وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في اليمن، وقف إطلاق النار في الحديدة معلّقٌ بخيطٍ رفيع

الحديدة
يمني يمسك بسمكة صيد في سوق في منطقة خوخا في محافظة الحديدة الغربية ، في 21 يناير 2019. Photo AFP

خلال المفاوضات في ستوكهولم، السويد في ديسمبر 2018، وافق المتمردون الحوثيون والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والمدعومة من التحالف بقيادة السعودية، على وقف إطلاق النار في مدينة الحديدة الساحلية.

ومع دخول 70% من البضائع إلى اليمن عبر ميناء الحديدة، منع وقف إطلاق النار، بشكلٍ فعال، 22 مليون شخص من الموت جوعاً. كما أيد الخبراء وجماعات حقوق الإنسان المفاوضات لإرساء برنامج عملٍ لمحادثاتٍ أكثر طموحاً في المستقبل. ومع ذلك، يمكن أن يتلاشى كل هذا التقدم إذا ما انهار وقف إطلاق النار.

وإلى الآن، هناك عدة أسبابٍ تدعو للقلق. فبعد ساعاتٍ قليلة من بدء الهدنة في منتصف ليلة 18 ديسمبر، وردت تقاريرٌ عن وقوع اشتباكاتٍ بين الحوثيين ومقاتلي التحالف. ولا تزال الانتهاكات مستمرة، إلا الأمم المتحدة تصر على أن الهدنة لا زالت قائمة، لأن أياً من الطرفين لم يحاول الاستيلاء على الأراضي.

ومع ذلك، لم يكن حجم الاشتباكات واضحاً ذلك أن فريق الأمم المتحدة للمراقبة، الذي وافق عليه مجلس الأمن في يناير 2019، لم يجهز تماماً بعد. وأشار بيتر ساليسبري، أحد كبار المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير ربحية مقرّها بلجيكا تقدم تحليلاً للصراع، إلى أن المشكلة الرئيسية في اتفاق ستوكهولم هي عدمو وجود توافقٍ في الآراء حول قواعد وقف إطلاق النار.

فقد كتب ساليسبري في تقرير مجموعة الأزمات الدولية الذي نُشر في يناير: “خلافاً لمعظم اتفاقات وقف إطلاق النار، لم يتضمن هذا الاتفاق تفاصيل تقنية عن نطاق أو طبيعة أو مدة وقف الأعمال العدائية؛ وتعريف خرق إطلاق النار؛ أو آلياتٍ لوقف القتال بسرعة إذا ما انفجرت الأوضاع من جديد.”

كما قال ساليسبري إن الحوثيين هم أكبر عقبة تقف في وجه وقف إطلاق النار حيث أن شروط الاتفاق تتطلب من الميليشيا الشيعية الزيدية إعادة نشر قواتهم من ثلاثة موانىء رئيسية على البحر الأحمر. وعندها فقط يمكن أن تتم سلسلة من عمليات إعادة الانتشار بين قوات التحالف والحوثيين، ونزح السلاح بفعالية من المدينة.

ويقال إن العديد من اليمنيين يشككون في أن الحوثيين سيقومون بالفعل بإعادة الانتشار، كما وعدوا بالقيام بذلك. تعود جذور مخاوفهم إلى الأحداث التي وقعت في سبتمبر 2014، عندما استولى الحوثيون للتو على العاصمة صنعاء والمحافظات الشمالية الأخرى، ومع ذلك، وقعوا اتفاقية سلام وشراكة وطنية تطالبهم بالانسحاب إلى الجبال، الأمر الذي لم يفعلوه قط.

Yemen War 2019 AR3000
المصادر: Wikipedia, and al-Jazeera. اضغط للتكبير. @Fanack ©Fanack CC BY 4.0

وبدلاً من ذلك، قالت الميليشيا إن الرجال في نقاط التفتيش في صنعاء لم يكونوا مقاتلين تابعين لهم، بل مؤيدين حوثيين من “لجانٍ شعبية” مستقلة، بحسب ما كتب ساليسبري.

أما لجنة تنسيق إعادة الإنتشار التي ترأسها الأمم المتحدة، والتي يرأسها الجنرال الدنماركي مايكل أنكر لوليسغارد، فتترتب عليها مهمة الإشراف على إعادة الإنسحاب. وفي 16 و17 فبراير، حققت لجنة تنسيق إعادة الإنتشار تقدماً كبيراً عندما اجتمعت مع مسؤولين حكوميين يمنيين وممثلين عن جماعة الحوثي.

