وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حزب الله وثمن دعم الأسد

Hezbollah declining popularity
Tتشييع جثمان أحد أعضاء حزب الله الستة الذين قتلوا في غارة للجيش الاسرائيلي على مرتفعات الجولان السورية، في قرية عربصليم الجنوبية، لبنان، 20 يناير2015. Photo AP/Mohammed Zaatri

انخرط حزب الله الشيعي اللبناني لأكثر من عامين في أحد أعنف الصراعات في المنطقة، وقد أدى هذا إلى إضعافه بشكل كبير على المديين المتوسط والطويل. فقد تضاءلت شعبية وشرعية الحزب على حد سواء بسبب تورطه في سوريا منذ عام 2012 حيث يُقاتل أفراده إلى جانب قوات بشار الأسد. هذا وكانت شعبية الحزب قد ازدادت خلال التسعينات ومنذ أوائل القرن الواحد والعشرين بعد سنوات من الصراع العنيف ضد اسرائيل بالنيابة عن “الأمة العربية” و”الانتصارات” العديدة التي حققها والتي من بينها نصر عام 2006، الذي أطلق عليه زعيم الحزب- حسن نصر الله اسم “النصر الإلهي.

” وفي الواقع، بلغت سمعة “المقاومة” كما كانت تُسمى آنذاك من قِبل المواطنين ووسائل الإعلام، والملوك، ورؤساء الدول في جميع أنحاء المنطقة، ذروتها التاريخية في أعقاب تلك الحرب، في منطقة يقطنها أكثر من 300 مليون نسمة. حتى أنّ البعض بات يُقارن بين زعيم الحزب الذي يتمتع بشخصية آسرة وزعيم الأمة العربية الراحل جمال عبد الناصر.

أما اليوم، فقد تغيّر المشهد إلى حدٍ كبير، فلم يعد حزب الله، بالنسبة للعديد من اللبنانيين وغيرهم من العرب وبخاصة السُنة، فضلاً عن العلمانيين، وبما في ذلك الحلفاء المحوريين السابقين مثل حركة حماس الفلسطينية، الرمز الأسمى للمقاومة المسلحة ضد العدو الاسرائيلي. عوضاً عن ذلك، بات يُنظر إليه باعتباره ميليشيا متحالفة مع الثوريين الإسلاميين في طهران والعلويين في دمشق، ممن يحاربون الشعب السوري وكذلك أهل السُنة في المنطقة. ويعتبر هذا الإدعاء المتكرر، على سبيل المثال، من رجال الدين السُنة اللبنانيين والسياسيين من تيار المستقبل، فضلاً عن المعارضين السوريين والسعوديين. ومن منظور أقل طائفية، يُقال أن حزب الله يرفض التطلعات الديمقراطية لثوار “الربيع العربي.”

وبالإضافة إلى تراجع شعبية حزب الله، فقد كلّفه دعمه غير المشروط للأسد خسائر بشرية كبيرة. وتُشير التقديرات إلى أنه من بين حوالي 5000 مقاتل شاركوا في الحرب في سوريا، ما بين 500 إلى 1000، أو 10%-20% منهم لقوا حتفهم في غضون السنوات الثلاث الماضية.

ومن العواقب الأخرى لتحالف حزب الله مع الأسد، الزيادة المفاجئة في انعدام الأمن بين عامي 2013 و 2014 في معقل الشيعة في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، والتي تعتبر الآن آمنة نسبياً، وذلك بفضل التدابير المتشددة التي اتخذها الجيش اللبناني والحزب. فقد شهد الحي العديد من التفجيرات والعمليات الارهابية بقيادة إسلاميين يتبعون لـ”جبهة النصرة“, الفرع السوري لتنظيم القاعدة، وغيرها من التنظيمات الإسلامية.

تسببت هذه العمليات بنشر الذعر بين القاعدة الشعبية للحزب، وكانت بمثابة ضربة قوية لأسطورة الأمن الصارم لحزب الله، الذي لم يسبق اختراق محيطه قط منذ تأسيسه عام 1982 (باستثناء الغارات الجوية من قِبل اسرائيل عام 1992). ومن بين 20 سيارة مفخخة، وغيرها من عمليات اغتيال السياسيين التي هزت لبنان بين عامي 2005 و2012، تم أكثر من النصف في الأحياء المسيحية، في حين ينقسم ما تبقى حصراً بين الأحياء السُنية والمناطق التي تشهد تنوعاً طائفياً.

أكثر ضعفاً في الجنوب؟

ثمن جوهري آخر دفعه حزب الله بسبب تدخله العسكري في سوريا، وذلك وفقاً لمعارضيه والعديد من المحللين، فقدانه سبب وجوده الأساسي، ألا وهو النضال ضد اسرائيل. بل والأهم من ذلك، عدم قدرته في الوقت الحالي، من ناحية فنية وعكسرية، على إدارة جبهتين وإضعاف وجوده في الجنوب أمام الدولة اليهودية.

وتوضح حادثة يناير 2015 في هضبة الجولان هذا القصور، الذي تفاقم بسبب حذر الحزب التكتيكي. فقد داهمت قوات الجيش الإسرائيلي المنطقة، مما أسفر عن مقتل جنرال في الحرس الثوري الإيراني وستة من مقاتلي حزب الله. وأعقب هذه العملية رد فعل محدود جداً من الحزب الشيعي.

ومن وجهة نظر استراتيجية، يُفضل حزب الله في الوقت الراهن الدفاع عن النظام السوري على أي اعتبار آخر، ذلك أن الأخير يعتبر الركيزة الأساسية (على الرغم من هشاشتها الشديدة في الوقت الحالي) للجسر الذي يربط طهران ببيروت. وفي الواقع، قد يكون لسقوط النظام انعكاسات سياسية وعسكرية خطيرة على الحزب، الذي يتم تزويده بالأسلحة وغيرها من أنواع المساعدات عبر دمشق.

ولا يزال خطر المواجهة المباشرة محدوداً على المدى القصير، على الرغم من الحادثة الأخيرة التي وقعت في الجولان. كما ترغب أيضاً الدولة اليهودية، التي تعتبر الاستقلال في مجال الطاقة من الأولويات الوطنية، تجنّب التصعيد خوفاً من تعريض التنقيب في حقول الغاز البحرية في الجنوب والتي تقع جميعها بالقرب من الحدود اللبنانية للخطر.

ومع ذلك، لا يزال حزب الله مستهدفاً في السياق الحالي، وربما في حال اندلاع حرب جديدة في لبنان، سيكون تحقيق النصر أكثر صعوبة، وذلك بشكلٍ أساسي بسبب انخراط العديد من مقاتلي الحزب في سوريا.

الاتفاق مع إيران- خطوة جيدة؟

ومع ذلك، يرى العديد من المحللين أنّ اندلاع حرب جديدة أمر غير مُحتمل، خاصة بعد الاتفاق التاريخي الذي تم التوصل إليه في جنيف بين إيران والقوة الغربية (5+1) في 14 يوليو 2015. وبالفعل، قد يفتح هذا الاتفاق آفاقاً جديدة، وفقاً لمسؤولين أمريكيين وإيرانيين، وبالتالي قد يؤدي إلى مصالحة أو لربما تحالف واسع النطاق لمحاربة الدولة الإسلامية والجماعات الإرهابية الأخرى في الشرق الأوسط.

ونظراً لهذا الوضع، ستنخفض بلا شك تكلفة دعم النظام السوري، ما لم تصر القوى الغربية على أن رحيل بشار الأسد ونزع سلاح الميليشيات الشيعية يعدّ جزءاً من الاتفاق مع طهران.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles