وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مرشدي معسكرات الاعتقال، أقصى اليمين، والإسلام: أوروبا تهترئ

الاسلام أوروبا
صورة تم التقاطها يوم ١٦ يونيو ٢٠١٨ لمجموعة من المسلمين الذين شاركوا في صلاة عيد الفطر في سان دوني بفرنسا. المصدر: Richard BOUHET / AFP.

جيمس دورسي

تمتلك إسراء أوزيورك، وهي باحثة مختصة في الشؤون الدينية، موهبة التعرف على التوجهات التي تنذر بالخطر بشأن مستقبل أوروبا.

أوزيورك تشير إلى المسلمين الألمان، حيث ينُظر إلى هؤلاء كمعادين للسامية، علماً بأن مواقفهم من المحرقة اليهودية “الهولوكوست” تشير إلى الكثير عن المخاوف المتعلقة بالأقليات في أوروبا.

وإلى جانب زميلها جوليان جوبفارث، وهو طالبٌ ينتمي إلى أقصى اليمين، تجادل أوزيورك بأن ما يبديه أقصى اليمين القومي والشعبوي في أوروبا من مواقف مفزعة تجاه المسلمين والإسلام ينظر إليها على أنها معادية للإسلام.

وبدلاً من ترديد الحجج المنتشرة في العالم الإسلامي والتي تنكر الهولوكوست، تشير أوزيورك إلى أن الألمان المسلمين يعترفون بالإبادة الجماعية المرتكبة بحق اليهود، ويشعرون بالقلق من معاناتهم لمصير مماثل. وتشكل مخاوف المسلمين إضافة إلى مفهوم “لن يحدث مطلقاً مرة أخرى” الذي انتشر بعد الحرب العالمية الثانية.

وبفعلها هذا، تسلّط أوزيورك الضوء، ضمنياً، على فشل سياسات الدمج الاقتصادية والاجتماعية الأوروبية، التي تركت الأقليات المسلمة تشعر بالضعف، والتهميش، والحرمان من الحقوق الأساسية، والخوف على أمنها الفردي والمشترك.

كما تشير إلى خطر المناهج، التي تعمق مخاوف المسلمين وعزلتهم، والتي تختزل المخاوف المجتمعية تجاه المجتمعات ذات التعددية الدينية والعرقية على أنها مشكلة أمنية فقط، وتضعهم في موقف دفاعي.

وتشمل هذه المناهج جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإعادة تعريف الإسلام، ومفهوم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان عن الأمة المسيحية، والجهود المنتشرة عبر القارة الأوروبية لمقاومة التعبير السياسي وتيارات الإيمان شديدة المحافظة.

وتعود القضايا الرئيسية، التي أثارتها ملاحظات أوزيورك، إلى نقطة البداية بعد شرحها مع جوبفارث للعلاقة المعقدة بين الإسلام والشعبويين المنتمين لتيار أقصى اليسار، والحركات القومية، والحركات المناصرة لتذكية مصالح أهل البلد على حساب المهاجرين.

ويوضح الباحثان أن تيار أقصى اليمين لم يعد يُعرَف بموقفه الذي يشجب الإسلام باعتباره رجعي، وغير تحرري، وعازم على غزو أوروبا.

واللافت للنظر، أن قطاعات هامة من هذا التيار لم تعد ترى الإسلام والمسلمين، وبعضهم متحول عن المسيحية ونماذج بارزة منتمية إلى تيار اليمين، باعتبارهم يمثلون تهديداً وجودياً بل حصناً لمقاومة الحداثة وإضفاء مفهوم روحاني على القومية والهوية الأوروبية.

وتتواجد هذه القطاعات إلى جانب القطاعات الأخرى التقليدية المنتمية إلى تيار أقصى اليمين، والتي تُشيطن الإسلام والمسلمين.

وبالمثل، يدعم بعض اليهود حزب “البديل من أجل ألمانيا” رغم تصريحاته المتكررة المعادية للسامية وتشكيك العديد من قادة الحزب في ذكرى الهولوكوست.

ويرى اليهود الداعمون لتيار أقصى اليمين موقفهم طويل الأمد الرافض للإسلام باعتباره حاجزاً يحميهم من المشاعر المعادية لإسرائيل والمعادية للسامية داخل المجتمع الإسلامي، فضلاً عن هجمات تيار أقصى اليمين المتزايدة على اليهود والرموز اليهودية.

