وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

أسعار النفط العالمية عرضة للخطر في أعقاب الهجمات على أرامكو السعودية

Aramco oil company
موظفون من شركة أرامكو للنفط يقفون بالقرب من منشأةٍ تضررت بشدة في محطة خريص لتكرير النفط في المملكة العربية السعودية في 20 سبتمبر 2019. Photo: Fayez Nureldine / AFP

منذ الهجوم على منشأة النفط السعودية الرئيسية في 14 سبتمبر 2019، تسبب تأرجح الأسعار في أسواق النفط في حدوث ارتباكٍ بين المشترين والمستثمرين.

فقد انخفض سعر النفط بأكثر من 2,6% في 25 سبتمبر، بعد أن أعلنت المملكة العربية السعودية أن إنتاج النفط سيعود إلى طبيعته في الأسبوع التالي على الرغم من الأضرار التي لحقت بالمنشأة.

صدر هذا الإعلان بعد تقارير متضاربة في اليوم السابق مفادها أن استئناف الإنتاج الطبيعي سيتغرق شهوراً.

فقد أصاب الهجوم المتتالي بالطائرات المُسيّرة والقذائف محطة بقيق وحقل خريص في المنطقة الشرقية، حيث أعلن المتمردون الحوثيون في اليمن مسئوليتهم عن الهجوم، بيد أن الولايات المتحدة، إلى جانب كلٍ من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، ألقت باللوم على إيران.

منذ ذلك الحين، تصاعدت التوترات في الشرق الأوسط، فضلاً عن زيادة البنتاغون إنتشار قواته الصغيرة دعماً للدفاعات السعودية.

ومن الجدير بالذكر أن مُلكية المنشأة النفطية تعود لشركة الطاقة المملوكة للدولة، أرامكو السعودية، التي تُمثل حوالي 5% من إنتاج العالم من النفط.

وقال لودوفيك ليروي من المعهد الفرنسي للبترول “يرجع معظم التقلب المفاجىء إلى مخاوف السوق التي قد تكون منطقية إلى حدٍ ما.”

وأضاف “على سبيل المثال، تغريدة من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أو تصريح ما من المسؤولين السعوديين، حتى وإن لم يكن واقعياً، قد يكون كافياً لرفع الأسعار بعدة دولارات.”

يعد استقرار الأسعار غاية في الأهمية للاقتصاد العالمي وخاصة المستثمرين من أجل التنبؤ بدقةٍ بالتكاليف. وبكل تأكيد، تؤثر أسعار النفط على الأعمال التجارية.

وبحسب ما ورد، كانت أرامكو السعودية تمتلك 50 مليون برميل من احتياطي النفط المخزّن قبل الهجوم وما مجموعه 80 مليون برميل من النفط القابل للاستخدام وغير القابل للاستخدام في الموانىء العالمية.

فالشركة تحرص على الحفاظ على مستويات التصدير حتى وإن توجب عليها الاعتماد على الاحتياطيات. ومع ذلك، قد تضحي بالمنتجات التصديرية وتخفض التكرير لتوفير النفط الخام. وبحسب ما ورد أيضاً ستستأنف الإنتاج في حقول النفط البحرية وتطلب من العملاء أخذ أصناف مختلفة من النفط الخام.

وأشار ليروي إلى أن “المسؤولين السعوديين يتواصلون بسرعة كبيرة لطمأنة السوق و[خاصة] أسواق آسيا، أكبر عميل سعودي للنفط الخام.”

فقد كان الحد من العرض استراتيجيةً رئيسية لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) للحفاظ على أسعار النفط من الانخفاض، كما ارتفعت أسعار خام برنت بنسبة 18% هذا العام.

ومع الاحتياطيات الحالية للمملكة وكذلك الاحتياطيات من الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة، فإن الخط الرسمي هو كفاية الإمدادات لضمان استمرارية السوق.

في حين قال أحد المصادر لوكالة رويترز للأنباء إن المملكة العربية السعودية استعادت بالفعل أكثر من 75% من إنتاج النفط الخام المفقود.

بينما قال ليروي إن الشعور بالريبة حول هذا البيان أمرٌ مفهوم بالنظر إلى أن المستوردين مثل الصين يحصلون على أصناف مختلفة من النفط الخام – المتوسط بدلاً من الخفيف – وأن أوقات انتظار ناقلات النفط العملاقة أو ناقلات النفط الخام الكبيرة جداً في تزايد.

ومع حاجة المحطة إلى ما يصل إلى 1,8 مليار دولار لإصلاحها، ومع الأخذ بعين الاعتبار صور الأقمار الصناعية والصور التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، قدر ليروي أن الأمر سيستغرق ثمانية أشهر لاستئناف مستويات الإنتاج إلى سابق عهدها قبل الهجوم.

وقال “من وجهة نظري، يمكننا بالتأكيد إثارة بعض المخاوف بشأن صحة البيانات الرسمية وقدرة المملكة على الوفاء بعقود التوريد،” مضيفاً أن هناك شكوكاً حول قدرة الدولة النفطية على تلبية الطلب المحلي.

