وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أزمة الكهرباء في غزة تُشعل مظاهرات تؤرق مضاجع حماس

protest-against-Hamas-because-of-chronic-power-cuts
غزيون يتظاهرون ضد حركة حماس في مخيم جباليا الواقع شمال قطاع غزة بسبب انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، فلسطين، 12 يناير 2017. Photo AP

لعدة أشهر، لم تصل الكهرباء سوى لأربع ساعاتٍ يومياً في قطاع غزة الذي يضم حوالي مليونيّ مواطن. اندلع الغضب الشعبي بسبب نقص الكهرباء في يناير 2017 في احتجاجاتٍ واسعة النطاق، وفي مشهدٍ نادر للتمرد ضد حماس، التي تسيطر على قطاع غزة من الأراضي الفلسطينية، خرج الآلاف من الناس إلى الشوارع للمطالبة بوضع حدٍ لانقطاع الكهرباء.

المظاهرات انطلقت بالبداية بشكلٍ عفوي بمنطقة النصيرات، في وسط غزة، وسرعان ما امتدت الى الشمال في جباليا والى الجنوب في رفح وخانيونس. ففي مظاهرة جباليا، سار المتظاهرون نحو مقر شركة توزيع الكهرباء في غزة مرددين شعاراتٍ مثل “لا صوت يعلو فوق صوت الجماهير المضطهدة… نريد كهرباء،” و”حقنا الأساسي، إضاءة المنازل.” أطلقت الشرطة الفلسطينية التابعة لحماس الرصاص في الهواء لتفريق الحشود فيما ألقى المتظاهرون بالحجارة عليهم.

كانت هذه الاحتجاجات أكبر مظاهراتٍ غير مصرحٍ بها في قطاع غزة منذ وصول حماس إلى السُلطة عام 2006، وتعكس البؤس المتزايد الذي بات يعاني منه العديد من السكان في القطاع. تفاقم هذا بسبب الانقسامات بين حماس والسلطة الفلسطينية، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية والقيود على الحركة التي تفرضها إسرائيل منذ عقدٍ من الزمان، ومصر مؤخراً. وهناك ازمة البطالة المتفشية والتي تصل لأكثر من 46% وخاصة عند الشباب. وبعد ثلاث حروبٍ مع إسرائيل، تفاقمت مشكلة السكن في حين شهدت الجريمة والتطرف ارتفاعاً ملحوظاً.

فلا يصل سوى الحد الأدنى من التيار الكهربائي والمياه النظيفة إلى القطاع، كما تم أيضاً تخفيض كميات الوقود. فقد حذر تقريرُ واردٌ من الأمم المتحدة بأن قطاع غزة سيصبح غير صالح للحياة عام 2020.

يرجع أصل أزمة الكهرباء في قطاع غزة عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة نهاية شهر يونيو لعام 2006 وذلك انتقاماً لخطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط على الحدود المصرية. في السابق كانت محطة الكهرباء تغذي شبكة الكهرباء في قطاع غزة بحوالي 140 ميغاواط، والخط الإسرائيلي يغذي القطاع بما مقداره 120 ميغاواط، بالإضافة الى الخط المصري الذي يغذي القطاع بما مقداره 35 ميغاواط. هذه الكميات كانت كافية في السابق لاحتياج القطاع من الكهرباء. بعد التصليح الجزئي لمحطة الكهرباء في غزة، أصبحت تنتج المحطة ما مقداره 65 ميغاواط فقط، وذلك بسبب تشغيل مولدين من أصل أربع مولدات متوفرة في المحطة، وعليه أصبحت الكمية المتوفرة من المحطة وإسرائيل ومصر بحوالي 220 ميغاواط.

ولكن قطاع غزة يحتاج فعلياً في هذه الايام إلى 400 ميغاواط في الوضع الطبيعي، وحوالي 450 ميغاواط في أوقات الذروة حيث الحرارة العالية في الصيف او البرودة الشديدة في فصل الشتاء. ونظراً للطلب المتزايد في السنوات العشر الماضية، وانخفاض الزيادة في الموارد، تفاقمت الأزمة. وعلى ضوء هذه المعطيات تم إيجاد صيغة يتم من خلالها توزيع الكهرباء المتوفرة على السكان بمعدل ثماني ساعات وصل ويتلوها ثماني ساعات فصل. على الرغم من ان هذه الازمة تمثل حالة احتقان يومي، الا ان المجتمع تماشى مع هذه الألية لعدة سنوات، ولكن الجديد في الامر هو إنه في وقت الذروة الشتوية وصلت حالة وصل التيار الكهرباء للسكان بمعدل 4 ساعات ويتلوها 12 ساعة فصل بسبب الاحمال الزائدة المستهلكة للأجهزة الكهربائية بهدف التدفئة.

وبالإضافة الى العوامل الفنية والمادية، تعتبر أزمة الكهرباء في قطاع غزة سياسية بامتياز، حيث ترفض إسرائيل مد قطاع غزة بتيار إضافي (يسمى خط 161)، الا بعد إتفاقية موقعة مع السلطة الفلسطينية وليس مع حماس، بالإضافة الى تقديم ضمانات لدفع فاتورة الكهرباء الشهرية. من جانبها لا تكترث السلطة الفلسطينية لتفاقم أزمة الكهرباء وتود ان يثور الشعب في غزة على حماس من اجل طردها من الحكم، أما من ناحية حماس فهي متمسكة بإدارة شركة توزيع الكهرباء وسلطة الطاقة ولا تريد ان تسلم ملف الطاقة للسلطة الفلسطينية وتتمسك بأن تكون جزءاً من النظام السياسي والإداري الفلسطيني.

