وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عن إخفاق المصالحة الفلسطينية

palestinian reconciliation
صورة تم التقاطها يوم ٢ يوليو ٢٠٢٠ للقيادي الفتحاوي المعروف جبريل رجوب في مدينة رام الله بالضفة الغربية أثناء حضوره لاجتماع “فيديو كونفرنس” مع نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح عاروري (على الشاشة من بيروت)، حيث تناقش القياديان في خطة إسرائيلية لضم أجزاء من المناطق المحتلة من الضفة الغربية. المصدر: ABBAS MOMANI/ AFP.

ماجد كيالي

عقد الفلسطينيون آمالا كبيرة على إمكان نجاح مساعي المصالحة بين حركتي فتح وحماس، لاستعادة وحدة الكيان الفلسطيني، وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وإخراج العمل الوطني الفلسطيني من الأزمة التي تعيش فيها على كافة الأصعدة.

وكما هو معلوم فقد بدأت تلك العملية مع اجتماع (فيديو كونفرنس) عقده القياديان جبريل الرجوب (عن فتح) وصالح العاروري عن حماس (يوم 2 يوليو الماضي). وقد تعززت تلك الجهود مع اجتماع الفصائل الفلسطينية الـ 14 في رام الله وبيروت (وفق تقنية فيديو كونفرنس، يوم 3 سبتمبر). وقد نجم عن ذلك، وفقا للتصريحات التي صدرت عن القياديين في الحركتين المذكورتين، رفعا لمنسوب الأمل بإمكان التخلص من هذا الملف العبثي والمؤلم والمضر.

في المحصلة فإن نتيجة هذه المحاولة أنها أضيفت إلى جملة المحاولات السابقة، التي أخفقت، كالتي جرت في مكة وصنعاء والدوحة والقاهرة وغزة، طوال 13 عاما، من دون أن تصل إلى نتيجة.

تسبب فشل تلك المحاولة بتعزيز مشاعر الإحباط عند الفلسطينيين، أما سبب الفشل فيمكن أحالته إلى عدة أسباب، أهمها: أولا، تحول حركتي فتح وحماس إلى سلطة كلٌّ في إقليمه حيث فتح في الضفة وحماس في غزة. ولذا فمن غير المعقول، سيما بسبب واقع انعدام الثقة، أن تقوم فتح بالتنازل عن سلطتها أو أن تقوم حماس بالتنازل عن سلطتها. ثانيا، إن الطرفين غير متفقين على الخطوة التالية. فمن جهة حماس تعتقد أن الهدف يجب أن يتركز على تنظيم انتخابات لكل الشعب الفلسطيني. أما فتح فتركز على مجرد تنظيم انتخابات للمجلس التشريعي. ثالثا، ما حصل هو أحد تجليات الأزمة المستعصية في العمل الوطني الفلسطيني، بمعنى أنه تعبير عن أزمة في الخطابات والكيانات وأشكال العمل والعلاقات.

الجدير ذكره هنا أن تلك المحاولة، التي كان كل فلسطيني يتمنى أن تنجح، أتت متأخرة جدا، إذ أن قيادات فتح وحماس، لم تعمل طوال الفترة الماضية لتهيئة ذاتها، أو تهيئة الشعب الفلسطيني لمواجهة التحديات الراهنة. لذا فإن ما جرى لا يتعدى كونه مجرد محاولة لمصالحة، وتقاسم للسلطة بين فتح وحماس، لا تضيف، ولا تغير، شيئا في الوضع الفلسطيني.

ولنلاحظ أن الفلسطينيين في الداخل يمرون بظروف صعبة، معيشية واقتصادية وأمنية، سيما مع الحصار على غزة، ومع تجفيف الموارد في الضفة. في المقابل، فإن اللاجئين الفلسطينيين في الخارج باتوا خارج المعادلات السياسية، بعد أن انتقل مركز الثقل إلى الداخل، وبعد أن أضحت المنظمة مجرّد فولكلور فلسطيني، أو مجرّد منبر للمناسبات. أما بخصوص السلطة فهي في أضعف حالاتها، بسبب الانقسام وبحكم أفول الشرعية وبواقع ضعف مبنى الحركة الوطنية الفلسطينية، سواء على صعيد المنظمة أو الفصائل، وبحكم الفجوة بين مجتمعات الفلسطينيين والقيادة في الداخل والخارج، وغياب، أو ضعف، حواضن العمل الوطني الفلسطيني العربية والإقليمية والدولية، في الظروف والمعطيات الراهنة.

ما الحل؟ أو ما البديل؟ جوابا على ذلك من المؤكد أن لا أحد يملك، في هذه الظروف، ترف التبجح بأنه يمتلك حلًّا جامعًا مانعًا، سيما أن الوضع في الساحة الفلسطينية بات في غاية الصعوبة والتعقيد، بحكم غياب القيادة الجماعية والافتقاد للعلاقات الديمقراطية وتهميش الأطر الوطنية وغياب الحراكات الداخلية، مع إدراكنا أن الأزمة الوطنية الفلسطينية هي من النوع الشامل، أي أزمة في نمط التفكير والكيانات والعلاقات وأشكال الكفاح، كما قدمنا.

للأسف مازالت الفصائل لا تريد أن تقرأ الواقع، ولا تريد أن تصارح شعبها بعجزها، وأفول خياراتها، وإنها أضحت مجرد سلطة في الضفة وغزة، وما زالت مصرة على تعويم نفسها مع أنه لم يعد لديها ما تضيفه. وإدراك ذلك هو الشرط الأساسي للخروج من الأزمة الوطنية الفلسطينية الراهنة، التي تتطلب أساسا إعادة بناء البيت الفلسطيني.

نعم، فإن إنهاء الانقسام، والمصالحة، وإعادة وحدة الكيان الفلسطيني، مسائل مطلوبة وضرورية، لكنها غير كافية، وهي مجرد ستعيد إنتاج الأزمة الوطنية، ناهيك عن الثغرات الكثيرة التي تعتريها، لأن إخراج الساحة الفلسطينية يتطلب أكثر من ذلك أي أنه يتطلب إعادة بناء منظمة التحرير على أساس رؤية وطنية جامعة، وعلى أسس تمثيلية وديمقراطية وانتخابية.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.