وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إلى متى يستمر تراخي الاتحاد الأوروبي مع تركيا إردوغان؟

Charles Michel
رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل أثناء مؤتمرٍ صحفي مشترك عقده مع رئيس الوزراء البرتغالي في نهاية اجتماع تم تنظيمه بين يوم ١ ديسمبر ٢٠٢٠ في المفوضية الأوروبية ببروكسل. المصدر: STEPHANIE LECOCQ/ POOL/ AFP.

نشر موقع “The Gloalist” مقالة سلط فيها الضوء على آفاق توتر العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي وما تبديه بروكسل من ضعف على هذا الصعيد. ويقوم صاحب المقالة رونالد ميناردوس، وهو المدير الإقليمي لمؤسسة فريدريش ناومان للسلام في تركيا، بتحليل حالة التوتر القائمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، معرّجاً في الوقت نفسه على دلالات طلب بروكسل الدعم من الإدارة الأمريكية في هذا الجانب. وكانت القمة الأوروبية الأخيرة قد خرجت دون اتخاذ أي رد فعل يذكر تجاه ما اعتبره الاتحاد الأوروبي بمثابة استفزازات تركية. بل أن الأمر وصل بالقادة الأوروبيين لتقديم حوافز متنوعة حتى يعدل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عمّا يتبعه من ممارسات.

وقبيل انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة في بروكسل، سادت تكهنات مفادها أن قادة الاتحاد الأوروبي سيفرضون عقوبات صارمة على تركيا بسبب أعمال التنقيب في البحر المتوسط.

وتزعمت ثلاث دول أوروبية – وهي اليونان وقبرص وفرنسا – تلك الحملة لمعاقبة أنقرة على ما يصنّفه الاتحاد الأوروبي كـ “استفزازات أحادية الجانب”.

الاتحاد الأوروبي: لغة حازمة وقبضة متراخية؟

ما تزال لغة الاتحاد الأوروبي حتى الآن حازمة وحادة. بيد أن رد فعل بروكسل تجاه أنقرة دائماً ما يكون متواضعاً وبلا أثرٍ يُذكر.

وقد امتنع الاتحاد الأوروبي حتى الآن عن اتخاذ إجراءات عقابية صارمة تؤثر على قطاعات كاملة من الاقتصاد التركي.

وبدلاً من ذلك، توافق قادة الاتحاد الأوروبي على معاقبة الأفراد والشركات ممّن تورطوا في التخطيط أو المشاركة فيما يزعم الاتحاد الأوروبي أنه حفر غير مصرح به في مناطق بحرية متنازع عليها.

كما أن حظر الأسلحة الذي حرضت عليه اليونان وحزبان من أحزاب من المعارضة الألمانية، وهما حزب الخضر وحزب اليسار (Die Linke)‏، لم يعد مطروحاً في الوقت الحالي على الأقل.

الاتحاد الأوروبي قد يبدي حزماً أكبر في وقتٍ قريب

قلّما بقيت التوجهات على ما عليه الحال عندما يتعلق الأمر بما تضعه أوروبا من سياسات على أعلى المستويات. وكان قادة الاتحاد الأوروبي قد كلفوا جوزيب بوريل، وهو الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بمراقبة سلوك تركيا عن كثب في الأشهر الثلاثة المقبلة على أن يُقدم تقريره في مارس المقبل.

وفي حقيقة الأمر، فإن هذا ما فعله بوريل بالضبط قبل انعقاد فعاليات الاجتماع الأخير. لكن عمل وزير الخارجية الإسباني السابق لم يتطابق مع أهواء إردوغان. وقال بوريل: “لم نشهد اختلافاً جوهرياً في السلوك التركي، بل إنّ الأوضاع قد ساءت على عدة أصعدة”. ومع ذلك، فإن رأي بوريل السلبي لم يؤثر على صنّاع القرار في أوروبا.

لا اتفاق في الاتحاد الأوروبي بشأن إردوغان

قد يتفق الجميع على أن سلوك إردوغان، أو بالأحرى سوء سلوكه إن شاء المرء الدقة، سبب المشكلات الحاصلة في منطقة شرق البحر المتوسط. بيد أن الأوروبيين على خلاف بشأن الطريقة المثلى للتعامل مع مصدر المشكلات.

وفي نهاية المطاف، قرّر قادة الاتحاد الأوروبي الاكتفاء بالوصول إلى “أجندة إيجابية”، ما يعني تقديم حوافز اقتصادية وسياسية إذا عدّل إردوغان من مقاربته للأمور.

وتتضمن حزمة الحوافز إقامة علاقات اقتصادية أفضل، وتحديث الاتحاد الجمركي، فضلاً عن ضخّ أموال أكثر لأربعة ملايين لاجئ سوري قد اتخذوا الأناضول موطناً جديداً لهم.

لحظة فارقة؟

قال جوزيب بوريل قبل انعقاد القمة إن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا تمرّ بمرحلة فارقة.

