وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مرةً أخرى، ولاية هاتاي التركية قاب قوسين أو أدنى من الحرب

الحدود التركية السورية، بالقرب من مدينة الريحانية، هاتاي
أشخاص يلوحون بالعلم التركي أثناء مظاهرة دعماً لعملية الجيش التركي في إدلب بالقرب من الحدود التركية السورية، بالقرب من مدينة الريحانية، هاتاي، في 10 أكتوبر 2017. Photo AFP

لطالما كانت هاتاي على مفترق طرق تاريخ الشرق الأوسط، فالولاية التي تقع ما بين الأناضول وبلاد الشام وتحاذي البحر الأبيض المتوسط، كانت في تركيا الحديثة نقطة إنطلاق حملات الإسكندر الأكبر، كما كانت شاهدةً على الاضطرابات التي عمت المنطقة طوال القرون الماضية منذ ذلك الحين.

وعلى الرغم من موقعها اليوم على طول الحدود السورية التركية، إلا أن جغرافيا هاتاي مثار خلاف. فمنذ ما يقرب من مائة عام، تنازع البلدان على سيادة الولاية، على الرغم من أن الحدود المعترف بها دولياً تضعها داخل حدود تركيا.

واليوم، تعدّ المنطقة من أكثر مناطق البلاد ذات التنوع العرقي، إذ تضم العرب، والتركمان، والأتراك، والمسيحيين، والأكراد، بين سكانها. وفي السنوات الأخيرة، باتت موطن مئات الآلاف من اللاجئين السوريين. وعلى الرغم من أن الحدود حمت الولاية، إلى حدٍ كبير، من العنف في سوريا، إلا أنها لم تنجو من رد الفعل الطائفي السلبي من الحرب.

الولاء للأسد؟

لطالما عُرفت هاتاي بكونها واحدةً من أكثر المناطق تسامحاً في تركيا، كما أنها موطن حوالي ثلث العلاهيون الشيعة. وكثيراً ما يتم الخلط ما بين العلاهيين والعلويين في سوريا، وعلى الرغم من كونهم متطابقين دون شك، إلا أن كلاهما ينحدران من الإسلام الشيعي. وبالتالي، مع اندلاع الحرب في سوريا، اندلعت التوترات العرقية في هاتاي ذلك أن السُنة، التركيبة السكانية المسيطرة في تركيا، استنكرت انتهاكات النظام العلوي للرئيس السوري بشار الأسد. وبدأ البعض في تركيا بالتشكيك في ولاء العلاهيين، الذين لطالما ميزت أنقرة ضدهم.

ومع ذلك، عادةً ما يدعم العلاهيون النظام العلوي في سوريا على التمرد السني بصورةٍ عامة. كما تنشط العديد من الجماعات المؤيدة للأسد في هاتاي، بل تنظم أيضاً مسيراتٍ مؤيدة للرئيس السوري، وذلك ظاهرياً تحت راية “معاداة الإمبريالية.” فقد استقطبت أحد هذه التجمعات في أواخر عام 2012 أكثر من 10 آلاف شخص.

كما ساعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تغذية هذه الانقسامات. فمع انتشار الحرب في سوريا، نمت التوترات السنية- العلاهية في تركيا، فضلاً عن اتهامه، مراراً وتكراراً، لكمال كلتشدار أوغلو، زعيم الحزب الشعبي الجمهوري المعارض، والعلاهي أيضاً، بكونه مؤيداً للأسد، الذي تُسيطر أسرته العلوية على السياسة السورية منذ عقود.

وباعتراف الجميع، يتمتع حزب الشعب الجمهوري بعلاقاتٍ أكثر دفئاً مع النظام السوري من حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له أردوغان، ولطالما أيد موقفاً أقرب إلى سياسة “صفر مشاكل مع الجيران” منذ بدايات حكومة حزب العدالة والتنمية. فقد أظهر استطلاعٌ للرأي أجري في انتخابات عام 2011 أن 83% من العلاهيين في هاتاي صوتوا لصالح حزب الشعب الجمهوري.

مما أعطى زخماً إضافياً للفرضية التي تقول أن من مصلحة حزب العدالة والتنمية زعزعة التوازن الحالي للسلطة السياسية في الولاية.

