وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اللواء حفتر: حيوات عديدة

هل هو بطل؟ أم خائن؟ أم مرتزقة؟ أم مصلح حقيقي؟ من الصعب تصنيف اللواء خليفة بلقاسم حفتر، الذي يعتبر شخصية بارزة نشأت من الفوضى المستمرة في ليبيا.

يمتاز هذا الرجل بالفعل بتعدد الأرواح حيث نجى من الموت مرات لا تحصى. وتماماً مثل الحرباء، غيّر جلده بشكلٍ متكرر. يعتبر حفتر طائر الفينيق للبلاد، الذي يعود دوماً من الهزيمة، على الرغم من أنه لم يحقق إنجازاتٍ متتالية. ومع ذلك، يستمر اللواء المراوغ، بالرغم من أنه تخطى السبعين عاماً، في المحاولة.

ينتمي حفتر لجيل معمر القذافي، حيث ولد في شرق ليبيا في الأربعينات من القرن الماضي، وينتمي إلى قبيلة الفرجان. درس في الأكاديمية العسكرية الملكية في بنغازي، حيث التقى القذافي، ومن ثم تلقى المزيد من التدريب في مصر الناصرية والاتحاد السوفياتي، مما أثر فيه في سنواته الأولى.
انضم إلى القذافي عام 1969 أثناء الإنقلاب وبات أحد الضباط الأحرار الذين أسسوا الجمهورية، ومن ثم شارك في الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 ووصل إلى رتبة عقيد في الثمانينات، عندما شارك في غزو ليبيا لتشاد. هُزم في عام 1987 وتم أسره إلى جانب مئات من قواته من قبل القوات التشادية التي تسللت إلى الأراضي الليبية (تنتمي تلك الأحداث إلى “حرب تويوتا”).

ولأسباب لا تزال غير واضحة، تخلى القذافي عنه وعن رجاله ورفض التفاوض مع تشاد. تواصلت وكالة الإستخبارات المركزية (سي أي أيه) مع حفتر في السجن، حيث لم يكن إقناعه بالتعاون معها أمراً صعباً: وبالتالي أصبح الرجل الثوري الإشتراكي الذي ينادي بالقومية العربية عميلاً لوكالة الاستخبارات المركزية. وبعد مرور عام، تم تمويله من قبل الحكومة الأمريكية لتأسيس جيش في نجامينا يهدف إلى الإطاحة بالقذافي. كانت تلك بداية الجيش الوطني الليبي (LNA) الذي يدعي قيادته في ليبيا اليوم. كان الهدف بأن يصبح الجيش الوطني الليبي الجناح العسكري للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا (NFSL)، وهي جماعة معارضة بقيادة محمد يوسف المقريف، الذي أصبح فيما بعد حزب الجبهة الوطنية.

ومع ذلك، في عام 1990، أدى الانقلاب في تشاد إلى تربع إدريس ديبي، حليف القذافي على رأس سلطة البلاد. وبالتالي، تم إجلاء حفتر ورجاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، أولاً إلى نيجيريا، ومن ثم إلى زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية حالياً)، ومن ثم إلى كينيا، وأخيراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي باتوا مشردين وانتشروا في جميع أرجاء البلاد، حيث حصل العقيد المهزوم على الجنسية الأمريكية واستقر في فيرجينيا في بلدة يقطنها عدد كبير من موظفي وكالة الاستخبارات المركزية، حيث سُمح له بإنشاء معسكر تدريبي للجيش الوطني الليبي.

وفي عام 1994، استقال حفتر من الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا وأنشأ حركة الإصلاح والتغيير الليبية، إلا أنه لم يكتب لها النجاح إلا أنّ حفتر استمر في التخطيط للإنقلاب في ليبيا وتعود آخر محاولاته ضد القذافي إلى عام 1996 قبل أن يختفي من المشهد العام.

كان هناك محاولة ثانية لإغتياله في تموز، إلا أنه بعد ذلك اختفى تماماً عن شاشات الرادار. وبعد عام من ذلك، نشر خارطة طريق لإجتثاث ليبيا من الخراب، إلا أنّ أياً أخذه على محمل الجد.

لقد فشل كثيرون في إدراك أن حفتر يتمتع بقاعدة كبيرة من الدعم بين أعضاء سابقين في الجيش الليبي ممن قاتلوا ضد القذافي عام 2011، والذي شعروا بالتهديد مع بدء الإسلاميين “تطهير” البلاد من عناصر “النظام السابق”. كما كان قادراً على استمالة قبيلة الزنتان (من القبائل القوية غرب ليبيا) إلى صفه في حربه ضد الإسلاميين، فضلاً عن عدد من رجال الأعمال. صوّر حفتر نفسه على أنه مخلص ليبيا (وكأنه السيسي لكن في ليبيا) من الجماعات الإسلامية التي تنشر الفوضى في البلاد.

جعله هذا يعود بقوة للظهور إلى العلن في بداية عام 2014. وفي فبراير الماضي، أعلن عبر التلفاز عن بدء “الإنقلاب المتلفز” حيث قام بتصوير شريط فيديو يعرض خارطة الطريق الجديدة وأعلن عن استيلائه على مؤسسات الدولة الليبية. وتماماً كما هو الحال عام 2013، لم يأخذه أحد على محمل الجد، ولم يتم الشروع بالإنقلاب مباشرةً. ومع ذلك، في مايو، شنت قواته غارات جوية على بنغازي وهاجمت طرابلس. سطر ذلك بداية الحرب الأهلية الليبية الثانية.

بعد ذلك بعام، انقسمت البلاد ودُمرت نصف بنغازي بينما اشتعلت النيران في محطات شحن النفط، في حين عزز متطرفوا الدولة الإسلامية من وجودهم. من جهةٍ أخرى، تتنافس في ليبيا حكومتان على السلطة المطلقة: حكومة ذات نزعة إسلامية في طرابلس، وحكومة منتخبة ومعترف بها دولياً في طبرق، حيث يقاتل حفتر لصالح “طبرق”. وفي مارس 2015، قام برلمان طبرق بترقية حفتر إلى رتبة فريق أول ليصبح بذلك قائداً عاماً للجيش الليبي. من جانبها وصفته حكومة طرابلس بمجرم حرب وأكدت أن تعيينه سيؤدي إلى تعقيد الجهود الدولية الرامية إلى تهدئة الأوضاع في البلاد.