وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مصر: تقلص مساحة المعارضة إلى صفر

Egypt- Muslim Brotherhood
أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر يُشاهدون من خلف قفصٍ زجاجي أثناء محاكمتهم في القاهرة في 28 يوليو 2018. Photo AFP

اعتقل العشرات من منتقدي النظام ونشطاء حقوق الإنسان في مصر في الأشهر الأخيرة، حيث تسعى الدولة لإسكات الأصوات التي يمكن أن تعارض التعديلات الدستورية لإبقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي في منصبه لفترةٍ تتجاوز الولايتين.

ومع ذلك، كان هناك أخبارٌ سارة لأحد المعتقلين، ففي الأول من ديسمبر، سمع المدون وائل عباس أن محكمة الجيزة الجنائية أمرت بإطلاق سراحه المشروط. فهو محتجزٌ منذ 23 مايو بتهمة نشر أخبارٍ كاذبة والانضمام إلى منظمةٍ إرهابية. وبعد يومين، رفضت المحكمة طعناً من نيابة أمن الدولة، متمسكةً بالإفراج.

فقد قالت المحامية الحقوقية راجية عمران لنا في فَنَك في 7 ديسمبر، “أعتقد أنه سيفرج عن عباس اليوم أو غداً. يتواجد الآن في مركز الشرطة لإنهاء إجراءات الإفراج عنه.”

وبعد يومين، لم تصل أي أخبارٍ تُفيد بإطلاق سراحه، وبحسب عمران، “عادةً ما يستغرق الأمر عدة أيام. فقد استغرقت إجراءات الإفراج عن هيثم محمدين [ناشط آخر أطلق سراحه]، حوالي الأسبوعين.”

يُتهم عددٌ من المحامين والصحفيين البارزين في القضية نفسها (القضية رقم 441/2018). كما تم إطلاق سراح طالب الدكتوراه وليد الشوبكي والمصور الصحفي مؤمن حسن. ولا يزال العديد من الأشخاص الآخرين، ومنهم الصحفيان مصطفى الأعصر وحسن البنا والمحامي عزت غنيم، في السجن.

فقد تم اعتقال غنيم، رئيس التنسيقية المصرية للحقوق والحريات والمعني بالعديد من حالات الاختفاء القسري، في مارس الماضي. أمرت المحكمة بإطلاق سراحه في انتظار انتهاء التحقيقات في 4 سبتمبر، إلا أنه اختفى بعد إطلاق سراحه في 14 سبتمبر. وفي 21 أكتوبر فحسب، صدر أمر باعتقاله، ويبدو أنه كان محتجزاً في سجن طرة بالقاهرة.

يبدو أن إطلاق سراح أحدهم في انتظار التحقيق أمرٌ تعسفي إلى حد ما. وكما تقول عمران “الأمر منوطٌ بالقاضي، إنها مسألة حظ.” ومن الجدير بالذكر أنه يتم تجديد الحبس الاحتياطي كل 15 إلى 45 يوماً، كما يمنح بعض القضاة الإفراج المشروط في حين لا يفعل آخرون ذلك.

شهد العام الماضي العديد من الاعتقالات لمصريين انتقدوا الدولة بطريقةٍ أو بأخرى. فقد قام عباس بتوثيق عنف الشرطة والفساد في مدوّنته التي تحظى بشعبية منذ ثورة 25 يناير 2011، في حين يبحث الشوبكي في النظام القضائي المصري، كما كانا جزءاً من سلسلة اعتقالات حصلت في مايو الماضي والتي شملت أيضاً الكوميدي شادي أبو زيد.

أصبح أبو زيد على قائمة المطلوبين للجهاز الأمني بعد “مزحة الواقي الذكري” في عام 2016 وظل متوارياً عن الأنظار منذ ذلك الحين، واليوم، هو متهمٌ في قضية أمن دولة أخرى (القضية رقم 621/2018)، والتي تتضمن المدون محمد إبراهيم، والناشط شادي الغزالي حرب، وعضو حركة شباب 6 أبريل شريف الروبي وأمل فتحي، بتهمة نشر أخبارٍ كاذبة والانضمام إلى منظمة إرهابية.

وترى المحامية الحقوقية عزة سليمان، التي تزور أبو زيد بانتظام في السجن، في الاعتقالات وسيلةً لتأديب الناس، إذ قالت لوكالة إنتر بريس سيرفس العالمية للأنباء “يريدون تأديب أي شخصٍ شارك في الثورة.”

فقد اعتقلت أمل فتحي في مايو بعد أن نشرت شريط فيديو هاجمت فيه الشرطة بسبب فشلها في حماية النساء من التحرش الجنسي. ويعتقد زوجها محمد لطفي، الذي يترأس المنظمة غير الحكومية، المفوضية المصرية للحقوق والحريات، أن اعتقال أمل مرتبط جزئياً بعمله في مجال حقوق الإنسان، كما أخبرنا في فَنَك في وقتٍ سابق. وبعد خمسة أشهر، وفي قضيةٍ منفصلة، حكمت عليه محكمة جنح بالسجن لمدة سنتين بتهمة نشر أخبار كاذبة وحيازة مواد غير لائقة.

