وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

فرنسا وبلجيكا والنمسا على خط المواجهة في معركة للظفر بروح وهويّة الإسلام

Macron
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدث على هامش مؤتمر صحفي عقده برفقه نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في أعقاب لقاء الرئيسين يوم ٧ ديسمبر ٢٠٢٠ بقصر الإليزيه الرئاسي في العاصمة الفرنسية باريس. ويأتي ذلك في إطار زيارةٍ يجريها السيسي لمدة ثلاثة أيام لفرنسا. المصدر: Michel Euler/ POOL/ AFP.

نشر الصحفي البارز جميس دورسي على مدونته مقالة تناول فيها دور الإمارات والسعودية في دعم حملة ماكرون ضد الإسلام السياسي. ويرى دورسي، وهو زميلٌ بارز في كلية راجاراتنام للعلاقات الدولية بسنغافورة، أن مصالح هاتين الدولتين تتقاطع حالياً مع مصالح فرنسا، نظراً لحالة العداء التي تناصبها الدول الثلاث للإسلام السياسي وتركيا. وفي الوقت نفسه، يحتاج ماكرون لغطاء سياسي إسلامي يساعده في تنفيذ سياسته ويضمن له منافسة قوية في الانتخابات القادمة ضد مارين لوبان. ويعرّج دورسي في هذه المقالة على الظروف التي بلورت أفكار واستراتيجية الرئيس الفرنسي تجاه الإسلام، سيّما وأنه تأثّر بمفكرين ذوي أصول عربية يرون في الإمارات نموذجاً مثالياً للإسلام المعتدل.

ويبدأ دورسي مقالته بالإشارة إلى أن الإمارات تستخدم ببراعة ما تتحلى به من قوة دينية ناعمة وتأثير تجاري واقتصادي وما تبديه من قوة صلبة في مواجهة الإسلام السياسي، وبطريقةٍ تتجاوز فيها حجمها. ويرى صاحب المقالة أن مساعي أبو ظبي في هذا الجانب قد تكون بطرقٍ تُهدد ركائز الديمقراطية الغربية وكذلك المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وأوروبا.

وتظهر بصمة الإمارات بوضوح في جميع أنحاء العالم، وكانت فرنسا أحدث محطاتها حيث تدور حالياً معركة على روح الإسلام. كما أن هذه البصمة الإماراتية ظهرت في الأروقة الأمريكية التي كشفت عن طبيعة ما تقوم به الإمارات من تدخّل في ليبيا.

ويبدو أن الإمارات والسعودية تدفعان باتجاه تبنّي سياسة فرنسية أكثر صرامة تجاه الإسلام السياسي. وظهر التوجه الإماراتي – السعودي قبل الحملات التي شنّها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضد هذا التيار على خلفية القتل المروع لأحد المعلمين في سبتمبر الماضي وما تلا ذلك من هجمات، بما في ذلك الهجوم على إحدى الكنائس في مدينة نيس.

ويرى دورسي أن هذا الضغط الذي يؤكد على المصالح المشتركة في مواجهة الإسلام السياسي وتركيا يتماشى بدقة مع أجندة ماكرون المحلية والدولية، لاسيما وأن تركيا قد صارت خصماً لفرنسا في ليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط وكذلك في ملف الإسلام السياسي.

وبحسب صاحب المقالة، فإن الإمارات والسعودية منحا الزعيم الفرنسي غطاءً إسلامياً لاستهداف الإسلام السياسي وتركيا قبل وقوع الهجمات بأكثر من ستة أشهر. يأتي ذلك في الوقت الذي يستعد فيه ماكرون لانتخابات عام 2022 ضد منافسته صاحبة الحظوظ الوافرة ماري لوبان، وهي زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف المناهض للهجرة.

وفي حديث له بمدينة ميلوز الفرنسية في فبراير الماضي، أفصح ماكرون عن استراتيجيته لمواجهة الإسلام السياسي ممثلاً في حركة الإخوان المسلمين والسلفيين. ويرى الرئيس الفرنسي أن هؤلاء يصرون على أن تعلو راية الشريعة فوق قوانين الجمهورية الفرنسية، معتبراً أن هؤلاء يؤكدون في الوقت نفسه على ما وصفه بـ “الانفصالية الإسلامية” و”الاستعلاء الإسلامي”. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن كلاً من الإمارات والسعودية سبق لهما الإعلان عن جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية.