وجعلت هذه الهجمات اليهود في فرنسا وغيرها من المناطق في أوروبا يتساءلون عمّا إذا كان لا يزال هناك مكاناً لهم في القارة. وقد حزم بعضهم أمتعته وهاجر إلى إسرائيل.

وبالنظر إلى جميع هذه العوامل السابقة، فإن ملاحظات الباحثين تشير إلى مواجهة أوروبا لأزمة وجودية. إن جاذبية المسلمين المنتمين للتيار الديني شديد المحافظة، والإسلام السياسي تندمج أحياناً مع المذاهب القومية مثلما هو الحال في تركيا؛ إن مخاوف اليهود الوجودية وسعي تيار أقصى اليمين لإعادة صياغة هوية أوروبا هما وجهان لعملة واحدة.

وبمعنى آخر، فإن منهج أوروبا في النظر إلى المشكلات السياسية والاجتماعية منفصلة عن بعضها، يجعلها غير قادرة على رؤية الصورة الكلية للأزمة.

ستكون أوروبا في وضع أفضل إذا ما اعترفت بأن المخاوف الوجودية هي التي تورط المسلمين، والأقليات الأخرى، وتيار أقصى اليمين في صراعٍ، يستقطب عناصر المجتمع ويستنزفها.

وقد يساهم النظر إلى الصورة الأكبر في إعادة دراسة السياسات الاقتصادية والاجتماعية طويلة الأمد، والتي خلقت أزمةً تهدد دعامات التنمية في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية ووجود الاتحاد الأوروبي بالشكل الذي نعرفه به حالياً.

إن الصياغة الانتهازية لقضايا مثل الإسلام السياسي بهدف خدمة مصالح السياسيين قصيرة الأجل وتغذية المشاعر المعادية للإسلام والهجرة لدى تيار أقصى اليمين، في محاولة منهم للانتقاص من شعبيتهم الانتخابية، تعمق الجراح المجتمعية. فمثل هذه السياسات لا تفعل سوى القليل، هذا وإن كانت تفعل أي شيء، لحل المشكلات القائمة، التي تزداد سوءاً إذا ما تركت مهملة.

واستلهم ماكرون حملته الصليبية، التي تهدف إلى صياغة “إسلام فرنسي”، من دول مثل السعودية والإمارات، اللتين تريان السياسة القائمة على الإسلام باعتبارها خطراً وجودياً يهدد بقاء حكامها المستبدين.

وتهدد هذه الحملة الصليبية بتعميق أزمة أوروبا الوجودية بدلاً من رسم طريق، يفضي إلى قارة أكثر اندماجاً، قارةٍ تتبنى سياسات الشمول بدلاً من الإقصاء.

ومثلها أيضاً، الحملة القمعية، التي شنها المستشار النمساوي سيباستيان كورتز على حرية تعبير الإسلام السياسي، وهي حملة تخلو من أية إجراءات لمعالجة المخاوف المشروعة داخل المجتمع الإسلامي وتشمل، في أفضل تقدير، عبارات جوفاء حول الشمول، ومكافحة التهميش والعنصرية.

ويتجلى حجم أزمة أوروبا في الكيفية التي ينظر بها الألمان المسلمون إلى جهود الدولة الرامية إلى التكفير عن مذبحة الهولوكوست وإحياء ذكراها عن طريق تعزيز ثقافة المؤازرة والذاكرة الجماعية.

فبدلاً من الاعتراف بأن مخاوف الألمان المسلمين، المتمثلة في الخوف من أن يصبحوا الضحايا المستهدفين كجماعة دينية في القرن الواحد والعشرين، تشكل اعترافاً منهم بالهولوكوست وارتباطاً بها، فإن القائمين على تثقيف المجتمع بشأن الهولوكوست يرفضون ردود المسلمين ويعتبرونها “خطأ” و”غير لائقة”.

وتنقل أوزيورك عن جوليانا، التي تعمل كمرشدة في معسكر اعتقال، قوله: “عندما يذهبون لزيارة المعسكرات، يشعر المهاجرون وكأنهم سيُرسلون لاحقاً إلى هناك. يخرجون من المعسكر وهم يشعرون بالقلق والخوف. لا يعجبني الوضع مطلقاً عندما يفعلون هذا، ولهذا لا أريد أن آخذهم إلى هناك مجدداً”.

ما تقوله جوليانا هي أنها وجدت صعوبة، ما لم يكن استحالةً، في الاعتراف بأن الأقليات الألمانية تخشى أن يتكرر الهولوكوست.

