وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حفتر ينتزع السيطرة على الجنوب وعيناه على طرابلس

Libya- Libyan National Army
أفراد من القوات الخاصة التابعة للجيش الوطني الليبي المعلن ذاتياً أثناء حفل تخرجٍ في بنغازي في 31 ديسمبر 2018. Photo AFP

تحول ميزان القوى لصالح الجنرال خليفة حفتر وجيشه الوطني الليبي المُعلن ذاتياً، منذ تقدمه في جنوب ليبيا في يناير 2019.

فالجنوب الغربي، المعروف باسم فزان، هو موطن لعدة قبائل، والميليشيات والمهربين، حيث يتنافس معظمهم على النفوذ في المنطقة المهملة سياسياً واقتصادياً. كما يُعتقد أن الجماعات الإرهابية، مثل خلايا تنظيم الدولة الإسلامية، تستغل الفوضى هناك.

وفي حين أن العديد من البلدان دعمت تقدم حفتر، إلا أنه يبدو من الواضح أن فرنسا هي الداعم الأقوى لعملية فزان، حيث لطالما نظرت باريس إلى حفتر باعتباره حامي الحمى ضد الإرهاب.

كما أعربت الإمارات العربية المتحدة ومصر والسعودية وروسيا عن دعمها للعملية على الرغم من تاريخ الجيش الوطني الليبي في ارتكاب جرائم حرب في بنغازي ودرنة. هذا الدعم من العديد من اللاعبين الإقليميين دفع حفتر إلى طليعة أي حلٍ سياسي في المستقبل.

حتى إيطاليا، التي اصطدمت مع موقف فرنسا في ليبيا، لم تعارض مناورات حفتر. وبدلاً من ذلك، يبدو أن روما تدور حول محور حفتر أيضاً لحماية مصالحها من النفط والغاز ومنع الهجرة إلى إيطاليا.

في النهاية، يعتبر النفط أهم ورقة مساومةٍ بالنسبة لحفتر. فمنذ الاستيلاء على فزان، استولى الجيش الوطني الليبي على حقلي الشرارة والفيل، اللذان ينتجان ما مجموعه 430 ألف برميل يومياً أو ما يقرب من نصف إنتاج ليبيا الحالي من النفط. ولا تزال شركة النفط الوطنية التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، والمتحالفة مع الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة والتي تنافس حفتر، تدير مخزون النفط، ولكن بإمكان حفتر وقف الاقتصاد بأكمله بوقفه تدفق النفط.

ومنذ استيلاء حفتر على الجنوب، بدأ الدبلوماسيون الأمريكيون أيضاً في إدراج الجنرال الفاسد كشخصيةٍ مركزية في أي خطة لإعادة توحيد البلاد. فقد كتب فريدريك ويري، الخبير الأمني بالشأن الليبي، أن واشنطن ألقت بثقلها وراء جهد الأمم المتحدة لتحويل حملة حفتر إلى “قوة دفعٍ لمؤتمرٍ للحوار والانتخابات الوطنية في وقتٍ لاحق من هذا العام.”

تعتمد هذه الخطة على الداعمين الخارجيين لحفتر، ولا سيما الإمارات العربية المتحدة، الذين يدركون أن الجيش الوطني الليبي لن يكون قادراً على الوصول إلى طرابلس دون تحمل خسائر كبيرة وإحداث انهيارٍ كامل للدولة.

وفي هذا الصدد، أشار ويري، “الجيش الوطني الليبي أكثر انقساماً من الدعاية التلفزيونية التي نقلها [حفتر]، فخطوط إمدادته غير كافية وقد يواجه مقاومةً من بعض الميليشيات في طرابلس وضواحيها.”

ويبدو أن أبو ظبي تعتقد أن حفتر أفضل حالاً في التفاوض على صفقةٍ جديدة لتقاسم السلطة بدلاً من شن حربٍ شاملة. وفي أواخر فبراير، دعت الإمارات حفتر ورئيس الوزراء المعترف به دولياً فايز السراج لإجراء محادثات سلام. لكن حتى هذا الترتيب، إلى جانب الديكتاتورية، يمكن أن ترفضه الميليشيات المتنافسة في طرابلس ومصراتة.

