وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تداعيات مقاطعة النفط الإيراني

Iran- Strait of Hormuz
إحدى ناقلات النفط قبالة ميناء بندر عباس الإيراني، الذي يعدّ القاعدة الرئيسية للقوة البحرية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية ويتمتع بموقع استراتيجي على مضيق هرمز. 30 أبريل 2019. Photo AFP

في 8 مايو 2018، انسحبت الولايات المتحدة بشكلٍ أحادي الجانب من خطة العمل الشاملة المشتركة أو ما يُعرف بالصفقة النووية الإيرانية. وبعد ستة أشهر، أي في 5 نوفمبر 2018، أعادت الولايات المتحدة فرض عقوباتٍ أحادية على صادرات النفط والبتروكيماويات الإيرانية. وعلى الرغم من أنها منحت الإعفاءات لثماني دول (بما في ذلك الهند واليابان وكوريا الجنوبية) التي استمرت حتى نهاية أبريل 2019 وكانت تهدف إلى منحهم الوقت للتكيف مع العقوبات الجديدة، تم رفع تلك الإعفاءات في 2 مايو 2019 ليحل محلها حظرٌ شامل على النفط الإيراني. ووفقاً لمسؤوليها، تريد الولايات المتحدة وضع حدٍ لصادرات النفط الإيرانية، إذ يتمثل الهدف من ذلك في زيادة حدة الضغوطات المالية والاقتصادية على طهران لتستسلم البلاد للتفاوض بشروط الولايات المتحدة. حالياً، يرفض الإيرانيون مطالب الولايات المتحدة، مشيرين إلى أن تصرفات واشنطن تنتهك القانون الدولي وتحديداً قرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي أيد خطة العمل الشاملة المشتركة. الأطراف الأخرى الموقعة على الصفقة تدعم إيران سياسياً، إلا أنها لا تتخذ أي إجراءاتٍ فعلية ضد تجديد العقوبات. لذلك، ومع الأخذ بعين الاعتبار موقف إيران المعلن بعدم التراجع أمام التنمر الأمريكي، دعونا نلقي نظرةً حول كيف يمكن للحظر النفطي أن يؤثر على المعادلة الأمريكية الإيرانية.

لكون البلاد تمتلك رابع أكبر احتياطي من النفط على مستوى العالم، يلعب نفط إيران دوراً كبيراً في اقتصادها وسياستها الخارجية. يعتمد جزءٌ رئيسي من ميزانية إيران على صادراتها من النفط والبتروكيماويات، فقد كان الحد من هذه التبعية هدفاً للإدارات الإيرانية المتعاقبة بما في ذلك إدارة روحاني الحالية. وعليه، استهدفت الولايات المتحدة كلاً من صادرات البلاد من النفط والبتروكيماويات بمجموعة صارمة للغاية وغير مسبوقة من العقوبات. ومع ذلك، في حين أن العقوبات تضر باقتصادهم بشدة، إلا أن المسؤولين الإيرانيين كانوا صريحين بشأن تحديهم لمطالب الولايات المتحدة، ووفقاً لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، ستبيع إيران نفطها لكنها “لن تبيع كرامتها أبداً.” وبعبارةٍ أخرى، ستجد إيران طرقاً أخرى للالتفاف على العقوبات الأمريكية أحادية الجانب- وبذلك، لن تركع لمطالب الولايات المتحدة. ومع ذلك، هناك شكوكٌ جدية في هذا الصدد، إذ يجب أن تؤخذ هذه الشكوك بعين الاعتبار عند تحليل إمكانية مقاطعة النفط الكلية من ناحية، وقدرة إيران على تجنب مثل هذه المقاطعة من ناحية أخرى.