وتشير عدم قدرتها على فهم مخاوف المسلمين، سواء كانت واقعية أم لا، إلى رفضٍ، تعكسه السياسات، للاعتراف بأن التعامل مع المخاوف الوجودية للأقليات هو جزءٌ لا يتجزأ من الدروس المتعلمة من الهولوكوست ومحور رئيسي لضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم.

وعلى نفس المنوال، يوحي تأييد تيار أقصى اليمين للمتحولين حديثاً إلى الإسلام بما هو أكثر من مجرد فكرة استيعاب هؤلاء الذين وجدوا ضالتهم في الإيمان، الذي كانوا يشيطنوه لوقت طويل.

ويشمل المتحولون حديثاً يورام فان كلافيرين، عضو سابق في حزب خيرت فيلدرز الهولندي المعادي للإسلام “حزب من أجل الحرية”، وآرثر فاجنر، عضو بارز في حزب البديل من أجل ألمانيا.

وروج حزب البديل من أجل ألمانيا لحملته في الانتخابات البرلمانية لعام 2018 باستخدام شعارات “لا مكان للإسلام في ألمانيا”، و”ضد أسلمة ألمانيا”.

ويتناقض تأييد تيار أقصى اليمين لكلافيرين، وواجنر، تناقضاً صارخاً مع حادثة طرد أرناود فان دورن من حزب فيلدرز في 2013 بمجرد أن أصبح خبر تحوله إلى الإسلام معروفاً.

وأجبر حزب فان دورون “حزب الوحدة” هذا الأسبوع خبازة، كانت على قائمة الحزب المعدة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها الشهر المقبل، على مغادرة الحزب ليس لأنها يهودية بل لأنها كانت تصنع كعكاً عليه صور إباحية.

وبرزت جوليسا بروير على قائمة الحزب لتحدي المزاعم التي تفيد بأنه معادياً للسامية ويدعم التشدد الإسلامي.

ويجادل كل من أوزيورك وجوليان جوبفارث بأن: “الرؤيتين المتنافستين، وهما “الإسلام كتهديد” و”الإسلام كتجديد”، تستمران في تغذية التصورين المتنافسين، الذين يفيد أحدهما بأن الهوية القومية لألمانيا هي تجسيد للحداثة، بينما يفيد التصور الآخر بأنها تجسد بديلاً روحانياً للحداثة الغربية”.

إن تبني الإسلام والمسلمين باعتبارهم حلفاء ضمن المساعي الرامية إلى منح معنى للحداثة، التي تعتبر ذات طابع مادي في نظر قطاعات عريضة من الشعبويين، والقوميين المتشددين، والمناصرين لتذكية مصالح أصحاب البلد على حساب المهاجرين، يمكن تيار أقصى اليمين من توسيع شعبيته وطرح نفسه كتيار غير عنصري.

كما يوحي أيضاً، كما هو في حالة الألمان المسلمين، بكفاح مجتمعي على نطاق أوسع من أجل صياغة هويات قومية ومجتمعية جديدة بالإضافة إلى تجديد الهوية الأوروبية.

وهناك سبباً وجيهاً للارتياب من تغيّر المواقف تجاه الإسلام بين بعض المنتمين إلى تيار أقصى اليمين.

ويشير كل من أوزيورك وجوليان جوبفارث إلى أن النازيين يمجدون الإسلام باعتباره ديناً رجولياً، ومنهجياً، ومحفزاً على القتال. لذا فهو، من وجهة نظرهم، قد يدعم الحرب ضد سياسات الأمركة الليبرالية المنحلة وحكومة العالم اليهودي.

ومع ذلك، فإن قصة ارتباط الألمان المسلمين وتيار أقصى اليمين بالإسلام، يوفر فرصةً، في وقت نعاني فيه من بلاء تاريخي بسبب جائحة كورونا والركود الاقتصادي المصاحب لها، للتعامل مع التصدعات المجتمعية.

إذا لم تُعالَج هذه التصدعات، فإنها ستؤدي على الأرجح إلى زيادة الاستقطاب داخل المجتمع، فضلاً عن إضفاء المزيد من الشرعية على العنصرية والأحكام المسبقة، وتقويض التماسك المجتمعي الضروري لمعالجة المشكلات الوجودية ليس فقط في أوروبا، بل في العالم كله”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com في 3 فبراير 2021.