وعلاوة على ذلك، هناك عدة عوامل إضافية تزيد من تفاقم أزمة الكهرباء في قطاع غزة، حيث ان هناك أكثر من 50% من السكان لا يدفعون تكلفة الفاتورة الشهرية للكهرباء، إضافة الى ان هناك اتهام موجه لحماس بأن جميع الوزرات والهيئات الحكومية والأمنية والمساجد في قطاع غزة لا تدفع الفاتورة الشهرية وتغض النظر عنهم. الطامة الكبرى تتمثل في تكلفة انتاج الكهرباء من محطة التوليد في غزة، حيث يكلف الكيلوواط الواحد ما يقارب ضعفين ونصف ما يكلف شراءه من قبل إسرائيل. من ناحيتها تقول سلطة الطاقة التابعة لحماس في غزة بأن سبب التكلفة العليا هي الضرائب المفروضة، وخاصة ضريبة “البلو،” على الوقود القادم لمحطة الكهرباء. في حقيقية الامر ومنذ سنوات طويلة تعفي الحكومة الفلسطينية في رام الله وقود محطة التوليد من ضريبة “البلو.”

ولكن هناك شركات كبيرة من المساهمين في أسهم الشركة تسمى القطط السمان، ومنهم شركة CCC، والبنك العربي، وشركة باديكو، والشركة الفلسطينية للخدمات التجارية، وغيرهم من المستفيدين من بقاء عمل المحطة وعدم التوجه لشراء كهرباء إضافية من إسرائيل. والسؤال الذي يطرح نفسه كيف هناك ازمة كهرباء طاحنة في قطاع غزة وتحقق شركة التوليد سنويا أكثر من 13 مليون دولار سنوياً، عندما لا يدفع أكثر من 50% من الأسر فواتيرهم فيالوقت الذي يشهد فيه القطاع نقصاً يسسب شللاً للحياة العامة.

غضب سكان قطاع غزة يعود في المقام الأول لأنهم باتوا يشعرون بأن المناكفات السياسية بين السلطة الفلسطينية في رام الله وحركة حماس في قطاع غزة، بالإضافة الى الحصار الإسرائيلي السبب الذي جعل حياتهم الاجتماعية والاقتصادية لا تطاق. قد شكلت المظاهرات حالة من الرفض للواقع الذي يعيشه سكان القطاع ويريدون التحرر من الحصار والازمات المتلاحقة والتي لا حل لها في المنظور القريب.

ويبدو أن حماس لاحظت الأمر، وعليه حاولت حركة حماس التي يحملها المواطن الفلسطيني في القطاع المسؤولية الأولى لتفاقم الازمات، لإيجاد حلول سريعة لأزمة الكهرباء، فسارعت للإعلان عن تسليم ملف الكهرباء بكامله للسلطة في رام الله، وجاء الرد سريعاً من رام الله بالرفض، أملاً ان تحقق المظاهرات هدفاً أكبر من ذلك وهو طرد حماس من الحكم. وعليه كثفت حماس من مساعيها واستطاعت تحقيق حل جزئي بعد لقاء نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية مع الأمير القطري تميم بن حمد، الذي وافق على دعم محطة التوليد بمبلغ 12 مليون دولار لشراء الوقود اللازم، وذلك من اجل إعادة جدول الكهرباء لثماني ساعات وصل يتولها ثماني ساعات فصل في الشهور الثلاث القادمة.

مما لا شك فيه ان حماس شعرت بغضب الشارع الغزي وأن صبره بدأ ينفذ، وأن حل ازمة الكهرباء وغيرها بشكل جذري لن يحقق الا بحل ملفات سياسية متكاملة. حماس تدرك انه لا يوجد لديها إلا ثلاث خيارات، أحلاهما مر، أولهما يتعلق بإتمام المصالحة بين حركة حماس وحركة فتح، الأمر الذي لن يحصل مطلقاً في ظل رئاسة محمود عباس، الذي يعتبر حماس هي السبب في فشله في الحكم وعدم تحقيقه أي من الانجازات السياسية.

أما الخيار الثاني وهو التوجه نحو إسرائيل والعمل على إيجاد اتفاقية معها، وهذا الخيار صعب جداً تحقيقه، لسبب أن حماس سوف تسير على ذات الدرب الذي سارت عليه حركة فتح، وستكون حماس مضطرة للاعتراف بدولة إسرائيل، وبالتالي سوف تفقد حماس جماهيرتها وقاعدتها الشعبية وسوف تتهم بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، وهذا تماما ما فتئت حركة حماس باتهام حركة فتح والسلطة منذ تأسيسها.

أما الخيار الثالث والأخير هو التوجه نحو مصر والاعتراف ضمنياً بشرعية النظام المصري هناك والابتعاد لدرجة الانسلاخ عن الحركة الأم “الاخوان المسلمين.” لعل لقاء إسماعيل هنية والوفد المرافق له برئيس جهاز المخابرات المصرية بتاريخ 25 يناير 2017 سوف يخفف الضغط الحالي على القطاع، حيث هناك بعض المعلومات غير المؤكدة التي تفيد بأن حركة معبر رفح سوف تتحسن وأن مصر سوف تبني محطة كهرباء بتمويل من دولة الامارات تغطي جميع إحتياج قطاع غزة، وعليه يجب على حماس التعاون بشكل كامل مع متطلبات الدولة المصرية وأهمها الأمنية.

ومن بين جميع الخيارات، يبدو الخيار الأخير الأكثر قابليةً للنجاح، وقد يوفر لحماس حلاً لأزمة الكهرباء بأقل عددٍ من الخسائر السياسية.