قبل الثورة الإسلامية عام 1979، كانت إيران تصدر ما يقرب من 6 ملايين برميل يومياً. قررت النخبة الثورية الإيرانية خفض صادراتها النفطية إلى الحد الأدنى للحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. وبعد فترةٍ وجيزة من الثورة، واجهت إيران جولات من العقوبات والهجمات التي استهدفت منشآت إنتاج النفط وصادراتها النفطية، حيث استهدفت القوات الجوية العراقية منشآت إيران الرئيسية لإنتاج النفط خلال الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، واستهدفت الولايات المتحدة أربع منصاتٍ لإنتاج النفط الإيراني في الخليج العربي، مما أدى إلى انخفاض الطاقة الإنتاجية الإيرانية بمقدار 520 ألف برميل في اليوم. بعد انتهاء الحرب بين إيران والعراق، كان هناك شدٌ وجذب فيما يتعلق بالعقوبات الأمريكية على إيران إلى أن فرضت واشنطن العقوبات المُعطلة، مما أسفر عن ضغوطٍ هائلة على تصدير النفط الإيراني واقتصاد البلاد على نطاقٍ أوسع. تم فرض أول حظرٍ للنفط تماشياً مع هذه السياسة في يونيو 2012. وبحلول عام 2015، انخفض تصدير النفط الإيراني إلى ما يقرب من مليون برميل يومياً. بدأت الأرقام في الإرتفاع مرةً أخرى بعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة، في يوليو 2015، التي رفعت العقوبات المفروضة على صادرات النفط الإيرانية. بلغ إنتاج إيران 3,8 مليون برميل في اليوم، ليتم تصدير 2,8 مليون برميل في اليوم منها. كانت الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا والاتحاد الأوروبي المستوردين الرئيسيين للنفط الإيراني. ومع ذلك، بدأت الأرقام في الانخفاض مرةً أخرى بعد أن أعادت الولايات المتحدة فرض عقوباتها على النفط في نوفمبر 2018، وخاصة بعد أن أوقفت الاستثناءات أو الإعفاءات النفطية في مايو 2019.

ولكن، بالمجمل، ما مدى أهمية سياسة تصفير صادرات النفط الإيرانية – إن أمكن؟ كانت هناك عوامل مشجعة لإدارة ترمب في هذا الصدد، إذ أن كثيراً من مستهلكي النفط الإيراني كانوا قد خفضوا أو أوقفوا وارداتهم النفطية من إيران، كما كانت اتفاقية أوبك في يونيو 2018 لزيادة إنتاج النفط، على الرغم من الاعتراض الإيراني، مشجعة لواشنطن أيضاً. وعلى هذا النحو، زاد العراق إنتاجه النفطي ودفعت المملكة العربية السعودية بإنتاجها الاحتياطي. بالإضافة إلى ذلك، زاد المنتجون من خارج أوبك، بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة نفسها، إنتاجهم بشكلٍ غير مسبوق. لكن هل يمكن أن تؤدي زيادة إنتاج النفط من قبل الأطراف المذكورة أعلاه إلى تعويض النفط الإيراني، والأهم من ذلك، كيف يمكن أن ينجح هذا في تحقيق أهداف السياسة الأمريكية تجاه إيران؟

على الرغم من تفاقم الصدمات النفطية بسبب زيادة الإنتاج من داخل وخارج أوبك لموازنة نقص صادرات إيران، لا تزال أسعار النفط مرتفعة ولا يزال الطلب العالمي قوياً ومتصاعداً. تبلغ الطاقة الإنتاجية الفائضة لأوبك أقل من 3 ملايين برميل يومياً، يخص معظمها المملكة العربية السعودية التي استنفذت مواردها بالفعل. ومن ناحيةٍ أخرى، ارتفع الطلب العالمي بمقدار 1,4 مليون برميل في اليوم عام 2018 مقارنة بعام 2017 وارتفع بمقدار 1,4 مليون برميل في اليوم في عام 2019. وبإجراء بعض الحسابات البسيطة، يمكن لصانعي السياسة الأمريكية أن يدركوا بأن الطلب العالمي المتزايد بالإضافة إلى تقلص الإنتاج الإيراني والفنزويلي، إلى جانب محدودية الإنتاج الفائض داخل وخارج أوبك، يعني وجود اتجاهٍ ثابت لزيادة أسعار النفط العالمية. بالإضافة إلى تلك العوامل العالمية، هناك أيضاً خياراتٌ إيرانية يمكن أن تقلق الحظر النفطي الأمريكي وأهدافها السياسية.

