وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تشدد الموقفين الإيراني والأمريكي يثير تساؤلات حول فاعلية تكتيكات الجانبين التفاوضية

تشدد الموقفين الإيراني والأمريكي
صورة تم التقاطها يوم ٢٠ أغسطس ٢٠٢٠ ويظهر فيها مبنى المفاعل النووي الموجود ضمن مجمّع بوشهر للطاقة النووية. وتتواجد مدينة بوشهر جنوب إيران وعلى بعد ١٢٠٠ كم من العاصمة طهران. المصدر: AFP PHOTO/ATTA KENARE.

نشر الصحفي البارز جيمس دورسي مقالة على مدونته الشخصية سلّط فيها الضوء على تمسك كلّ من إيران والولايات المتحدة بموقفهما المتشدد إزاء المفاوضات والعودة إلى الاتفاق النووي.

وبحسب دورسي، فإن إيران والولايات المتحدة يعملان، على ما يبدو، على تعزيز موقفهما قبيل استئناف المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي الدولي المبرم عام 2015 بعد تولي الرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي منصبه في أوائل أغسطس الجاري.

وقد تكون مخاوف داعمي اتفاق تقييد برنامج إيران النووي، الذي انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 2018، سابقة لأوانها لكنها تثير تساؤلات حول مدى فاعلية تكتيكات التفاوض لدى الجانبين.

وتشمل هذه التكتيكات وضع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إطاراً للمفاوضات، ينصب حصرياً على مخاوف الغرب وحلفائه في الشرق الأوسط دون تضمين المخاوف الإيرانية أيضاً. ويرى دورسي أن هذا الأمر يعد فشلاً من الجانبين الإيراني والأمريكي في الاعتراف بكون عملية رفع العقوبات معقدة وبحاجة لأن يتم أخذها بعين الاعتبار في المفاوضات، فضلاً عن رفض إيران توضيح الشروط التي تجعلها مستعدة للتفاوض بشأن الملفات غير النووية بمجرد إحياء الاتفاق النووي.

وستبرز نقاط الخلاف في المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران إذا ما استؤنفت المحادثات، خاصةً تلك التي تتعلق بآليات رفع العقوبات.

وقال المحلل الإيراني اسفنديار باتمانجليج: “تعد التحديات التي تواجه مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) مثالاً واضحاً على أن الفشل في رفع العقوبات، كما حدث بين إدارتي أوباما وترامب، يمكن أن يلقي بظلاله على جهود الدبلوماسية لسنوات قادمة، ما سيجعل تأمين المصالح الأمريكية أمراً أكثر صعوبةً”.

وربما تستجيب إدارة بايدن لفكرة السيد باتمانجليج بأن صياغة العقوبات يجب أن تأخذ في الاعتبار حقيقة أن رفعها يمكن أن يكون صعبًا مثل فرضها لأنها تفكر في فرض إجراءات عقابية إضافية أكثر استهدافًا ضد إيران. وتهدف هذه الإجراءات إلى إعاقة تطور قدرات إيران على توجيه الضربات الدقيقة باستخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ الموجهة من خلال التركيز على مزودي قطع أنظمة الأسلحة هذه ، وخاصة المحركات والإلكترونيات الدقيقة.

ولكي تكون متأكداً، ما من رغبة واضحة لدى كل من طهران وواشنطن لتعديل تكتيكات التفاوض وتغيير افتراضاتها الأساسية. وسيشكل هذا تحدياً هائلاً، ما لم يكن مستحيلاً، نظراً للبيئة السياسية في كلا العاصمتين. وانعكس هذا على البيانات الأمريكية والإيرانية خلال الأيام الأخيرة.

وأشار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي إلى أن الاتفاق على إحياء الصفقة النووية يتعثر بسبب طلب أمريكي يتجاوز شروط الاتفاق الأصلي. وبحسب خامنئي، فإن الطلب الأمريكي يهدف إلى ربط المفاوضات بمدى استعداد إيران لمناقشة برنامج الصواريخ البالستية التابع لها ودعمها لوكلائها العرب.

