وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

القمع الشرس في المغرب يُشعل الاضطربات

Morocco- Hirak shaabi
إحدى المتظاهرات المغربيات تلف جسدها بعلم الريف في مظاهرةٍ ضد سجن نشطاء الحراك الشعبي في العاصمة الرباط في 15 يوليو 2018. Photo AFP

أصدر الملك محمد السادس، خلال الربيع العربي، إصلاحاتٍ شاملة لقمع المعارضة الشعبية، بما في ذلك التنازل عن بعض السلطة للبرلمان والاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية للأمازيغ، السكان الأصليين لشمال أفريقيا.

ومع ذلك، استمر الاستياء في التفاقم، وبلغ ذروته في انتفاضةٍ استمرت ثمانية أشهر في منطقة الريف المهمشة تاريخياً والأمازيغية في المقام الأول، منطقة الريف. فقد انفجرت الاحتجاجات في أكتوبر 2016 عندما دخل تاجر أسماكٍ، محسن فكري، في شاحنةٍ لجمع القمامة لاسترداد مخزونٍ من سمك أبو سيف صادرته السلطات. سحقت الشاحنة الضاغطة فكري حتى الموت بداخلها، بأمرٍ من الشرطة، على ما يبدو.

وعليه، قامت الشرطة بشن حملة قمعٍ عنيفة بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، وضرب المحتجين بالهراوات واعتقال المئات من الأشخاص.

وبحلول نوفمبر 2017، كان من الواضح أن حملة القمع في الريف دفعت مئات الشبان من المنطقة إلى الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، على أمل العثور على حياةٍ أفضل. وقد أجرت صحيفة الجارديان، وهي صحيفة بريطانية، مقابلاتٍ مع طالبي اللجوء في مدينتي ألخيسيدراس وطريفة الإسبانية، حيث اتجهوا في الصيف.

إذ قال أحد الرجال للصحيفة “ضربتنا شرطة مكافحة الشغب المغربية خلال الاحتجاجات. هناك آثار للضرب على يدي. نحن خرجنا بحثاً عن عمل. لا يوجد وظائف في الريف.”

استمر القمع القاسي في المغرب حتى عام 2018، ولكن هذه المرة تصدرت مدينة جرادة الجنوبية المهملة عناوين الصحف.

فقبل أكثر من 20 عاماً أغُلق منجم الفحم المغربي، مما ترك معظم السكان في جرادة عاطلين عن العمل. وعلى الرغم من وعود الحكومة بتطوير المدينة، لم يتحقق أي شيء. وبدلاً من ذلك، تُرك عمال المناجم دون خيارٍ آخر سوى استخراج الفحم باليد من “مناجم الموت” في جرادة، لبيعها للمسؤولين الفاسدين مقابل بضع دراهم.

في نهاية المطاف، استفحلت المظالم التي طال أمدها في ديسمبر 2017، عندما توفي رجلان بعد أن حوصرا في مهواة منجم مهجور. استمرت الاضطرابات حتى مارس 2018، إلى أن سحقت قوات الأمن المظاهرات بقوة مفرطة.

فقد أفادت هيومن رايتس ووتش بأن شرطة مكافحة الشغب داست بشاحنةٍ صغيرة صبياً يبلغ من العمر 16 عاماً. كما اقتحم رجال الشرطة المنازل وضربوا عدة رجال قبل نقلهم بعيداً. وأثناء إجراء أبحاثها، قالت هيومان رايتس ووتش إن موظفيها كانوا يتعرضون لمراقبةٍ لصيقة من قبل قوات الأمن، مما أدى إلى تخويف الناشطين من التعاون مع المنظمة.

وقالت المنظمة الحقوقية في تقريرها أن “باحثي هيومن رايتس ووتش الذين زاروا جرادة في الرابع من أبريل أوقفوا وجرى استجوابهم عند نقطتي تفتيش أمنيين ثم قاموا بعمليات تفتيش متواصلة طوال اليوم بسيارة بها ثلاثة رجال يرتدون ملابس مدنية.” وأضافت “لاحظ الباحثون تواجداً كثيفاً لقوات الأمن، حيث تم نشر الشرطة المسلحة النظامية في كل شارع رئيسي وساحة في المدينة الصغيرة، فضلاً عن تواجد أكثر من 100 شاحنة شرطة في المنطقة المجاورة.”