التدخل السياسي

يبدو أن أنقرة لا تفعل سوى هذا فحسب، ففي عام 2013، أعادت رسم حدود الولاية، حيث ضمت المناطق العلاهية معاً تحت اسم واحد، ديفنه، في حين أدرجت باقي المناطق السُنية تحت أنطاكيا. انتُقد هذا التصنيف، الذي أوضحت السلطات أنه مجرد تبسيط بيروقراطي، على نطاقٍ واسع باعتباره محاولةً لإثارة التوترات الطائفية.

كما وجهت لأردوغان إنتقاداتٌ في مناسباتٍ عديدة في أعقاب الهجمات الإرهابية لتسليطه الضوء على الضحايا من السُنة. ففي مايو 2012، وبعد انفجار سيارتين مفخختين في الريحانية في هاتاي، استنكر أردوغان مقتل “53 مواطناً سُنيّاً،” مما أثار غضب السكان المحليين في المدينة من عرقياتٍ مختلفة بسبب رسالته الطائفية الواضحة. فالإنقسامات الطائفية، حتى مع الأكراد في البلاد الذين يشكلون ما نسبته 15-20% من السكان، ستُفيد حتماً، وبشكلٍ من الأشكال، الأغلبية السُنية، كما أن من الواضح أن أنقرة لن تتردد في استخدام هذه الانقسامات لمصلحتها.

وعلاوة على ذلك، يُشكك العديد من العلاهيون في هاتاي بتدخل أنقرة في الولاية ويشعرون أن توطين الآلاف من اللاجئين السُنة في المنطقة ما هو إلا مجرد محاولة محسوبة للحد من نفوذهم السياسي، لا سيما أن حزب العدالة والتنمية لا يمتلك قاعدةً أيديولوجية قوية هناك.

فلا يتعلق الأمر بكون سكان هاتاي المحليين يملكون بالفعل سبباً يدفعهم لكره جيرانهم الجدد. فكما هو الحال في لبنان والأردن، تعاني الخدمات العامة في هاتاي للتأقلم مع تدفق اللاجئين. فالمدارس والمستشفيات تتحمل عبئاً كبيراً بالفعل، كما باتت التوترات بين السكان المحليين واللاجئين أكثر انتشاراً. وفي هاتاي، البعيدة كل البعد عن المراكز الصناعية التي تحفز النمو الاقتصادي في تركيا، هناك شكوى تنتشر بين السكان المحليين بحصول اللاجئين السوريين على المال كل شهر إما من الأمم المتحدة أو عن طريق الحكومة التركية في حين لا يحصلون هم على أي شيء.

Sources: Wikipedia, worldatlas.com, looklex.com, unchr.com, WorldBank Data. @Fanack

ولكن حتى مع وجود مثل هذه التربة الخصبة لنمو العنف الطائفي، نجت هاتاي إلى حدٍ كبير من عدم الاستقرار الذي أثر على أجزاء كبيرة من المنطقة. ومن المفارقات أنه كلما اقتربت الولاية من الحرب، كلما كان هذا نتاج تصرفات الحكومة التركية نفسها.

ولاية تحت التهديد؟

وبصرف النظر عن ديناميكياتها الداخلية، جذبت هاتاي اهتمام أنقرة، دون أي مبرر، لأسبابٍ أخرى. فعلى نحو متزايد، اعتبرت الولاية جبهةً جديدة في الحرب ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني. فعادةً، كان يحدث معظم القتال في خضم هذا التمرد شرقاً، وخاصة نحو الحدود مع العراق. بيد أن الحرب في سوريا سمحت للجماعات الكردية بالسيطرة على الأراضي بإسمها، وبالتالي أصبح تدفق الأسلحة عبر الحدود أسهل بكثير.

كما تقع بلدة عفرين التي يسيطر عليها الأكراد على الجانب الآخر من الحدود لهاتاي، مما يثير المخاوف من توغل حزب العمال الكردستاني. وفي عام 2017، أعلنت أنقرة ولاية هاتاي منطقةً أمنيةً خاصة، حيث شن الجيش التركي غاراتٍ على مقاتلين أكراد متحصنين في جبال الأمانوس. وقد تم تسليط الضوء مرة أخرى في يناير 2018 على التهديد الذي يُشكله حزب العمال الكردستاني وشركاؤه السوريون، ضد هاتاي، وذلك عندما هاجم الجيش التركي والقوات المدعومة من تركيا عفرين. ومن الصعب القول إذا ما كان التهديد مبالغاً فيه لتبرير عملية عفرين، ولكن مرةً أخرى وجدت هاتاي نفسها، دون أن ترتكب أي أخطاء، قاب قوسين أو أدنى من الحرب.