وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل بات اليمن يغرق في مستنقعٍ أعمق؟

Yemen- Southern Transitional Council
مقاتلون من قوات الحزام الأمني المدربة من قِبل الإمارات العربية المتحدة والموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي المؤيد للاستقلال، يجتمعون بالقرب من مدينة زنجبار الساحلية الجنوبية الوسطى في جنوب وسط اليمن، في محافظة أبين، في 21 أغسطس 2019. Photo: Nabil HASAN / AFP

في 10 أغسطس 2019، ادعى الانفصاليون الجنوبيون اليمنيون استيلائهم على عدن، وهي مدينة ساحلية استراتيجية في جنوب الجمهورية التي كانت مقراً للحكومة المعترف بها دولياً منذ أن استولى المقاتلون الحوثيون على صنعاء في عام 2014.

فقد قام المجلس الانتقالي الجنوبي، بالرغم من عدم دخوله إلى مجمع القصر الرئاسي، بتأمين المداخل والمخارج إلى القصر الرئاسي والبنية التحتية الرئيسية الأخرى بعد أيامٍ من القتال مع القوات الموالية لحكومة عبد ربه منصور هادي. خلفت الاشتباكات 40 قتيلاً و260 جريحاً، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

وفي شريط فيديو تم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، وصف وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري خطوة المجلس الإنتقالي الجنوبي بأنها “انقلابٌ ناجح،” مدعياً أنها “دمرت ما تبقى من سيادة هذا البلد.”

وفي حين قالت القوات السعودية، التي تدعم حكومة هادي، إنها انتقمت وضربت بنجاح مواقع المجلس الإنتقالي الجنوبي، بينما وافق الانفصاليون في نهاية المطاف على دعواتٍ لوقف إطلاق النار وإجراء محادثاتٍ مع هادي. وفي الوقت نفسه، قال المتحدث باسم التحالف العربي بقيادة السعودية، العقيد تركي المالكي، إن الهجمات العسكرية ستستمر ما لم تنسحب القوات الانفصالية. في هذه الأثناء، من المقرر عقد قمة طارئة في الرياض، رغم أنه لم يتم تحديد أي موعد وتعتمد القمة على انسحاب المجلس الإنتقالي الجنوبي.

يعد تفجر الأوضاع في عدن بمثابة ضربةٍ أخرى في الحرب المستمرة منذ أربع سنوات بين المتمردين الحوثيين ونظام الرئيس هادي المنفي. فقد أدى النزاع إلى دفع البلاد إلى حافة المجاعة، مما أسفر عن إصابة عشرات الآلاف، فضلاً عن كون 80% من السكان في حاجةٍ ماسة إلى المساعدة الإنسانية.

من جهتهم، حافظ الحوثيون، الذين تلقوا الدعم من إيران، على قبضتهم على المحافظات الوسطى والشمالية الرئيسية وصعدوا من الهجمات على المدن السعودية رداً على حملة القصف الجوي المتواصلة للتحالف. وفي هذا الصدد، يقول محلل شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز سترافور، ريان بوهل، “واجه هادي وحكومته مشاكل كبيرة فيما يخص الشرعية.” وأضاف “والآن باتوا يعانون من مشاكل أكبر مع الشرعية. والسؤال المفتوح هو ما إذا كان هادي سيتمكن من الصمود كرئيسٍ للبلاد.”

كان كلٌ من المجلس الإنتقالي الجنوبي وحكومة هادي جزءاً من التحالف الذي يقاتل المتمردين الحوثيين في الشمال، إلا أن الشقاق بينهما يعود إلى مظالم طويلة الأمد في الجنوب. فقد أودت الاشتباكات بين المجموعتين في عدن العام الماضي بحياة 36 شخصاً على الأقل بعد ثلاثة أيام من المعارك. وقال زعماء انفصاليون إن الهجوم جاء بعد هجومٍ صاروخي على القوات الجنوبية من قبل الحوثيين؛ إذ يعتقد المجلس الإنتقالي الجنوبي أن حزب الإصلاح، وهو حزبٌ إسلامي متحالف مع حكومة هادي، كان متواطئاً في الهجوم.

ومن الجدير بالذكر أن الحركة الانفصالية الجنوبية هي تحالفٌ من عدة مجموعاتٍ تسعى للانفصال عن شمال اليمن. وبحسب ما أوضحته سماء الهمداني، وهي محللة تركز على السياسة اليمنية وزميلة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط، “إن الحركة تنبع من المظالم المشروعة للاستبعاد من السلطة والموارد،” وتابع القول “ومع ذلك، هناك فصائل انفصالية اليوم تدعم الرئيس هادي والمجلس الإنتقال الجنوبي وهي أصغر فرعٍ مهيمن من نوعه على ‘الشارع‘ العدني. كما أنهم أيضاً مسلحون بشكلٍ جيد نتيجة حرب التحالف العربي ضد الحوثيين.”

