وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الرئيس المصري يعد بمعالجة الفساد، ولكن هل يستطيع ذلك؟

egypt-economy- Habib al-Adly attends his trial on charges of corruption
وزير الداخلية السابق حبيب العدلي يحضر محاكمته بتهة الفساد، القاهرة، مصر، 19 أبريل 2016. Photo Shutterstock

ينتشر الفساد في مصر، بالرغم من وعود الرئيس عبد الفتاح السيسي في انتخابات عام 2014 باجتثاث الكسب غير المشروع. فقد قامت منظمة الشفافية الدولية، وهي منظمة غير ربحية تراقب الفساد في جميع أنحاء العالم، بتصنيف مصر في المرتبة 108 من بين 176 بلداً على مؤشر مدركات الفساد لعام 2016، أي أدنى بمرتبتين عن العام السابق.

وجاء الترتيب في أعقاب مطالبات قدمها في وقتٍ سابق من ذلك العام هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، وهي وكالة مكافحة الفساد في مصر. وزعم جنينة أن أكثر من 600 مليار جنيه مصري (76 مليار دولار) أهدرها مسؤولون حكوميون بين عامي 2012 و2015. على الأقل هذا ما قاله للصحفيين، على أمل الضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات.

أعطت خطته نتائج عكسية، فقد رد البرلمان بمنح السيسي السلطة لطرد رؤساء أجهزة الرقابة. أقيل جنينة من منصبه في مارس 2016، وحققت لجنة حكومية في ادعائه. وتبع ذلك أمر بمنع النشر، ومنع أي تحقيقٍ في الممارسات الفاسدة. وفي 28 يوليو، حكم عليه بالسجن لمدة سنة بتهمة “نشر أخبار كاذبة” على الرغم من أطلاق سراحه بكفالة في وقتٍ لاحق. انتقدت هيومن رايتس ووتش رد الحكومة، محذرةً من أن غياب حرية التعبير يتعارض مع مكافحة الفساد.

حملة فرض النظام

تغاضى السيسي عن العلاقة بين الأمرين، بالرغم من أنه يبدو مقتنعاً حول كيفية مكافحة الفساد. ففي عام 2015، طلب من وزير البترول والثروة المعدنية، شريف اسماعيل، تشكيل حكومةٍ جديدة وتطهير البرلمان من المسؤولين الفاسدين. وفي نفس الوقت تقريباً، استقال صلاح هلال، وزير الزراعة آنذاك، بعد اتهامه بتلقي رشاوى. وقد اتخذت الحكومة أخيراً تدابير لإخضاع بعض الوزراء للمساءلة. كما ساعد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الحكومة في كشف الفساد واستعادة الأصول.

ثم أطلقت الدولة سلسلة من الإعلانات التلفزيونية، محذرة من مخاطر الفساد في القطاعين العام والخاص. الواسطة، وهو المصطلح العربي الذي يترجم تقريباً كما المحسوبية، كان موضوعاً متكرراً. لكن مناصري مكافحة الفساد مثل البنك الدولي ومنظمة هيومن رايتس ووتش كانوا يقظين تجاه دوافع الحكومة، خاصة وأن أياً من إجراءاتها عالجت جذور المشكلة. ولا تزال المؤسسات الرئيسية بحاجة إلى إصلاح، ولا تزال قوانين مكافحة الفساد تطبق بصورة تعسفية.

وقال الدكتور أحمد صقر عاشور، خبير مكافحة الفساد في الأمم المتحدة، لموقع المونيتور الإخباري أنه يجب أن يُطلب من جميع أجهزة الدولة الكشف عن ميزانياتها. وأضاف أن الحكومة يجب أن تنشيء هيئة مستقلة لتحديد والتحقيق مع المشتبه بهم. ومع ذلك، لم يتم اتخاذ مثل هذه التدابير، مما ترك الفساد أكثر رسوخاً في الاقتصاد المصري. وعلاوة على ذلك، لا يتم حماية المبلغين عن المخالفات بموجب القانون، الأمر الذي ردع العديد من الناس من التحدث. وغالباً ما يتعرض أولئك الذين يفعلون للمضايقة والانتقام والاعتقال، تماماً كما حصل مع جنينة.

وتعتبر بيروقراطية مصر الشبيهة ببيروقراطية كافكا عقبة أخرى أمام الشفافية. فالدوائر الحكومية المكتظة والمتخمة بالعاملين، تطلب الرشاوى بشكل روتيني لتسهيل الطلبات الأساسية. ويشكل حجم الخدمة العامة – الذي يتألف من نحو 7,2 مليون موظف – تحدياً كبيراً للسلطات التي تحاول إجراء تحقيقات سليمة، ونادراً ما تفعل.

