، بقولهم في مؤتمرٍ صحفي أنّ التقرير يتضمن “معلوماتٍ كاذبة.” غير أنهم أشادوا بالمعلومات حول التدابير المتخذة لحماية المدنيين. كما وجه المسؤولون أيضاً أصابع الاتهام إلى إيران، معتبرين أنها المسؤولة عن النزاع الدائر وعرقلتها لمحاولات السلام وتأجيجها القتال المستمر بتسليح الحوثيين.

احتفت بعض جماعات حقوق الإنسان بالتقرير، حيث أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش “هذا العام، لم يسمح الأمين العام، غوتيريس، للتحالف الذي تقوده السعودية بالإفلات.” في حين قالت منظمة العفو الدولية في بيانٍ “إن المجتمع الدولي قد تخاذل بصورة معيبة أمام الضغوط السياسية من جديد، فقلل من شأن معاناة آلاف الأطفال اليمنيين، بتخفيفه من الانتقادات الموجهة ضد الانتهاكات الفظيعة للقانون الدولي من قبل التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة بشأن الأطفال والنزاع المسلح.”

صدر التقرير بعد أيامٍ فحسب من موافقة الأمم المتحدة على فتح تحقيقٍ في جرائم الحرب في اليمن، إذ كانت الخطة النهائية حلاً توفيقياً. في الواقع، طالبت مجموعة بقيادة هولندا وكندا بـ”لجنة تحقيقٍ دولية،” التي تعد أكثر معايير التحقيقات التي تجريها الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان صرامةً، إلا أنها وافقت في النهاية على “مجموعة دولية بارزة من الخبراء.” ومن هنا، ضغطت السعودية مرةً أخرى ضد قيام أي هيئةٍ دولية خارجية بالتحقيق، حيث اقترحت بدلاً من ذلك أن توفر الأمم المتحدة خبراء للجنة حكومية يمنية، التي يعتبرها النقاد تتمتع بصلاتٍ وثيقة مع السعوديين مما يجعلها غير مؤهلة لإجراء تحقيقٍ موثوق.

وفي الوقت نفسه، طالب مجموعة من السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية بتوقف بلادهم عن دعم الحملة السعودية، مقترحين تشريعاً لسحب القوات المسلحة الأمريكية من “هذه الأعمال العدائية غير المأذون بها” في اليمن. وقال أعضاء الكونغرس الذين يرعون مشروع القانون أن مساعدة الولايات المتحدة للتحالف السعودي في حربه ضد الحوثيين وحلفائهم، بما في ذلك تزويد الطائرات الحربية بالوقود، لم يأذن به الكونغرس وإنما “يؤدي الى نتائج عكسية للجهود الجارية من قبل الولايات المتحدة لملاحقة تنظيم القاعدة والقوات المرتبطة به.” وعلاوة على ذلك، فقد تم انتقاد الحملة الأمريكية طويلة الأمد ضد تنظيم القاعدة في اليمن لقتلها المدنيين بالهجمات بالطائرات بدون طيار.

وكتب محللون في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، وهو مؤسسة بحثية مستقلة مقرها اليمن تتابع التطورات السياسية: “مع أن التوقعات لا تشير إلى احتمال حصول هذا القرار على الأصوات المطلوبة لتمريره، إلا أنه يعكس تزايد المخاوف في الكونغرس حيال الدور الأمريكي في اليمن وحيال قدرة الرئيس على القيام بعمليات عسكرية من تلقاء نفسه.”

وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من التقدم المحرز في مكافحة وباء الكوليرا المدمر، لا تزال الظروف على أرض الواقع في اليمن تُنذر بكارثةٍ أليمة. فقد شرعت منظمة أطباء بلا حدود في إغلاق أو الحد من قدرة مراكز علاج الكوليرا، قائلة إن عدد حالات الإدخال قد تقلص من 11,139 حالة في الأسبوع الثالث من يونيو إلى 567 حالة في الأسبوع الثاني من أكتوبر.

ومع ذلك، فإن تضاؤل انتشار وباء الكوليرا بارقة أملٍ في واقعٍ أليم. فوفقا للأمم المتحدة، إن خطر المجاعة آخذٌ في التزايد، حيث يواجه 17 مليون شخص نقصاً في الغذاء ويعاني 1,8 مليون طفل من سوء التغذية الحاد. وفي الفترة من مارس 2015 وحتى سبتمبر 2017، أبلغت المرافق الصحية عن وقوع 8,673 حالة وفاة متصلة بالنزاع وإصابة 49,693 آخرين، ولكن يعتقد أن العدد الفعلي للإصابات أعلى من ذلك بكثير، ذلك أن العديد من الإصابات لا تصل أبداً إلى المرافق الصحية، وبالتالي لا يتم الإبلاغ عنها.

كما أن هناك أيضاً أكثر من 20 مليون شخص بحاجة إلى مساعداتٍ إنسانية، الذين غالباً ما يتعذر الوصول إليهم بسبب تعطل عمليات إيصال المساعدات من جانب جميع أطراف النزاع.