من جانبها، بدأت النمسا الشهر الماضي بشنّ حملة قمع ضد جماعة الإخوان المسلمين في أعقاب حادثة إطلاق نار في قلب فيينا قضى فيها أربعة أشخاص.

أما الكويت وقطر فقد موّلا بناء مركز ديني وثقافي إسلامي في ميلوز. ويُذكر أن الإمارات والسعودية والبحرين ومصر قد قاطعوا قطر اقتصادياً ودبلوماسياً منذ عام 2017 بدعوى أن الأخيرة داعم رئيسي للجماعات الإسلامية.

وقال ماكرون في أحد خطاباته: “في الجمهورية، لا يمكن أن نقبل رفض مصافحة المرأة لأنها امرأة. في الجمهورية، لا يمكن أن نقبل رفض شخص ما أن يعلمه أو يطبّبه شخص آخر لمجرد أن هذا الشخص امرأة. في الجمهورية، لا يمكن أن نقبل ترك المدرسة لأسباب دينية أو عقائدية. في الجمهورية، لا يمكن طلب شهادات عذرية لإتمام الزواج”.

وقامت قطر بدعم جماعة الإخوان في الماضي وهي الدولة الذي يقيم فيه الشيخ يوسف القرضاوي، وهذا الأخير يُعتبر بالنسبة لكثرين أحد أبرز المؤثرين في جماعة الإخوان المسلمين. كما أن قطر تحتضن جماعات إسلامية شتى تتصارع فيما بينها.

وأعرب كلٌّ من وزير الخارجية السعودي ونظيره القطري ودولة الكويت الوسيط بين الجانبين عن أملهما في الأيام الأخيرة باتخاذ خطوة أولى على الأقل نحو إنهاء المقاطعة. وكانت هذه التصريحات قد خرجت في محادثات تم تنظيمها بين الجانبين قبيل قمة خليجية من المقرر عقدها في وقتٍ لاحق في العاصمة السعودية الرياض.

أما حملة ماكرون، فهي تستهدف فرض رقابة قانونية أكثر حزماً على المنظمات الإسلامية، كما تهدف إلى أن تكون عملية إعداد واعتماد القادة الدينيين المسلمين في البلاد عملية مركزية.

ويرى بعض النقاد بما فيهم خبراء الأمم المتحدة أن قانون الأمن الجديد الذي قدمه البرلمان يُقوّض الحريات الديمقراطية لأنه ضمنياً يستهدف المسلمين، ويفرض حظر أوسع على التعليم المنزلي. كما أن هذا القانون يفرض ضوابط على الجمعيات الدينية والرياضية والثقافية، ويوسع المراقبة والقيود على حرية التعبير.

وفي نوفمبر الماضي، قال أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية: “إن ماكرون لا يريد أن يحصر المسلمين أنفسهم في جيتو داخل الغرب وهو على حق في ذلك. من الأفضل للمسلمين أن يندمجوا في المجتمع. وإن للدولة الفرنسية كلّ الحق في استكشاف سبل تحقيق هذا الهدف”.

وفي محاولةٍ للعب على وتر ما يتشارك به ماكرون مع الإمارات من خلافات مع تركيا، أشار قرقاش إلى أن الرئيس الفرنسي قد وضع حداً فاصلاً في علاقته بنظيره رجب طيب إردوغان. وقال قرقاش: “فقط عندما يتم رسم الخط الأحمر له، فإن هذا الآخر سيبدي استعداده للتفاوض”.

أما محمد العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي فقد خرج الشهر الماضي بتصريح شدّد فيه على ثقته في القانون وقدرته على حماية العلمانية الفرنسية من الراديكالية الإسلامية. وهذه الرابطة كانت ذات يوم وسيلة رئيسية للترويج للمذهب السعودي المحافظ المتطرف، والآن باتت تتحدث عن مفهوم السعودية المبهم للإسلام المعتدل.