كما حصلت موجة أخرى من الاعتقالات للمنتقدين الصريحيين في أغسطس الماضي، وبالتحديد في اليوم الثالث من عيد الأضحى. وكان من بين المعتقلين السياسي والدبلوماسي السابق معصوم مرزوق، الذي دعا إلى إجراء استفتاءٍ على حكم السيسي.

كما تم اعتقال السياسي الاشتراكي رائد سلامة، والناشط السياسي سامح سعودي، والأكاديمي يحيى القزاز، وجميعهم يواجهون تهماً بالانضمام إلى جماعة إرهابية وتلقي أموال لأغراض إرهابية.

جرت الجولة التالية من الاعتقالات في الأول من نوفمبر، عندما قُبض على 19 محامياً وناشط بعد مداهمة منازلهم، وفقاً لمنظمة العفو الدولية. وقد حددت منظمة هيومن رايتس ووتش العدد الإجمالي لعمليات الاعتقال السياسي من أواخر أكتوبر حتى منتصف نوفمبر بـ40 معتقلاً، إذ ذكرت المنظمة إن العديد ممن تم اعتقالهم هم أشخاص يدعمون عائلات المعتقلين. ومن بين هؤلاء 11 عضواً في التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، مما أدى إلى تعليق أنشطتها.

وقال العديد من المحامين الحقوقيين لفَنَك إن الاعتقالات تتعلق بتعديلٍ قادمٍ على الدستور، مما سيسمح للسيسي بالبقاء في منصبه بعد فترةٍ رئاسية مدتها ولايتان. وكما يقولون، يتم اسكات المعارضة المحتملة لمثل هذه الخطوة، بشكلٍ وقائي.

هذا وينص الدستور، الذي صدر في عام 2014، على أنه يمكن للرئيس أن يخدم مدة أقصاها ولايتان، مدة كل منهما أربع سنوات. وفي أغسطس الماضي، بدأ لوبي برلماني من أجل إجراء تعديلاتٍ دستورية في اكتساب الزخم، وقررت محكمة في القاهرة عقد جلسة في 23 ديسمبر، بناءً على عريضة تطالب بهذا التغيير.

ووفقاً لمصادر خاصة بنا، من المتوقع أن تبدأ عملية إجراء تعديلاتٍ على الدستور في أوائل عام 2019. ونقلت وسائل الإعلام المحلية عن مصادر لها نفس وجهات النظر.

وقال المحامي محمد صبحي: “يعتقلون جميع من يمكنه التحدث ضد التعديل الدستوري،” وأضاف “تغيير الدستور عملية معقدة، وأي شخص لديه فهم بالقانون الدستوري سيمتلك أسباباً قوية للطعن في التعديلات أمام المحكمة الدستورية.”

فقد أصبحت قدرة المحاكم على تحدي الدولة جليةً في أبريل 2016، عندما رفعت مجموعة من المحامين بقيادة خالد علي دعوى قضائية ضد تسليم جزيرتين في البحر الأحمر إلى المملكة العربية السعودية. ألغت المحكمة قرار البرلمان وأرجأت عملية نقل الملكية لمدة تزيد عن العام، على الرغم من أنه تم في نهاية المطاف التعجيل في تنفيذ القرار في يونيو 2017.

وتتفق عمران مع ذلك بقولها “أعتقد أن [الاعتقالات] بسبب إجراء تعديلاتٍ دستورية،” وتابعت القول، “قاموا باعتقال أشخاصٍ يمكن أن يعترضوا على القرار.”

وحتى عندما يتم إطلاق سراح السجناء، تفرض السلطات قيوداً عليهم، إذ قالت عمران “سيتعين على عباس الذهاب إلى مركز الشرطة مرتين في الأسبوع.”

وبحسب ما كتبت الباحثة ميشيل دون في تحليلٍ لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، فإن نظام السيسي نجح في إعادة بناء جدار الخوف الذي يفصل بين المواطنين والدولة. فقد تقلصت مساحة المعارضة في مصر إلى الصفر. وعلى الرغم من أن العديد من المعتقلين لم يكن لهم أي نشاطٍ سياسي، أو على الأقل في الآونة الأخيرة، إلا أنهم عبروا عن نقدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو أنهم تخلوا عن نشاطهم بالكامل.

فقد لجأ السيسي في الانتخابات الرئاسية في مارس 2018، إلى الترهيب والاعتقالات لثني المنافسين المحتملين عن الترشح، لتتم إعادة انتخابه دون أي عقبات. واليوم، يريد التأكد من عدم وجود من يقف في وجهه نحو “رئاسةٍ مدى الحياة.”