ففي السابق، كان جنوب اليمن دولةً مستقلة بين عامي 1967 و1990. وعلى الرغم من اتحادها منذ ذلك الحين مع الشمال، حصلت اضطراباتٌ بين سكانها، التي أسفرت عن حربٍ قصيرة في عام 1994. وعليه، يتهم المجلس الإنتقالي الجنوبي، الذي أنشأ في عام 2017، حكومة هادي بسوء الإدارة. ووفقاً للموقع الإلكتروني للمجلس الإنتقال الجنوبي، فقد أعرب الانفصاليون منذ عام 1994 عن أسفهم للتقاعد القسري للعسكريين والشرطة وموظفي الخدمة المدنية منهم، إلى جانب استيلاء اليمنيين الشماليين على مناصب الدولة. وفي ظل إعادة التوحيد، تم إجبار المصانع في الجنوب على التوقف عن العمل، وتمت مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي، في حين لم يتحقق الاستثمار المجدي في هذا الجزء من البلاد؛ بل إن ما فعله الإستثمار هو خدمة مصالح النخب الشمالية فحسب. كما لا تزال نسب البطالة مرتفعة وتذهب أرباح النفط أيضاً إلى الشمال، على الرغم من أن 80% من نفط البلاد يقع في الجنوب.

تدعم الإمارات الحركة الانفصالية الجنوبية كحليفٍ أو وكيلٍ محلي بينما قامت بسحب مواردها ببطء من النزاع خلال الأسابيع الماضية. ويوضح بوهل أن المجلس الإنتقالي الجنوبي كان واحداً من أقوى الجماعات الجنوبية ويتماشى مع العديد من الأهداف الإماراتية، بما في ذلك المشاركة في العمليات المناهضة لقطر داخل اليمن.

فقد كانت دوافع المجلس الإنتقالي الجنوبي كجزءٍ من التحالف الموالي لهادي مقصورةً على طرد تنظيم القاعدة وما يسمى بالدولة الإسلامية، وكذلك الحوثيين، من الجنوب. وفي هذا الشأن، يقول بوهل: “لكنهم لم يكونوا مستعدين أبداً لوضع الجزء الأكبر من قواتهم على الخطوط الأمامية ضد الحوثيين،” وتابع القول “كما بدأوا في السعي وراء هدفهم الخاص، وهو في النهاية استعادة شيء ما مثل جنوب اليمن.” ويضيف بوهل، وما إذا كان هذا الهدف سيتحقق من خلال الانفصال الكامل أو الحكم الذاتي، لا يزال مفتوحاً إلى حدٍ ما. وفي النهاية، يعتقد بوهل أن المجلس الإنتقالي الجنوبي يريد ببساطة الحصول على مقعد على طاولة المفاوضات.

وتقول الهمداني “أوضح المجلس الإنتقالي الجنوبي أنه لا يدعم الإنقلاب بحد ذاته… إلا أنهم يتطلعون إلى تولي مناصب رسمية والسيطرة على المدن التي يعملون بها، أي عدن.”

فقد حذرت مجموعة الأزمات الدولية من أن المناوشات الأخيرة قد تخلق “حرباً أهلية داخل حرب أهلية،” محذرةً من أنه إذا لم يتم تخفيف التوترات في عدن، فهناك خطر من أنها ستنتشر داخل الجنوب، مما سيجذب قواتٍ جنوبية أخرى كانت تقاتل الحوثيين على طول ساحل البحر الأحمر، وكذلك قوات التحالف الموالية للإصلاح من المحافظات الشمالية.

ومع ذلك، قد يشهد الضغط الخارجي إبرام صفقةٍ بين الجانبين. وتقول الهمداني: “لا أعتقد أن [المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة] ستختلفان حول ضرورة وجود اتفاق لتقاسم السلطة بين المجلس الإنتقالي الجنوبي وحكومة هادي،” وتابعت القول “ومع ذلك، أعتقد أن التوترات مستمرة في التصاعد بين حكومة هادي والإمارات العربية المتحدة،” مضيفةً أن الإمارات العربية المتحدة تشك في أن الحكومة اليمنية قادرة على الحكم وتواصل إنشاء تحالفاتٍ منفصلة على أرض الواقع تتعارض مع “الدعم الثابت” للمملكة العربية السعودية “للحكومة الشرعية.” وأضحت الهمداني أنه ينبغي على المملكة العربية السعودية أن تقرر ما إذا كانت ستواصل دعمها المتسامح لحكومة هادي أم أنها ستستخدم هذا الضغط من الإمارات العربية المتحدة كفرصةٍ للحث على إجراء إصلاحاتٍ داخل حكومة هادي.

ويقول بوهل، فيما يتعلق بالحوثيين، فإن ما يسمى بانقلاب عدن يعمل “لصالحهم إلى حدٍ ما، لأنه من الجيد دوماً أن يقاتل أعداؤك المشتركون بعضهم بعضاً.” لكن بصرف النظر عن رفع الضغط العسكري عن الحوثيين، وربما جعلهم يبدون وكأنهم قوة أكثر مصداقية في نظر المواطن اليمني العادي، يقول بوهل إن الاقتتال بين المجلس الإنتقال الجنوبي وحكومة هادي لا يوفر للحوثيين الكثير من الفرص لتحقيق مكاسب وأنه من غير المرجح أن يتراجعوا بشكلٍ كبير في الجنوب.

وفي الوقت نفسه، بما أن المحادثات لم تتأكد بعد ولا يزال موقف كل طرفٍ ثابتاً، يتم سحب موظفي المساعدات الإنسانية من عدن وسط مخاوف من إمكانية إندلاع جبهةٍ جديدة للنزاع. وبحسب ما قاله أحد سكان عدن لرويترز، “الأوضاع هادئة الآن، لكن الناس ما زالوا قلقين. لا نعرف إلى أين تتجه الأمور.” في خضم التطورات الأخيرة في ميدان المعركة التي قد تؤثر على الصراع، يميل كل من اليمنيين والمراقبين إلى عدم اليقين فيما يتعلق بالاتجاه الذي ستسلكه البلاد في المستقبل.