وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

فضيحة الدخان المقلّد: الدليل الدامغ على الفساد في الأردن

Jordan- Corruption Jordan
محتجون أردنيون يحملون أرغفة خبزٍ كتب عليها “الفساد يساوي الجوع” خلال اعتصامٍ لمناهضة التقشف في 6 يونيو 2018، أمام مجمع النقابات المهنية في العاصمة عمّان. Photo AFP

تم الكشف عن القضية المعروفة باسم “فضيحة الدخان،” والتي تتعلق بإنتاج وتهريب سجائر مقلدة لأنواع مشهورة مثل سجائر ونستون، والتي تُقدر قيمتها بملايين الدولارات، في يوليو 2018 في الأردن، فضلاً عن إشاعاتٍ حول علاقاتٍ لسياسيين بالقضية. فقد أعادت القضية مسألة الفساد إلى جدول الأعمال العام وأزعجت الشارع الأردني.

تنظوي “فضيحة الدخان” على تهريب معداتٍ لإنتاج وبيع السجائر في البلاد، فضلاً عن الكشف عن العديد من المصانع التي أنشئت في مزارع مختلفة في جميع أنحاء العاصمة عمّان. وجهت الحكومة الأردنية أصابع الاتهام إلى مشتبهٍ به واحد، رجل الأعمال عوني مطيع، الذي غادر الأردن قبل يومٍ واحدٍ فحسب من اقتحام قوات الأمن لأحد هذه المصانع. وبحسب وزير الدولة لشؤون الإعلام، جمانة غنيمات، فقد تم إصدار منع سفرٍ ضد المتورطين في القضية، إذ قالت غنيمات “لن تتردد الحكومة في اعتقال المتورطين أينما كانوا.”

وعليه، سارعت الإدارة العامة للحكومة الأردنية بالرد على الفساد الكامن المزعوم في هذه القضية. وبحسب أراب نيوز، أثار النائبان في البرلمان نبيل غيشان ومصلح الطراونة، القضية، حيث طلبا من الحكومة الكشف عن القضية وأسماء المتورطين فيها، زاعمين أن أشخاص ذوي نفوذ كانوا وراء هذا العمل التجاري غير القانوني الذي كلّف الخزانة أكثر من 211 مليون دولار. وقال غيشان في مقابلةٍ عبر الهاتف مع عرب نيوز إن القضية “قنبلة انفجرت في وجه الحكومة.” وفي غضون ذلك، أعلنت غنيمات أنه تم إصدار مذكرات اعتقال بحق 30 مشتبهاً به زُعم تورطهم في القضية، 16 منهم تم القبض عليهم بالفعل، بما في ذلك ابنيّ مطيع. ومع ذلك، في الوقت الحالي، لم يتم ذكر اسم أحد السياسيين أو صلته المباشرة بالقضية صراحةً أو الإعلان عنه بشكلٍ واضح.

ومباشرةً بعد اقتحام المصنع، أعلن رئيس الوزراء المُعين حديثاً، عمر الرزاز، إحالة القضية إلى محكمة أمن الدولة، التي تتعامل عادة مع قضايا جنائية وإرهابية خطيرة. وفي سبتمبر 2018، وعد الرزاز أيضاً بالشفافية، مؤكداً أن لكل مواطن الحق في المطالبة بمكافحة الفساد، وأنه يجب على الحكومة مواجهة الكسب غير المشروع بمسؤوليةٍ كاملة. وفي الشهر نفسه، حث الأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق للملك عبد الله الثاني، الحكومة على اتخاذ إجراءٍ جدي لمكافحة الفساد في المملكة، الذي قال إنه قد يدفع الأردن في نهاية المطاف إلى “الهاوية،” إذ قال في تغريدته “ربما البداية يجب أن تكون بتصحيح نهج الإدارة الفاشلة للقطاع العام، وإجراء جدي لمكافحة الفساد المتفشي، ومحاسبة جادة للفاسدين.” تصب هذه التعليقات في نفس اتجاه ما عبر عنه الملك عبد الله الذي أخبر مجلس الوزراء في 5 أغسطس 2018 أن “مكافحة الفساد أولوية قصوى بالنسبة للحكومة ولي ولجميع المؤسسات… رسالة لجميع الذين يريدون أن يعبثوا، هذا خط أحمر، ونريد كسر ظهر الفساد في البلد”. وتابع جلالته “بكفي خلص بدنا نمشي للأمام… لا أحد فوق القانون بغض النظر من هو أو هي.”