بيد أنَ بوريل استعمل الكلمات نفسها بالضبط قبل قمّة سابقة تم تنظيمها في شهر أكتوبر الماضي. حينذاك، أعلن بوريل عن اتخاذ مجموعة كبيرة من القرارات الاستراتيجية في وقتٍ قريب. ومرّة أخرى، لم تتخذ أي قرارات وصارت العلاقات المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا تنتظر المجهول.

وعلى هذا النحو، فقدت تصريحات بوريل الكثير من تأثيرها على السياسة التركية المحلية. يأتي ذلك في الوقت الذي يشير فيه المحللون الأتراك إلى تفكيك “الارتباط الأوروبي” من أجل فصل أنقرة عن الغرب.

من جانبه، استمر إردوغان في نشر الإشارات المتضاربة. وعلى سبيل المثال، أدلى الرئيس التركي مؤخراً بالتصريحات التالية: “لا نرى أنفسنا في أي مكان آخر غير أوروبا، ونتطلع إلى بناء مستقبلنا معها”.

وبعد ذلك بوقت قصير، اتهم أردوغان الاتحاد الأوروبي “بالعمى الاستراتيجي” وقال: “لم يكن الاتحاد الأوروبي الأوروبي أميناً قط، ولم يفي بوعوده تجاه تركيا”.

التأجيل لا يعني التخلّي

رغم كلّ ما فعله الاتحاد الأوروبي، إلا أنّ إردوغان سيكون مخطئاً حقاً إن اعتقد بأن هذه السياسة الناعمة ستستمر إلى الأبد بحسب ما يراه ميناردوس.

وبحسب صاحب المقالة، فإن تأجيل العقوبات لا يعني التخلّي عنها في نهاية المطاف. وسوف يطرح الاتحاد الأوروبي القضية التركية مرة أخرى في شهر مارس المقبل حين تُعقد القمة المقبلة.

في الوقت ذاته، تتوقع أوروبا أن يظل إردوغان ثابتاً على موقفه في النزاع الحاصل مع اليونان وقبرص، ما سيؤدي إلى استئناف العملية الدبلوماسية على الأقل.

ما تشي به كلمات إردوغان

إن قرأنا إردوغان عبر ما يطلقه من تصريحات، فإنه من الصعب توقّع مضيّه قدماً في تعليق أنشطة بلاده. وفي هذا الصدد، قال الرئيس التركي: “لن نقبل الخطط والخرائط التي تسعى إلى حصر بلدنا”، ليتحول بعد ذلك إلى اليونان وقبرص ويوجه لهما تهمة “التوسع الإمبريالي”.

ويبدو أنّها مسألة وقت فقط قبل أن ترسل أنقرة سفينتها “Oruc Reis” مرة أخرى لاستكمال أنشطتها.

وكان إردوغان قد أوقف السفينة في ميناء أنطاليا خلال انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي. وسيؤدي استئناف الاستكشافات في المياه المتنازع عليها مرة أخرى إلى إذكاء النزاع في المنطقة.

حديث دبلوماسي

في بيان صدر يوم الجمعة، أعلن رؤساء الدول الأوروبية عن سعي الاتحاد الأوروبي للتنسيق مع الولايات المتحدة في الأمور المتعلقة بتركيا وشرق المتوسط.

للوهلة الأولى، قد يبدو الأمر إيجابياً. لكنه في حقيقة الأمر بمثابة اعتراف بالضعف، فأوروبا عجزت عن ردّ حلفيها الشارد إلى حظيرة الاتحاد الأوروبي، وهذا ما استدعى الاستعانة بمساعدة أمريكية.

إدارة بايدن وتغيير المعادلة

يكمن السؤال الكبير الآن في معرفة ما ستفعله إدارة بايدن القادمة.

ففي الماضي، دأب الرئيس الأمريكي المنتخب على انتقاد تركيا بلا هوادة. وعلى سبيل المثال، دعا بايدن الرئيس ترامب للضغط على الأتراك لتجنب القيام بـ “أي أعمال استفزازية أخرى ضد اليونان”.

وبطبيعة الحال، كان ذلك قبل الانتخابات حين كانت أصوات الأمريكيين اليونانيين تنتظر من يخطفها. لكن يصعب للغاية تخيّل استمرار العلاقة الحميمة التي جمعت أردوغان وترامب.

توتر في أنقرة

على امتداد الانتخابات الأمريكية التي جرت في عام 2020، انصبت آمال الطبقة السياسية في أنقرة على فوز دونالد ترامب واستمراره في منصبه.

لكن حسابات إردوغان قد تتغير الآن، وعليه التوافق مع الرئيس الأمريكي السادس والأربعين.

ويرى المتفائلون في أنقرة أنّ هذه المستجدات فرصة للرئيس التركي حتى يصلّح علاقاته مع الغرب.

وعلى هذا النحو، يختم ميناردوس مقالته بالتالي: “لن تجني العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا إلا خيراً إن تمت هذه الخطوة. ومع ذلك، يبدو أن حزب الحركة القومية، الشريك الرئيسي لأردوغان في التحالف الحاكم، يركز بشدة على الحد من مجال المناورة المتاح للرئيس”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://www.theglobalist.com في 14 ديسمبر 2020.