وبحلول الصيف، تم الإعلان عن الأحكام الصادرة بحق زعماء الحراك الشعبي المسجونين، وهي حركة شعبية ظهرت في منطقة الريف بعد وفاة فكري. وفي 26 يونيو 2018، حكم على ناصر الزفزافي بالسجن لمدة 20 سنة بتهمة “تقويض النظام العام وتهديد الأمن القومي.” كما صدر نفس الحكم على نبيل أحمجيق ووسيم البستاني وسمير إغيد بالسجن 20 سنة. وحكم على ثلاثة معارضين آخرين بالسجن لمدة 15 سنة. وبالمجمل، حكم على 53 شخصاً بالسجن بعد محاكمة استمرت تسعة أشهر.

أشعلت الأحكام المزيد من الاحتجاجات في أرجاء المغرب. وفي العاصمة الرباط، كانت عائلات المعتقلين من بين عشرات الآلاف من الأشخاص الذين نزلوا إلى الشوارع حاملين لافتات كتب عليها “العدل” و”حرروا النشطاء.”

وقال والد الزفزافي، أحمد، للصحفيين إن ابنه كان في السجن عندما تم إبلاغه بإدانته. وأضاف أحمد أن ابنه لم يكن يهتم إذا ما تم سجنه لمدة 20 أو 30 عاماً، إلا أنه أراد أن يدافع الآخرون عن قضيته. كما أخبر الناشط المسجون والده أن سماع الناس الذين يحتجون على عقوبته جعله فخوراً.
ومنذ صدور الحكم، اتخذت العديد من الخطوات الكمالية لتحديث البلاد. ففي 15 نوفمبر 2018، كشف المغرب عن أول خط سكة حديد فائق السرعة في أفريقيا بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ومع ذلك، لم يُثر الأمر إعجاب النشطاء.

وقالت كريمة نادر، وهي رئيسة مؤسسة صحفية وناشطة، لراديو فرانس إنترناشيونال: “نحن نشتري قطاراً فائق السرعة ليقول العالم أن المغرب بلدٌ متطورٌ للغاية.” وأضافت “نحن بحاجة إلى إصلاح البنية التحتية للقطارات العادية أولاً. نحن بحاجة إلى وسائل نقل عامة في دولةٍ محترمة، ونحتاج إلى المستشفيات والمدارس والوظائف.”

يتفق محمد مصباح، وهو زميل مشارك في تشاتام هاوس، مع ذلك، فقد كتب أن السلطات تستطيع تهدئة المتظاهرين من خلال الحوار وإلغاء المرسوم الملكي الذي اعتبر منطقة الريف منطقةً عسكرية منذ عام 1958. ولكن على المدى الطويل، يكمن الحل فحسب، بحسب مصباح، بالحد من الفساد والحد من الفقر في الريف، وغيرها من المناطق الفقيرة.

ولكن، لا يبدو أن السلطات مهتمة بالحوار، فقد وضع المسؤولون المتظاهرين في الريف ضمن قالب العملاء الأجانب أو الانفصاليين الذين يريدون استعادة جمهورية الريف، التي أعلنها في عام 1921 المناضل المناهض للاستعمار عبد الكريم الخطابي بعد أن قاد بنجاحٍ ثورةً ضد الإسبان.

وبعد خمس سنواتٍ فقط، استخدمت القوات الإسبانية والفرنسية أسلحةً كيميائية ألمانية الصنع لإرهاب المدنيين في المنطقة وتدمير الجمهورية. في ذلك الوقت، لم تثر جمهورية الريف غضب القوى الاستعمارية فحسب، بل أرعبت أيضاً المخزن، السلطة الحاكمة للمغرب وتونس.

انتفض شعب الريف مرةً أخرى في أواخر خمسينيات القرن الماضي، إلا أن الأمير الحسن الثاني، الملك المستقبلي ووالد محمد السادس، شنّ حملةً عنيفة ضد المتظاهرين. كما قام بالتمييز الهيكلي ضد الريف من خلال رفض الاستثمار في الخدمات والبنية التحتية المناسبة لأكثر من 40 عاماً. ألغى محمد السادس تلك السياسة، بيد أن استثماراته فشلت في تحسين مستوى معيشة معظم الناس.

وعلى الرغم من ذلك، كتبت أورسولا لينسي في صحيفة نيويورك تايمز أن هذه شهادة على الانفتاح النسبي للمغرب الذي اعتقد المتظاهرون في الريف أن بمقدورهم التمرد دون عواقب وخيمة. بالطبع، كانوا مخطئين. وكما أثبت التاريخ، فإن قمع المظاهرات لن يقضي على المظالم التي تعد بالاشتعال مرةً أخرى.