وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الجيوسياسة وعناد القادة يحددان اتجاه الحرب في اليمن

 الحرب في اليمن
يمنيون يحفرون قبوراً للأطفال الذين قتلوا بقصف حافلتهم المدرسية خلال غارةٍ جوية للتحالف السعودي. 10 أغسطس 2018. Photo AFP

انتقلت الحرب في اليمن من سيء إلى أسوأ، حيث سجل شهر أغسطس 2018 أكثر الأشهر دمويةً حتى الآن، فقد قُتل ما لا يقل عن 450 شخصاً في الأيام التسعة الأولى من الشهر. وجاء الحادث الأكثر دموية عندما قصف التحالف بقيادة السعودية حافلةً مدرسية تعج بالأطفال، مما أسفر عن مقتل 50 منهم وإصابة 77.

القنبلة المستخدمة أمريكية الصنع ومقدمة من الولايات المتحدة الأمريكية، مما يُضاعف من دعمها للتحالف الذي يُقاتل منذ مارس 2015 لإعادة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً من خلال هزيمة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. ففي 9 سبتمبر، صادق وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على صادرات الأسلحة إلى التحالف، بعد أن زعم أنها تفي بالغرض لتقليل الخسائر بين المدنيين.

إلا أن الجماعات الحقوقية تعارضهم الرأي. فقد قال مايكل بيج، نائب مدير منظمة هيومن رايتس ووتش في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، أن مصادقة بومبيو فشلت في عكس الواقع في اليمن. وأشار إلى أنه لا يوجد دليلٌ واضح على أن التحالف قد حسّن من دقته منذ أن تم تشكيله لأول مرة قبل ثلاث سنوات.

وأضاف بيج أن المصادقة تمنح التحالف الضوء الأخضر لتصعيد هجومه على مدينة الحديدة، الذي يرى العديد من المراقبين أنها قاب قوسين أو أدنى من كارثةٍ مدوية. ومع دخول 70% من بضائع البلاد عبر ميناء الحديدة، فإن القتال المستمر قد يمنع ملايين اليمنيين من الوصول إلى الغذاء والمساعدات. ويبدو أن السعوديين والإماراتيين لا يكترثون لذلك، إذ يعتبرون أن الميناء يستخدم لتهريب الأسلحة إلى الحوثيين.

وقال بيج لفَنَك عبر الهاتف، “هناك قلقٌ كبير من تعرض المدنيين والبنية التحتية المدنية، الضرورية لبقاء الناس على قيد الحياة، لأضرار شديدة في الحديدة بسبب عدم دقة استهداف [التحالف].”

وبالفعل، يستعد المدنيون في الحديدة للأسوأ. ففي 16 أغسطس، ذكرت فايس الإخبارية أن 120 ألف شخصٍ فروا من المدينة. في حين حاول مبعوث الأمم المتحدة الخاص، مارتن غريفيث، وقف تقدم التحالف من خلال تحديد موعدٍ لمحادثات سلامٍ في جنيف في 6 سبتمبر.

ومع ذلك، فشل الحوثيون في الحضور. وقالت الميليشيا في وقتٍ لاحق إنها تريد ضمانات بأن طائرتها لن تضطر إلى الهبوط في جيبوتي لتفتيشها من قبل قوات التحالف. كما طالب الحوثيون بإخلاء بعض مقاتليهم الجرحى إلى عُمان أو أوروبا كشرطٍ مسبق للمحادثات.

وقال غريفيث للصحفيين في مؤتمرٍ صحفي دون الخوض في تفاصيل “كانوا [الحوثيون] يودون الحضور إلى هنا. لم نهيئ أجواء مناسبة بما يكفي لإقناعهم بالحضور.”

وبعد انهيار المحادثات، تحرك التحالف للاستيلاء على جزءٍ من الطريق الرئيسي المتصل بالميناء البحري، مما أدى إلى إضعاف سيطرة الحوثيين على إمدادات المساعدات إلى البلاد. ولتفادي الحصار، فكر العديد من المدنيين في المغادرة، إلا أنه وفقاً لما ذكروا ينطوي الأمر على خطورةٍ كبيرةٍ أيضاً.

فقد قال محمد هادي، وهو أحد سكان الحديدة لميدل إيست آي: “هناك بعض الشوارع الجانبية، إلا أن عبورها ليس آمن لأن الضربات الجوية تستهدف أي سيارة في تلك الشوارع.” وأضاف “من الأفضل البقاء في منزلي في انتظار الموت بدلاً من المغادرة في خضم المعارك.”