وفي كلمة أمام حكومة الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، أكد خامنئي أن الغرب “سيحاول ضربنا في كل مكان يستطيع فيه فعل هذا. وإذا لم يوجه ضربات لنا في بعض الأماكن، فهذا لأنه لا يستطيع.. يقولون، على الورق وفي وعودهم، إنهم سيزيلون العقوبات. لكنهم لم ولن يرفعوها. هم يفرضون شروطاً…كي يقولوا في المستقبل إن إيران خرقت الاتفاق، وإنه لم يعد هناك اتفاق” إذا ما رفضت إيران مناقشة القضايا الإقليمية أو برنامج الصواريخ البالستية.

ويصر المسؤولون الإيرانيون على عدم مناقشة أي شيء في هذه المرحلة قبل عودة الدولتين إلى الاتفاق النووي كما هو. وألمح المسؤولون، الذين لا يثقوا في النوايا الأمريكية، إلى أن العودة غير المشروطة للوضع السابق قد يفتح الباب أمام التفاوض بشأن الصواريخ والوكلاء شريطة ألا يشمل هذا فقط الأفعال الإيرانية وبرامجها بل يتضمن أيضاً ما يتعلق بحلفاء الولايات المتحدة.

ويبدو أن تصريحات خامنئي تعزز التوقعات، التي تفيد بأن رئيسي سيسعى إلى قلب الطاولة على إدارة بايدن عبر الإصرار على اعتراف الولايات المتحدة بالاتفاق النووي وتطبيق الجزء الخاص بها في الاتفاقية المعاد إحيائها.

ولتحقيق هذا، من المتوقع أن تطالب إيران برفع كل العقوبات بدلاً من رفع بعض العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب أو مدت فترة صلاحيتها. كما أنّ طهران بحاجة تأكيد صحة رفع العقوبات؛ وضمان أن رفع العقوبات لا رجوع فيه، غالباً عبر جعل أي انسحاب أميركي مستقبلي من الاتفاق مشروط بموافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وإلى جانب ذلك، فإن إيران تطالب ببنود راسخة لضمان إزالة العقوبات من أمام التجارة الإيرانية، بما في ذلك قدرة البلاد على الوصول الحر إلى النظام المالي العالمي وحسابات إيران خارج البلاد.

وترددت أصداء تصريحات خامنئي والتوجه المتشدد المتوقع لرئيسي في تحذيرات المسؤولين الأمريكيين من أن هيمنة الرئيس الجديد لن تأت لإيران بصفقة أفضل. وحذر المسؤولون من أننا قد نصل قريباً إلى نقطة، يصعب عندها العودة إلى الاتفاق السابق لأن برنامج إيران النووي سيكون حينها قد تطور لدرجة تجعل القيود، التي يفرضها الاتفاق، غير قادرة على الحفاظ على “مهلة العام الواحد” كحد أدنى، وهي الفترة التي تحتاجها إيران لإنتاج يورانيوم مخصب لتصنيع قنبلة.

وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في زيارة إلى الكويت خلال الأسبوع الجاري: “نحن ملتزمون بالدبلوماسية، لكن هذه العملية لا يمكن أن تمضي إلى أجل غير مسمى. عند نقطة ما، لن نتمكن من استعادة جميع المكاسب المتحققة بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة عبر العودة إلى ذات الاتفاق إذا ما واصلت إيران نشاطاتها المتعلقة ببرنامجها النووي.. لا تزال الكرة في ملعب إيران، وسنرى إذا ما كانوا مستعدين إلى اتخاذ القرارات الضرورية للامتثال مجدداً (للقيود)”.

واقترح مسؤول آخر أن الولايات المتحدة وإيران قد ينزلقان إلى حرب أشبه بسباق شد الحبل للمراهنة على صاحب النفس الأطول القادر على الصمود والتمسك بموقفه. وهي حربٌ لم تؤتِ بثمارها المتوقعة بالنسبة للولايات المتحدة، ودفعت فيها إيران ثمناً ثقيلاً مقابل تمسكها بموقفها.

وقال المسؤول إن انهيار المحادثات يمكن أن “يشبه إلى حد كبير استراتيجية المسار المزدوج في الماضي – ضغوط العقوبات، وأشكال أخرى من الضغط، وعرض مستمر للمفاوضات. وسيكون السؤال عن المدة التي سيستغرقها الإيرانيون لإدراك فكرة أنهم لن ينتظرونا”.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

ملاحظة

تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://mideastsoccer.blogspot.com/ في 30 يوليو 2021