وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مصر: مزاعم فسادٍ ضد السيسي تُشعل اضطراباتٍ جديدة

Specials- Abdel Fattah al Sisi
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ينتظر دوره لإلقاء كلمته خلال الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، 24 سبتمبر 2019. Photo: Johannes EISELE / AFP

كان تنامي صلاحيات عصبةٍ من رجال الأعمال الفاسدين المقربين من الرئيس المصري السابق حسني مبارك والإثراء الشخصي لهم، إحدى الدوافع الرئيسية للاحتجاجات التي أطاحت بنظامه في عام 2011.

وعليه، تعهد الرئيس المصري الحالي، عبد الفتاح السيسي، بمعالجة الفساد. ومع ذلك، في سبتمبر 2019، أثارت مزاعم الفساد والتشهير ضده في سلسلةٍ من مقاطع الفيديو للممثل، غير المعروف نسبياً، والمقاول محمد علي اضطراباتٍ جديدة.

ففي يونيو الماضي، نظمت مصر المنتدى الأفريقي الأول لمكافحة الفساد في شرم الشيخ، وخلال الكلمة الافتتاحية، قال السيسي: “لقد قطعت مصر شوطاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة في مجال مكافحة الفساد بمختلف صوره،” كما علق “ضماناً للحفاظ على المال العام.”

من جهتها، تعد هيئة الرقابة الإدارية، الهيئة المسؤولة عن مكافحة الفساد في مصر. وفي السنوات الأخيرة، تم الحكم على عددٍ من كبار المسؤولين بتهمٍ تتعلق بالفساد.

فقد تم القبض على رئيس مصلحة الجمارك في يوليو 2018 بتهمة الفساد والرشوة. وفي يناير من ذلك العام، قُبض على هشام عبد الباسط، محافظ المنوفية، إحدى محافظات شمال القاهرة، وحُكم عليه فيما بعد بالسجن عشر سنوات لقبوله رشوة قدرها 1,65 مليون دولار.

كما تم القبض في عام 2018 على أربعة مسؤولين من وزارة التموين بتهمة أخذ رشاوى من شركات تجارة السلع. وحُكم على سعاد الخولي، نائب محافظ الإسكندرية السابقة، بالسجن لمدة 12 عاماً في يناير 2019 بتهمة تلقي رشاوى على شكل نقود وقلادة ذهبية ومواد غذائية، حسب ما أفادت وسائل الإعلام المحلية.

كان آخر المسؤولين رفيعي المستوى الذين يتم توجيه تهم تتعلق بالفساد إليهم، أحمد سليم، الأمين العام للمجلس الأعلى للإعلام، وذلك في شهر أغسطس 2019.

بيد أن هناك حدوداً لما يمكن مناقشته علناً حول الفساد، فقد تمت إقالة كبير مراجعي الحسابات السابق هشام جنينة من منصبه بعد أن زعم في أوائل عام 2016 أن البلاد قد خسرت 36,8 مليار دولار على مدى أربع سنوات بسبب الفساد، ومعظمها نتيجة لعمليات شراء غير مشروعة لأراضي الدولة. وبعد ذلك بعامين، حُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات في قضية منفصلة.

كما أن هذه الإدانات لم تحسن بشكلٍ كبير سجل مصر في مجال الفساد، فبحسب مؤشر مدركات الفساد لعام 2018 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، احتلت مصر المرتبة 105 من بين 180 دولة. وعلى الرغم من حدوث تحسن بمقدار ثلاث نقاط عن العام السابق، إلا أن التقرير لاحظ “وجود عدد قليل جداً من التحسينات على أرض الواقع.”

وبحسب ما ذكره التقرير، “[…] يظل الفساد السياسي مشكلةً رئيسية في مصر حيث تلعب الشبكات النفعية دوراً رئيسياً في السياسة والاقتصاد. إن الفساد في أجهزة إنفاذ القانون في البلاد يقوض بشدة سيادة القانون، وتعطي بعض المحاكمات التعسفية الأخيرة الانطباع بأن القضاء أصبح مسيساً.”

يمكن ملاحظة هذا التقويض لسيادة القانون في كيفية تعامل الشرطة مع المقاهي في شوارع القاهرة. فقد افتتحت العديد من هذه المقاهي، وخاصةً في وسط القاهرة، بشكلٍ كبير دون ترخيص، ويعزى ذلك جزئياً إلى البيروقراطية المرتبطة بالحصول على الترخيص، فضلاً عن الانتهازية من جانب أصحاب الأعمال.

وعليه، تداهم الشرطة المقاهي كل شهرين وتصادر أثاثها وتغلقها لمدة يوم أو يومين. وبالتالي، ينبغي على المالكين التقدم ببلاغٍ للشرطة، ودفع مبلغ كبير يتراوح ما بين الرشوة والغرامة، وأخذ أثاثهم، وإعادة فتح المقهى ومتابعة العمل كالمعتاد. وبعد بضعة أشهر تعاد الكرة مرةً أخرى.

الأكثر إشكالية هو الفساد في المستويات العليا، فقد أفادت “المونيتور” في سبتمبر أن مصر تعمل على توسيع نطاق استخدامها لبيع وتأجير عقارات الدولة للمستثمرين دون مناقصات، وهو الإجراء المنتشر بالفعل، وذلك بموجب مرسومٍ صادر عن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، إلى الحد الذي بات واضحاً فيه التحايل على عمليات تقديم العطاءات العادية، والتي يمكن أن تسهل المحسوبية والفساد، بحسب ما ذكره الخبير في التقرير.