وعلى الرغم من محدودية خيارات إيران، يبدو أنها قادرة على تزويد البلاد بالقوة للتغلب على العاصفة. إن الخيار الأول والمتبع بشكلٍ واضح هو محاولة التحايل على حظر النفط الأمريكي من خلال تصدير النفط والمنتجات البتروكيماوية بشكلٍ رسمي وغير رسمي. وعلى الرغم من أن الإيرانيين يصرون على أنهم سيواصلون بيع نفطهم، إلا أن الأرقام تظهر العودة إلى سنوات ما قبل خطة العمل الشاملة المستركة، عندما كانت إيران تصدر ما يقرب من مليون برميل يومياً. ويأمل الإيرانيون أن يواصل مستهلكوهم التقليديون، الهند وتركيا وخاصة الصين، استيراد النفط الإيراني في تحدٍ للحظر الأمريكي. فقد كانت المحادثات الرسمية، وخاصة مع الصين، مشجعة في هذا الصدد. ومع ذلك، فقد ثبت أن الكثير من هذه الآمال بعيدة كل البعد عن الواقعية، إذ انخفضت الأرقام الرسمية إلى مستوى قياسي في إيران – أقل من 0,5 مليون برميل يومياً.

رغم أن قضية صادرات النفط الرسمية تبدو مزعجة بالنسبة لطهران، فإن رهانها الرئيسي في التحايل على العقوبات الأمريكية يركز على الأسواق غير الرسمية. ففي حين تستطيع الولايات المتحدة تتبع صادرات إيران الرسمية، تظل الصادرات غير الرسمية وغير المعلنة غامضة كما كانت قبل خطة العمل الشاملة المشتركة. علاوةً على ذلك، تسري شائعاتٌ – بالرغم من أنها لا تزال غير واضحة – بأن البلاد تصدر بشكلٍ غير رسمي رقماً يقارب المليون برميل في اليوم. وبالتوازي مع انخفاض الصادرات الرسمية من النفط، فإن رقم الصادرات غير الرسمية في ارتفاع، وفقاً لمصادر تحدثت إلى فَنَك. وعلى الرغم من أن النفط غير الرسمي يباع بأقل من الأسعار العالمية، إلا أن حقيقة أن الولايات المتحدة لا تستطيع اعتراض تلك الصادرات وإعاقتها فعلياً لا يزال يجعلها خياراً عقلانياً لطهران في ظل حظر النفط الأمريكي.

بالإضافة إلى ذلك، يشهد تهريب الوقود ارتفاعاً كبيراً نتيجة انخفاض قيمة العملة الإيرانية. يتم بيع لتر واحد من الوقود في إيران في الوقت الحالي بحوالي 0,08 دولار أمريكي، أي أقل بكثير من الأسعار في الدول المجاورة. وعلى هذا النحو، يتم تهريب 20 إلى 40 مليون لتر من الوقود خارج البلاد يومياً. تعمل الحكومة على وقف هذا الاتجاه، لأن الوقود مدعومٌ من الدولة. ومع ذلك، إذا أرادت الحكومة إضافة دعمها لأسعار الوقود المهرب، فلربما يكون هذا طريقٌ مثالي للالتفاف على العقوبات الأمريكية – وهو ما يحدث بالفعل، وفقاً للمصادر.

بشكلٍ عام، يصعب – إن أمكن على الإطلاق- تصور وضعٍ تتوقف فيه عائدات النفط الإيرانية عن دخول البلاد. وبالإضافة إلى محاولة التحايل على العقوبات الأمريكية، هددت طهران بالانتقام من العقوبات الأمريكية، فإلى جانب التهديدات المعتادة لقائد الحرس الثوري الإيراني، صرح الرئيس روحاني بوضوح أن إيران “ستجعل العدو يفهم إما أن يتمكن الجميع من استخدام مضيق هرمز أو لن يستخدمه أحد،” وهو ما ردده العديد من المسؤولين الآخرين. بل إن إسقاط طائرة التجسس الأمريكية الأكثر تطوراً، وهجمات الحوثيين على المطارات وخطوط الأنابيب السعودية في البحر الأحمر، وتزايد انعدام الأمن بعد حوادث الفجيرة وناقلات النفط في خليج عُمان وعدم اليقين المستمر فيما يتعلق بتبادل التهديدات الأمريكية والأيرانية في الخليج العربي وخارجه، يرسم صورة دقيقة للوجه القبيح للتصعيد المستمر. يمكن أن تترجم هذه الحوادث – التي من المرجح أن تستمر – إلى تأثيراتٍ صادمة على أسعار النفط. التهديدات الإيرانية واضحة: إذا ما تم خنق إيران، سيواجه الاقتصاد العالمي خطراً حقيقياً. بالطبع، هذا هو خيار إيران الأخير، إلا أنه سيكون بالتأكيد فعالاً ومزعجاً للغاية لمجتمع واشنطن الاستراتيجي.