كما ينخر الفساد أيضاً مجالس البلديات. وقدر منتدى التنمية وحقوق الإنسان أن 494 مليون جنيه مصري (55,7 مليون دولار) لم تدرج بميزانيات المسؤولين المحليين. ردت الحكومة بإصدار قانون جديد يسمح لممثلي البلديات بطلب التحقيق إذا ما كان هناك شبهات فساد، غير أن الافتقار إلى الإرادة السياسية لتطبيق القانون لا يزال مشكلة. وفي ديسمبر الماضي، أكد السيسي “جديته” بشأن القضاء على المشكلة، وحث المواطنين على عدم تشويه المؤسسات بأكملها بسبب مخالفات قلة من الناس.

من سيخسر؟

غير أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن الفساد مستوطن في جميع مؤسسات الدولة المصرية تقريباً. وقد وجد مشروع العدالة العالمي، وهو منظمة مستقلة ملتزمة بتعزيز سيادة القانون، أن نصف المصريين الذين شملهم الاستطلاع اعترفوا بدفع رشوة للحصول على الخدمة. ويقول الباحثون أن الفساد يؤثر بشكل غير متكافيء على الطبقات الأكثر فقراً في المجتمع. وفي العام الماضي، سجل الجهاز المركزى للتعبئة العامة والأحصاء في مصر أن ما يقرب من 28% من السكان يعيشون تحت خط الفقر.

وقالت ريم عبد الحليم، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، لديلي نيوز إيجيبت، أن صعيد مصر لا يزال واحداً من أفقر المناطق في البلاد بسبب الافتقار إلى التنمية المستدامة والفساد. وفي القاهرة والإسكندرية، أكبر مدن مصر، لا يستطيع كثير من الناس دفع رشوة للسلطات للحصول على الخدمات الأساسية أو الحماية القانونية. المصريون على وجه الخصوص غير واثقين من إنفاذ القانون، ولسبب وجيه. كما استمرت وحشية الشرطة دون هوادة في عهد السيسي، حيث تُطلب الرشاوى للتحقيق في حادثٍ ما وكثيراً ما يتم ابتزاز المال من الجناة.

حراس السجن ليسوا أفضل حالاً، فوفقاً للمنظمة العربية لحقوق الإنسان التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، تم منع 337 سجيناً من الحصول على الأدوية في يونيو 2013. والكثيرون حرموا من الحصول على الطعام حتى دفعوا رشوة بسيطة.

ووفقاً لبعض المحللين فإن الفساد، أكثر من أي عامل آخر، المسؤول عن عدم المساواة المطلقة في مصر. وكشف معهد حوكمة الموارد الطبيعية عن شفافية ضئيلة في قطاع الموارد الطبيعية في مصر، إذ تحوم شكوك حول شبهات فسادٍ بمستوياتٍ مذهلة في دعم الوقود بسبب الافتقار إلى الرقابة وكمية الأموال المستثمرة في هذا القطاع – تدفع الحكومة ما يقرب من 95 مليار جنيه (5,2 مليار دولار) لدعم الوقود كل عام.

ومن المؤكد أن الإعانات الغذائية قد تبددت، ففي العام الماضي، كشف تحقيق أجرته وكالة رويترز عن تكلّف مصر مئات الملايين من الدولارات من مشتريات القمح المزورة. وقد أثار نقص المواد الغذائية الأساسية سخط الشباب المصري، وقام بعضهم بتنظيم مظاهرات رغم خطر التعرض للسجن.

وفي عام 2015، طلبت مصر مساعدة المملكة العربية السعودية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد. وقالت منظمة العمل الدولية أنها تلقت مليارات الدولارات من المملكة الغنية بالنفط، إلا أن أكثر من 40% من الشباب المصري ظلوا عاطلين عن العمل. وقد اختفت الكثير من الأموال المقترضة من السعوديين، بما في ذلك 20,5 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزي.

وقد تفاقم الوضع منذ أن عومت الحكومة الجنيه المصري في 3 نوفمبر 2016، الذي يعتبر أحد المتطلبات الرئيسية لتأمين قرض ضخم من صندوق النقد الدولي، مما أفقده أكثر من نصف قيمته. ومع ذلك، فإن المخاطر السياسية مرتفعة، حيث أن السيسي ملزم الآن باتخاذ تدابير تقشفية قاسية رغم الاستقرار المباشر الواعد.