LIBYA Civil War 2019 AR 3000
المصدر: Wikipedia, southfront.org and European Council on Foreign Relations. اضغط للتكبير. @Fanack ©Fanack CC BY 4.0
ومع ذلك يبدو أن حفتر قد حصد بعض الحلفاء الجدد بعد الاستيلاء على منطقة مرزق الصحراوية وحقولها النفطية في فبراير 2019. فقد ورد أن سكان مرزق، الذين ضاقوا ذرعاً بالنشاط الإجرامي، رحبوا بالجيش الوطني الليبي بأذرعٍ مفتوحة. ومع ذلك، يقول بعض الشهود إن قوات حفتر ما زالت تنهب وتدمر المنازل بلا رحمة، مما أدى إلى تشريد 140 أسرة. أحمد البالغ من العمر سبعة وعشرين عاماً، وهو أحد سكان مرزق، قال لصحيفة الإندبندنت إن حوالي عشرين أسرة قُتلوا في “ظروف مريبة.”

إحدى المجتمعات التي تقاتل قوات حفتر هي قبيلة التبو، وهي قبيلة أفريقية ذات بشرة سمراء متجذرة في جنوب ليبيا والساحل. فقد استقال أحد أعضاء البرلمان الليبي عن التبو، محمد آدم لينو، بسبب أعمال العنف وادعى أن قوات حفتر كانت تستهدف شعبه بصورة تمييزية. وادعى أن 90 منزلاً قد أحرقت أثناء الهجوم، بما في ذلك منازل شقيقه ووالده.

وعلى الرغم من الجرائم، تفاوض حفتر بوضوح مع عددٍ كافٍ من القبائل والمجتمعات للحفاظ على السلطة في الجنوب. خضع البعض منهم إلى حفتر بدافع اليأس وذلك بفضل عجز حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً. كما أيد آخرون قوات حفتر لتسوية الحسابات مع خصومهم.

ورغم أنها ليست منقسمة، فقد صوتت بعض المدن الغربية التي تضم ميليشيات مسلحة على دعم حفتر، رغم أنها تخضع تقنياً لسيطرة حكومة الوفاق الوطني. وهذا هو الحال في صبراتة، حيث أبلغت أقوى ميليشيات البلدة ويري أنهم يريدون أن “يستعيد الجيش النظام.”

وبحسب ما أشار ويري، “تناقضاتٌ متعددة تزخر بها هذه الرواية. يقول حفتر إنه يبني مؤسسات الدولة ويقاتل الميليشيات، لكنه في الواقع اعتمد اعتماداً كبيراً على الميليشيات المحلية في تقدمه.”

ومع ذلك، لا تزال مدنٌ أخرى تعارض حفتر بشدة. ومن الأمثلة على ذلك مدينة سرت، المدينة التي ينتمي إليها الدكتاتور القتيل معمر القذافي. فبعد تقدم قوات حفتر نحو المدينة، أعلنت قوة حماية سرت حالة الطوارىء في 10 مارس.

وقال مصدرٌ مقرب من الجيش الوطني الليبي للصحافيين إن الاستفزاز كان يهدف إلى اختبار مدى قوة قوات حماية سرت، حيث ردت قوات حماية سرت بإرسال وحداتٍ للقيام بدورياتٍ في جنوب وغرب سرت. وقال قائد قوة حماية سرت، النعاس عبد الله، “تقدم قوات حفتر هو انتهاكٌ أمني للحدود الإدارية لسرت.”

وبالطبع، فإن الأمر الأكثر أهمية هو أن حفتر استمر في الإشارة إلى أنه يستعد لشن هجومٍ شامل على طرابلس. وقال الناطق باسم الجيش الوطني الليبي، أحمد المسماري، في الشهر الماضي فحسب إن الانتخابات يمكن أن تتم فقط عندما تكون البلاد بأكملها “آمنة.”

وقال محمد الجراح، الشريك المؤسس لـ Libya Outlook للبحوث والاستشارات، وهو مركز أبحاثٍ مقره الشرق، “يجب ألا نشك في أن كل ما فعله حفتر حتى الآن هو الوصول إلى طرابلس، ليكون الرجل في طرابلس،” وأضاف، “من المحتمل أن يواصل التخطيط للاستحواذ عليها سواء بشكلٍ سلمي أو عنيف.”

وعلى الرغم من دعم الانتخابات لتجنب إراقة الدماء، قال حفتر إن صبره ينفذ وأن لديه خلايا نائمة يمكن أن ينشطها في غرب ليبيا في محاولةٍ للاستيلاء على العاصمة. ومن وجهة نظر العديد من المراقبين والمساعدين السابقين، من الواضح أن حفتر يريد فحسب أن يظفر بالسلطة المطلقة.

وقال محمد بويصير، وهو مهندسٌ مقيم في الولايات المتحدة وكان مستشاراً مقرباً جداً من حفتر بين عامي 2014-2016 قبل أن يتخاصم معه، “يريد الوصول إلى أحد القصور الكبيرة في طرابلس وحكم ليبيا – هذا هو الأمر.”