وغالباً ما تستفيد الشركات المملوكة للجيش من العقود دون مناقصات، والتي – على الرغم من عدم توفر بيانات ثابتة – يبدو أنها زادت من أنشطتها التجارية بشكلٍ كبير خلال السنوات القليلة الماضية.

وقال تيموثي كالداس، الزميل غير مقيم في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، لفَنَك: “تنفق الحكومة مليارات الدولارات على عقود دون مناقصاتٍ تذهب إلى الشركات المملوكة للجيش والتي تجني أرباحاً منها.”

ومن الأمثلة الأخيرة على ذلك، الاتفاقان اللذان وقّعتا عليهما في أغسطس وزارة البترول للتنقيب عن النفط والغاز في الصحراء الغربية مع شركة نفط مملوكة للجيش أُنشئت في عام 2017. لا توجد أي معلوماتٍ عن إصدار أي مناقصات لاستكشاف هذه المواقع.

وقال كالداس: “إن الكثير من الأعمال الممنوحة للمقاولين العسكريين يتم في نهاية المطاف إحالتها لمقاولين مدنيين ثانويين الذين يتولون العمل بينما يحتفظ الجيش بحصته لـ‘إدارة المشروع‘، بحسب تعبير السيسي.”

فقد وجهت العديد من الإنتقادات للسيسي بسبب الدور الإقتصادي للجيش، غير أنه يقول أنه يقوم بدورٍ إشرافي فحسب.

إحدى شركات المقاولات المدنية الثانوية مملوكة للممثل محمد علي، الذي تمكن من هز مصر والسيسي على وجه الخصوص بسلسلةٍ من أشرطة الفيديو على موقع يوتيوب. فقد ادعى علي أن شركته عملت في عدة مشاريع بناء واسعة النطاق مثل القصور الجديدة للسيسي والفنادق لكبار قادة الجيش. وقال إن الجيش مدين له بالملايين من الرسوم غير المدفوعة.

لمست أشرطة الفيديو وتراً حساساً، فقد أثارت التلميحات بأن السيسي ينفق المال العام على تشييد القصور مع فرض إجراءاتٍ تقشفية قاسية على السكان مما أدى إلى ارتفاع مستويات الفقر، غضب الكثيرين.
إنتشرت مقاطع الفيديو كالنار في الهشيم، مما أجبر السيسي على الرد في مؤتمرٍ صحفي نُظم على عجل، إذ قال: “ايوة ببني قصور وحبني قصور تاني علشان مصر.”

لم يبعث تصريحه هذا سوى القليل من الطمأنينة، إذ دعى علي إلى ثورةٍ في أشرطة الفيديو التي عرضها، وفي 20 سبتمبر، خاطر مئات الأشخاص في جميع أرجاء البلاد بالتعرض لخطر الإعتقال وخرجوا إلى الشوارع، بما في ذلك ميدان التحرير في القاهرة، مرددين شعاراتٍ مناهضة للحكومة.

كان رد الدولة سريعاً وعنيفاً، وفي الأسبوع الذي تلا الاحتجاجات، تم القبض على أكثر من ألفي شخص، وتم رفع التواجد الأمني في وسط القاهرة إلى مستوياتٍ غير مسبوقة.

نجحت التدابير التي اتخذتها الدولة، وتم التخلي عن الخطط للخروج في مظاهراتٍ جديدة في 27 سبتمبر، بصرف النظر عن بعض المظاهرات المبعثرة هنا وهناك خارج حدود وسط المدينة.

الغضب الشعبي والظروف الاقتصادية الصعبة والفساد، جميعها مرتبطة ببعضها البعض. ففي نوفمبر 2016، وقعت مصر اتفاقيةً لقرضٍ بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي، التي صاحبها عددٌ من الإصلاحات الاقتصادية القاسية، بيد أنها ضرورية. فقد تم إلغاء الدعم الحكومي، وخفضت قيمة الجنيه المصري ونفذت ضريبة القيمة المضافة.

تمثل الهدف على المدى القصير بتحسين ميزانية الدولة، الخطوة التي حققت نجاحاً إلى حدٍ كبير، بينما تمثل الهدف على المدى المتوسط بتحفيز نمو القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية.

غير أن الهدف الأخير لم يتحقق بعد، فمستوى الاستثمار الأجنبي في القطاعات غير النفطية منخفض، فضلاً عن تراجع نشاط القطاع العام معظم هذا العام.

وفي هذا الصدد، قال كالداس: “المخاوف من الفساد والمعاملة التفضيلية للأعمال التجارية للنظام والمخاوف بشأن القدرة على إنفاذ العقود واسترداد الأموال تلعب جميعها دوراً في هذا.” وأضاف “الأجانب قلقون بشكلٍ خاص من المنافسة في أي صناعة بشكلٍ مباشر مع المؤسسة الحاكمة في البلاد، القوات المسلحة.”

في هذا السياق، من الواضح أن مكافحة الفساد تتطلب أكثر من مجرد إلقاء القبض على عددٍ قليل من المسؤولين، بدءاً من مراجعة دور الجيش في الاقتصاد، والإلتزام بالشفافية فيما يتعلق بمنح العقود الرئيسية.