تطهير القطاع الخاص

القطاع الخاص أفضل حالاً بقليل. فقد أصدر البنك الدولي تقريراً في عام 2014 جاء فيه أن مصر تحتاج إلى إيجاد وظائف أكثر أمناً إذا ما كان البلد سيتعافى من سنوات من الاضطرابات الاقتصادية. وعليه، يعتبر النمو المستقر في القطاع الخاص السبيل الوحيد لتحقيق ذلك، إلى جانب تشجيع المنافسة وتمكين أصحاب المشاريع. وفي حالة مصر، سيوفر القطاع الخاص المزدهر بديلاً صالحاً للخدمة المدنية.

ومن المفترض أن يساعد قرض صندوق النقد الدولي مصر من خلال تسهيل مناخ اقتصادي يجذب المستثمرين والشركات الكبرى. ولكن ذلك وحده لن يحل المشكلة ما لم يصبح القطاع الخاص أكثر شفافية. وقالت الشركات أن البيروقراطية غير الفعالة تشكل عقبة رئيسية أمام العمل في مصر، مما يتطلب منها تقديم هدايا للمسؤولين من أجل إنجاز أي عمل. في الواقع، أن ما يقرب من ثلث الشركات تقبل بدفع رشوة مقابل الحصول على الممتلكات وتسجيلها. هذا أحد الأسباب التي جعلت القطاع الخاص في مصر يُصنف الأكثر فساداً في العالم من قبل واحدة من شركات التدقيق الدولية الأربع الكبرى، إرنست ويونغ.

ومما يُحسب للسيسي، أنه دفع بملوك المال، الذين كانوا جزءاً لا يتجزأ من نظام مبارك، خارج المجال السياسي. بيد أنه، كما يزعم، استبدل نخبة المحسوبية القديمة بواحدة جديدة. فقد أصبح الجيش، على سبيل المثال، لاعباً أكثر عدوانية في السوق. ودخل جهاز مشروعات الخدمة الوطنية في البلاد، الذي يسيطر عليه الجيش، قطاعات مالية جديدة تشمل الإسكان، وتصنيع اللقاحات، والتعليم. وسيسعى السيسي، كما هو متوقع، إلى حماية أقوى مؤسسات البلاد وأكثرها قمعاً من الانتقادات والتحقيقات.

ويخشى عمرو عدلي، وهو باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط ومقره لبنان، ألا يتم تهميش جميع من استفاد في عهد مبارك. عوضاً عن ذلك، فإن حجم وقوة بعض أصدقائه المقربين، مثل شركة السويدي للكابلات وجهينة للمواد الغذائية، تجعل منهم لا غنى عنهم للاقتصاد المصري. ولا يزال بإمكانهم أن يزدهروا، وإن لم يكن بقدر ما كانوا يفعلون قبل ثورة 2011. بل قد يكون من مصلحتهم الضغط من أجل قطاع خاص أقل تنظيماً وأكثر شفافية من أجل منع نخبة فاسدة جديدة من احتكار السوق. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، لا بد أنهم يشعرون بالسعادة لاعتماد مصر لوائح صندوق النقد الدولي.

ومع ذلك، يستعد معظم المصريين للأسوأ. فهم يخشون من أن يؤدي الفساد المستمر، إلى جانب سياسات الليبرالية الجديدة العدوانية، إلى تفاقم صراعهم من أجل تغطية نفقاتهم. شعورهم بالقلق مبرر، فقد ارتفع سعر الواردات ارتفاعاً كبيراً، مما جعل العديد من المواد الغذائية الأساسية مُكلفة. ولا يُظهرقطاع السياحة، الذي كان يمثل 20% من واردات العملات الأجنبية قبل عام 2011، أي علاماتٍ على الانتعاش. كما سيطرت الاحتجاجات العمالية، التي غالباً ما توجه نحو نفس الشركات التي تستغل سوقاً خالية من القيود، على البلاد منذ الإطاحة بمبارك.

يواجه السيسي قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة. إن الضغط لتحسين حياة الملايين من الشباب العاطلين عن العمل، الذي شارك الكثير منهم في ثورة 2011، أكبر حوافزه للحد من الفساد. وينبغي أن يترجم ذلك إلى المزيد من الازدهار للطبقة العاملة من المصريين، وفي القريب العاجل. ولكن قد يكون الوقت قد تأخر بالفعل. ويحذر عادل عبد الغفار، وهو زميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة، من أنه إذا لم ينفذ السيسي وعوده، فإن مصر قد تتعرض مرةً أخرى للاضطرابات.