كان على الحكومة والأسرة الحاكمة أن تتفاعل مع القضية لأن “قضية الدخان” قد هزت الشارع الأردني المنزعج بالفعل من تردي نوعية الحياة. فقد قال عمر إبراهيم، بائع فاكهةٍ يبلغ من العمر 26 عاماً في سوق مزدحمٍ بوسط عمان لصحيفة ذا ناشيونال: “في الأردن، الفقراء والطبقة العاملة الوحيدون الذين يتبعون القانون ويدفعون الغرامات ويدفعون الضرائب والجمارك. لكن الرؤوس الكبيرة، والعقول المدبرة، يلعبون بموجب مجموعة مختلفة من القوانين، إذ لا يتم ذكر أسمائهم قط ولا يخضعون للمساءلة أبداً.”

ووفقاً لمنظمة الشفافية الدولية، احتل الأردن المرتبة 59 من أصل 180 على مؤشر مدركات الفساد في عام 2017 حيث حصل على 48 نقطة من أصل 100، وذلك حسب مقياس يتراوح بين 0 و100 نقطة، حيث تمثل النقطة الصفر البلدان الأكثر فساداً في حين تمثل النقطة 100 البلدان الأكثر نزاهة. فقد ذكرت بوابة مكافحة الفساد في قطاع الأعمال أن “الفساد يعدّ عقبةً أمام الشركات التي تعمل أو تخطط للاستثمار في الأردن.” كما تعتبر الواسطة (المحسوبية) شائعةً في جميع أرجاء البلاد وتعتبر جزءاً لا يتجزأ من إنجاز الأعمال التجارية، مما يجعل إجراء المعاملات بعيداً كل البعد عن الشفافية ويعوّق القدرة التنافسية. وتتضمن العقبات الأخرى التي تواجه الأعمال التجارية ارتفاع مستويات البيروقراطية والروتين والقوانين المبهمة. ومن جهته، يُجرم قانون العقوبات الأردني الفساد، بما في ذلك إساءة استخدام السلطة والرشوة وغسل الأموال والابتزاز، إلا أن الحكومة لم تنفذ القانون بشكلٍ فعال. فالمسؤولون الحكوميون الفاسدون لا يُعاقبون بشكلٍ منهجي ونادراً ما تتم مقاضاة موظفي القطاع العام من ذوي الرتب العالية. ولربما تتم مواجهة مطالب بالتسهيلات والرشوة، إلا أنها أقل تكراراً من دول الشرق الأوسط الأخرى.

كما عانى الأردن من انخفاض الحوالات المالية بسبب انخفاض أسعار النفط وتوقف النمو في القطاع الخاص، ويرجع ذلك جزئياً إلى اندلاع الحروب في سوريا والعراق التي أضرت بمستويات معيشة العديد من الأردنيين. وعليه، وعد رئيس الوزراء عمر الرزاز بالتخفيف من حدة التقشف على السكان وتعهدت دول الخليج أيضاً بتقديم مساعدات بقيمة 2,5 مليار دولار.

فقد دفع الوضع المتوتر بالمحتجين، بقيادة أعضاء لجنة المتابعة الوطنية، وهو ائتلاف مؤيد للإصلاح يضم قدامى المحاربين واليساريين والإسلاميين، إلى التجمع في شوارع عمان في 20 أكتوبر 2018. طالب المحتجون بمكافحة الفساد والسياسات الاقتصادية التي يزعمون أنها أدت إلى إذلال اقتصاد البلاد. كما يطلبون بإجراء إصلاحٍ دستوري وإقامة ديمقراطية نيابية في البلاد. وقال أحد المتظاهرين لقناة الجزيرة “نحن لسنا ضد الملك شخصيا أو العائلة المالكة الهاشمية، ولكننا نريد إصلاحاً ديمقراطياً حقيقياً وعودة التمثيل البرلماني وفقاً للدستور.”

ويبدو أن الحكومة قد استمعت إلى الشكاوى وأبدت استعداداً للامتثال للمطالب، فعلى سبيل المثال، أكدت غنيمات في 4 نوفمبر 2018 أن الحكومة تتابع جميع الملاحظات والمخالفات في الإدارة العامة المدرجة في تقرير ديوان المحاسبة لعام 2017، والتي أظهرت “مخالفات وانتهاكاتٍ مالية متعددة،” بما في ذلك 69 حالة من الفساد المالي والاحتيال والتي تصل قيمتها إلى ما يقرب من 3,2 مليون دولار.

تعتبر متابعة مثل هذه القضايا خطوة أولى إيجابية، إلا أن القدرة على محاسبة الموظفين الحكومين الفاسدين ستكون خطوةً غاية في الأهمية لإعادة ثقة المواطن الأردني بالقيادة مجدداً.