في حين أخبرتنا لورا سيلفيا، الصحفية الإيطالية التي عاشت في اليمن حتى تدخل التحالف في عام 2015، أن الحوثيين يحاولون وصف أنفسهم بأنهم واجهة المدنيين. وقالت إن خطاب الحوثيين له صدى لدى المدنيين المحاصرين في الحديدة، حيث ينظر معظمهم إلى السعوديين والإماراتيين باعتبارهم غزاة. ومرةً أخرى، فإن الحوثيين هم ميليشيا متوحشة تسحق جميع أشكال المعارضة في المدن التي تحكمها.

ووجد تقريرٌ حديثٌ للأمم المتحدة أن جميع أطراف النزاع ربما ارتكبت جرائم حرب، بما في ذلك الحوثيين. كما اتهمت المجموعة بإطلاق النيران بشكلٍ عشوائي في المناطق الحضرية وتجنيد أطفال لا تتجاوز أعمارهم ثماني سنوات.

وقالت سيلفيا في هذا الصدد، “يُسيء الحوثيون معاملة الأشخاص الذين لا يؤيدوهم.” وتابعت القول “بل إنهم يجبرون العائلات على التخلي عن أطفالهم للقتال على الجبهات. المدنيون محاصرون ما بين الميليشيات العنيفة والقصف السعودي.”

كما تُشكل التطورات في الجنوب مصدر قلقٍ أيضاً. ففي 6 أغسطس، نشرت وكالة أسوشيتد برس تحقيقاً وجد أن قوات التحالف تعقد صفقاتٍ سرية مع مقاتلي القاعدة. فقد دُفعت الأموال للعديد منهم لحثهم على مغادرة المدن والبلدات بينما تم رشوة آخرين للانضمام إلى التحالف.

زادت هذه التسويات من جرأة تنظيم القاعدة ووضعته على نفس الجانب الأمريكي في الحرب. فالولايات المتحدة الأمريكية متحالفة مع السعودية ضد الحوثيين، وهم من الطائفة الشيعية الزيدية التي تحتقرها القاعدة.

وقال مايكل هورتون، أحد الباحثين في مؤسسة جيمس تاون، وهي مجموعة تحليل أمريكية تتعقب الإرهاب، لوكالة أسوشيتد برس، “من الواضح أن عناصر الجيش الأمريكي تدرك أن الكثير مما تقوم به الولايات المتحدة في اليمن هو مساعدة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهناك الكثير من القلق حول ذلك.”

وأضاف هورتون، “مع ذلك، فإن دعم الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ضد ما تعتبره الولايات المتحدة توسعاً إيرانياً يكتسب أولويةً على محاربة القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بل وحتى تحقيق الاستقرار في اليمن.”

إن الحوثيين والتحالف السعودي محاصرون في معركةٍ خاسرة حصليتها صفر. وتقول سيلفيا إن الحوثيين على استعداد للتنازل عن جنوب البلاد إذا ما استطاعوا السيطرة على الشمال. ومع ذلك، لن يقبل السعوديون أبداً بإبرام اتفاق سلامٍ يشهد حكم الحوثيين لمناطق متاخمة لديارهم.

ومن السهل فهم الدوافع وراء ذلك. ففي 14 سبتمبر، أطلق الحوثيون صاروخاً باليستياً على مصفاةٍ لتكرير النفط في أرامكو السعودية، على الرغم من أن دفاعات المملكة الجوية تمكنت من اعتراضه. ويخاطر الهجوم بمزيد من العداء من قِبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يبدو غير مهتمٍ بالتوسط لإيجاد حلٍ دبلوماسي للحرب.

وفي خضم العنف، لا يزال المدنيون في اليمن يدفعون ثمناً باهظاً. وفي الوقت الحالي، تتجه جميع الأنظار إلى الحديدة، حيث حذرت الأمم المتحدة من أن الصراع الذي طال أمده يمكن أن يتسبب في وفاة 8,4 مليون نسمة. فعلى سبيل المثال لا تشعر سيلفيا بالتفاؤل بأن الأشخاص الأكثر حكمة سينجحون. “جميع اليمنيين يعرفون أن أياً من الطرفين مستعدٌ للتراجع.” وأضافت “برأيي، ستصل البلاد إلى حربٍ فانية آخيرة في الحديدة أو في العاصمة صنعاء.”