وقبل الهجوم، لم يكن هناك أي مشاكل بالإمدادات، ولهذا السبب لم تُثر القضايا التي تؤثر على الدول الأخرى المنتجة للنفط – الأزمة الاقتصادية والسياسية في فنزويلا، والحرب في ليبيا، والعقوبات الأمريكية ضد صادرات النفط من إيران – مخاوف فيما يتعلق بالإمدادات. ومع ذلك، تغير هذا الآن.

كما تأثرت أسعار النفط أيضاً بضعف نمو منطقة اليورو وبيانات التصنيع المتباطىء.

وبحسب ما يقوله ستيفن برينوك من شركة بي في إم: “عادت علاوة المخاطر الجيوسياسية مع الانتقام وعادت التنمية المرتبطة بجانب العرض مرةً أخرى إلى دائرة الضوء.”

وأضاف “في حين كانت منشآت النفط السعودية تحترق، كانت احتمالية حدوث انقطاعٍ جديد في نيجيريا وليبيا وفنزويلا تواصل هيمنتها على السوق.”

ومع تقلب أسعار النفط، هناك في نهاية المطاف رابحون وخاسرون، فقد كانت الهند وتركيا من بين أكثر الدول تأثراً بارتفاع أسعار النفط وتناقص العرض، إذ تستورد الهند، التي تعتمد بشدة على النفط ولم تحقق مكاسب كفاءة استخدام الطاقة التي شوهدت في بلدان أخرى، أكثر من 80% من نفطها.

تركيا أيضاً مستوردٌ كبير، حيث تستورد حوالي 85% من نفطها. إن تأثير كل زيادة بنسبة 10% في سعر النفط من شأنه أن يزيد من العجز في الحساب الجاري للبلدان بمقدار نصف في المائة.

من ناحيةٍ أخرى، ستكون روسيا مستفيداً واضحاً من ارتفاع أسعار النفط، حيث يتحسن رصيدها بنسبة 1,2% من الناتج المحلي الإجمالي لكل زيادة في الأسعار بنسبة 10%. في حين أن انخفاض أسعار النفط سيكون له تأثير معاكس.

وفي النهاية، سيتأثر دخل المملكة العربية السعودية. وعلاوةً على ذلك، فإن أي تعزيز للاكتتاب العام الأولي المقترح لأسهم أرامكو السعودية، والذي يمثل أداة التمويل الرئيسية لرؤية المملكة 2030 للمساعدة في تنويع اقتصاد البلاد بعيداً عن النفط، بات معلقاً الآن.

تبلغ مخزونات النفط في حالات الطوارىء من الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة 1,55 مليار برميل في الوكالات التي تسيطر عليها الحكومات و2,9 مليار برميل من مخزونات الصناعة التي يمكن أن تُضاف إلى المعروض العالمي إذا لزم الأمر. وفي بيان صدر مؤخراً، أكد فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، على أهمية أمن الطاقة لحماية الأسواق والاقتصاد من ضرباتٍ مشابهة على السعودية.

وقال: “الأحداث الأخيرة تذكيرٌ بأن أمن النفط لا يمكن اعتباره أمراً مفروغاً منه، حتى في الأوقات التي يتم فيها تزويد الأسواق على نحوٍ كافٍ، وأن أمن الطاقة يظل ركيزة لا غنى عنها للاقتصاد العالمي.”

وأضاف “لهذا السبب لا تزال الوكالة الدولية للطاقة متيقظة بشأن خطر حدوث انقطاعٍ في إمدادات النفط العالمية، سواء كانت ناجمةً عن أحداث مناخية قاسية مثل الأعاصير أو الانقطاعات التقنية الرئيسية أو الأزمات الجيوسياسية، وهي على استعداد للتصرف عند الحاجة”.

كما أشار ليروي إلى أن تكاليف الإنتاج في أرامكو السعودية كانت من بين أدنى الأسعار على مستوى العالم، وذلك استجابةً للطلب المنخفض بشكلٍ عام وطلبات خفض الأسعار. كما لم يكن الإلتزام بطلبات تكاليف الإنتاج من أوبك ساري المفعول كما كان متوقعاً، بسبب تزايد إنتاج الخام الأمريكي الذي أبقى السوق متمتعاً بتزويدٍ جيد.

وقد يظهر ارتفاعُ في التكاليف وارتفاعٌ في الأسعار إذا ما فشلت المملكة العربية السعودية في تزويد عملائها. وكما يقول ليروي، “من الواضح أن هذا لن يكون إيجابياً للمملكة حيث إنها ستخسر حصتها في السوق، الذي يبدو اليوم أهم هدف للمملكة العربية السعودية.”

بالنظر إلى الهدف ومدى اتساع الهجوم، ظلت أسعار النفط مستقرة نسبياً. ومع ذلك، قد تكون هناك مخاوف قائمة على أسسٍ قوية تلوح في الأفق، بالنظر إلى الرسائل الأقل وضوحاً حول الأضرار التي لحقت بالمنشأة السعودية وقدرتها على الوفاء بالتزامات التوريد. في الواقع، يمكننا أن نرى ارتفاع أسعار النفط بشكلٍ أعلى من المعتاد في حين أن أي ضرباتٍ أخرى في الدول المنتجة للنفط يمكن أن يقلب كفة الميزان.