وافق الطرفان في النهاية على تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق ستوكهولم، والتي من شأنها أن تشهد انسحاب الحوثيين من موانىء الحديدة والصليف ورأس عيسى، لتقوم بعدها الحكومة بإعادة الانتشار من الضواحي الشرقية للمدينة. كما ورد أن مصدراً من الأمم المتحدة قال إن الطرق الرئيسية التي تربط الحديدة بصنعاء ومدينة تعز سيُعاد فتحها كجزء من الصفقة.

كما أبلغ مارتن غريفيث، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مجلس الأمن الدولي أن عمليات الانسحاب ستتم خلال أسبوعين. وفي حال لم يحصل ذلك، حذر المجلس من أنه سيتخذ إجراءاتٍ عقابية ضد أي طرف ينتهك شروط وقف إطلاق النار.

ومع ذلك، لم يأخذ أي من الطرفين التهديدات على محمل الجد. ففي 19 فبراير، وبعد يومين من لقاء الأطراف مع لجنة تنسيق إعادة الإنتشار، قُتل ثمانية أشخاص وجُرح عشرة آخرون بعد أن ضربت قذيفة مدفعية سوقاً في التحيتا في الحديدة. وبعد ثلاثة أيام، هاجم الحوثيون قوات التحالف بالقرب من مستشفى 22 مايو في شرق المدينة. وقال شاهد عيان إن رجلاً وامرأتان قتلوا في الاشتباكات.

كما أخبر أحد قادة التحالف صحيفة ذا ناشيونال، منفذٌ إخباري إماراتي مملوك للحكومة “شنّ الحوثيون هجوماً كبيراً استهدف مواقعنا التي يسيطر عليها مقاتلونا في شارع الخمسين، مستخدمين الأسلحة الثقيلة والمدفعية وقذائف الهاون وقذائف الآر بي جي.”

كما صرحت ليز غراندي، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، بأن “هذه الهجمات غير معقولة.” وأضافت “تواجه البلاد أسوأ أزمة أمن غذائي في العالم ومع ذلك يستمر القتل. يجب على أطراف النزاع بذل كل جهد ممكن لحماية المدنيين.”

وبدلاً من ذلك، يستمر الجانبان في تبادل إلقاء اللوم. فقد أخبر الناطق باسم الحوثيين قناة الحرة أن بعض المحللين في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون كانوا “متشككين” فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق ستوكهولم، بيد أنه لم يذكر أي تفاصيل باستثناء القول بأن الإشتبكات ينبغي أن تتوقف قبل انسحاب أي شخص.

في هذه الأثناء، تلوم وسائل الإعلام الممولة من السعودية والإمارات، بشكلٍ صريح، الحوثيين لخرقهم شروط وقف إطلاق النار. ففي 25 فبراير، انتقدت صحيفة الشرق الأوسط التي تمولها السعودية الحوثيين لتأخرهم في تنفيذ اتفاقية ستوكهولم.

وفي مقابلة مع الصحيفة، قال الحسن طاهر، محافظ الحديدة، “لم يحترم الحوثيون اتفاقاً ينص على أن على الميليشيا سحب قواتها على بعد خمسة كيلومترات من موانىء الصليف ورأس عيسى كجزءٍ من المرحلة الأولى لتنفيذ اتفاقية ستوكهولم.”

وعلى الرغم من الإخفاقات، جادل ساليسبري بأن هذه هي آخر فرصة للأمم المتحدة للتوسط في السلام في اليمن. وفي شهر يناير، أشار إلى أن وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس قام بإجراء مكالمة هاتفية “في الرمق الأخير” لإقناع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بقبول شروط وقف إطلاق النار.

إلا أن وزير الخارجية الأمريكي الجديد، مايك بومبيو، يبدو أقل استعداداً للضغط على الرياض في المستقبل، خاصة وأنه ينظر إلى اليمن من منظور محاربة إيران. ومع ذلك، فإن الحوثيين من يعيقون تنفيذ اتفاقية ستوكهولم. وإن لم يتراجعوا في القريب العاجل، فإن صبر السعوديين والإماراتيين قد ينفد.