وفي حديث سابق أجراه في مؤتمر عن الأديان نظمته الرابطة في باريس، شدد العيسى على أن الدين بحاجة إلى الحماية من الاستغلال السياسي من أجل إبعاد الشباب عن الجماعات المتطرفة.

ويعتقد الكاتب أن كثيراً من أفكار ماكرون قد وجدت طريقها إليه من خلال مسلمين فرنسيين ذوي علاقات وثيقة مع الحكومتين الفرنسية والإماراتية.

ومن أمثلة هؤلاء حكيم القروي، وهو فرنسي المولد وابنٌ لأستاذ جامعي متخصص في أنثروبولوجيا الشريعة وعمه رئيس وزراء تونسي سابق. وقد دافع القروي منذ زمن عن مفاهيم الإسلام الفرنسي التي نرى لها انعكاساً في أفكار ماكرون.

ولا تفرق هذه الأفكار بين أطياف الإسلام السياسي، وتروّج لصورة مفادها أن الإسلاميين انفصاليون. كما أنها تُهمش دور العوامل المحلية والاقتصادية في شعبية الإسلام السياسي لصالح الدور الذي يلعبه الخطاب السياسي المُستغِل للدين ومصادر تمويله.

وعمل القروي مستشاراً لرئيس الوزراء الفرنسي السابق جان بيير رافاران، فضلاً عن عمله كمحاضر جامعي وكمصرفي. كما أنه مؤلفٌ للعديد من الأعمال عن الإسلام في فرنسا. ولطالما رأى القروي في الإمارات نموذجاً مثالياً لمواجهة الإسلام السياسي والترويج للإسلام الوسطى.

وتروّج الإمارات لإسلامٍ خاضع للدولة يدعو إلى طاعة الحاكم طاعة مطلقة.

وقال القروي لصحيفة إماراتية في عام 2018: “أعتقد أنه يجب على فرنسا والإمارات الانخراط أكثر في النقاش الديني، إذ أن موقف المسلمين المعتدلين في فرنسا قد يكون مشابهاً لنظيره في الإمارات”.

من جهته، علّق فرانسوا بورغات، الباحث الفرنسي في شؤون الشرق الأوسط في مقابلة صحفية قائلاً “إن الحجج التي يطرحها القروي يتبناها بحماس القادة السلطويون في العالم الإسلامي. فهم بذلك يسقطون مسؤوليتهم عن مشكلات مجتمعاتهم”.

ويرى دورسي أن حملة ماكرون المدعومة إماراتيًا وسعوديًا ستعود بالنفع على الدولتين الخليجيتين في معركتهما من أجل روح الإسلام وإن لم يقصد ماكرون ذلك. ورغم أن الإمارات والسعودية يتنافسان بطريقة ما، ولكنهما في أحيان كثيرة يعتبران أن مصالحهما متوافقة.

على صعيد موازٍ، رفضت الحكومة البلجيكية هذا الشهر بناءً على نصيحة الأجهزة الأمنية طلباً للاعتراف بالمسجد الكبير في وسط بروكسل وهو الذي كان تحت سيطرة رابطة العالم الإسلامي ذات يوم.

وقال وزير العدل البلجيكي فنسنت فان كويكنبورن إن الطلب رُفض لأن عملاء الاستخبارات المغربية، الساعين للاستئثار بتعريف الإسلام المعتدل في أوروبا وغرب إفريقيا، قد سيطروا على المسجد منذ أن سلّمت السعودية المسجد إلى الحكومة البلجيكية في عام 2018.

وفي صورةٍ مكرّرة لما أظهره الرئيس الفرنسي من رؤية حول هذا الموضوع، قال فان كويكنبورن: “لا يمكنني ولن أقبل أن يُختطف الإسلام من قبل أنظمة أجنبية لدوافع أيديولوجية أو سياسية حتى يمنعوا المسلمين في بلدنا من تطوير رؤيتهم لإسلام تقدمي”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com في 06 ديسمبر 2020.