وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

تونس: عصر الديمقراطية أم الإرهاب؟

Tunisia terrorist attack in Sousse
علی فندق ريو امبريال مرحبا في سوسة, تونس, 3 يوليو 2015. Photo Chedly Ben Ibrahim / Demotix

“منارة الأمل تحتضر،” “احتجاجات الربيع العربي لم تكن استثنائية،” بهذه الكلمات استقبل خبر الهجوم الإرهابي في 26 يونيو 2015 على منتجع سياحي في مدينة سوسة الساحلية. تعتبر مجزرة فندق ريو إمبريال مرحبا، والتي أسفرت عن مقتل 38 شخصاً، حتى الآن أكثر الهجمات دموية في تاريخ البلاد الحديث. فقد عكس ذلك تصاعداً في أعمال العنف ذات الدوافع الدينية، وذلك عقب الهجوم على متحف باردو في 18 مارس والذي أسفر عن مقتل 22 شخصاً، لكنه أيضا بمثابة تذكير صارخ بتأثير عدم الاستقرار عبر الحدود الليبية وهشاشة ازدهار الديمقراطية في تونس.

تونس، التي تعتبر آمنة مقارنة بجيرانها من دول الربيع العربي، كانت قادرة على المضي قدماً من خلال ثلاث مراحل انتخابية (الجمعية التأسيسية والتشريعية والرئاسية – في جولتين)، إذ كان يُعتقد أن الانتخابات الرئاسية التي عُقدت في ديسمبر 2014 أعلنت نهاية الفصل الإنتقالي. وبعد ذلك، أعلنت الدولة عضواً في مجموعة الديمقراطيات، المشهود لهم في جميع أنحاء العالم. وأشار المحللون إلى نقاط الضعف في مجاليّ الأمن والاقتصاد، ولكن كان يُنظر إلى كلٍ من دعم المجتمع الدولي و”حكمة” المجتمع المدني التونسي والنخبة السياسية باعتبارهم الحصون ضد أي إساءة.

ولطالما كافحت البلاد، وعلى مدى فترات طويلة، الإرهاب، ولكن الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي في يناير 2011 فاقمت التهديدات. فقد قتل المتطرفون منذ ذلك الوقت أكثر من 60 من العناصر الأمنية والعسكرية، وبخاصة في منطقة الشعانبي الجبلية بالقرب من الحدود الجزائرية. ومع ذلك، وبالرغم من التقارير عن فشل هجمات على المنشآت المدنية والسياحية (اثنان في عام 2012، إحداهما في سوسة)، لم يكن يُعتبر المواطنون التونسيون أو السياح أو حتى المغتربين ضمن دائرة الخطر. ومع ذلك، كانت عملية إطلاق النار في متحف باردو بمثابة صفعة على وجه الكثيرين.

ففي 18 مارس، أي قبل يومين من عيد الاستقلال التونسي، اقتحم مسلحان المتحف الوطني في مجمع باردو البرلماني، حيث قتلا 22 شخصاً غالبيتهم من السياح قبل مصرعهما برصاص الشرطة. وقيل أنذاك أن المسلحين تلقيا التدريب والتسليح في ليبيا. في ذلك الوقت، اعتبر هذا أسوء هجوم إرهابي في تونس. وقام رؤساء دول وممثلين عن عشرات الدول بزيارة العاصمة تونس لإظهار تضامنهم. كما اتخذت الحكومة سلسلة من الإجراءات الأمنية لتعلن عودة الأمن إلى البلاد مرة أخرى.

وبعد ثلاثة أشهر، في 26 يونيو، دخل مسلح وحيد بهدوء إلى إحدى شواطىء سوسة وفتح النار على المصطافين الأوروبيين. وأفاد شهود عيان أن المسلح قام بإطلاق النار لأكثر من 30 دقيقة مما أسفر عن مقتل 38 سائحاً غالبيتهم من البريطانيين. وفي أعقاب المجزرة، أعلنت المملكة المتحدة تونس وجهة غير آمنة، ونصحت مواطنيها بمغادرة البلاد. وبعد فترة قصيرة، حذت كل من إيرلندا والدنمارك حذو المملكة المتحدة. وزعمت السلطات التونسية في وقتٍ لاحق أن سيف الدين رزقي، القاتل البالغ من العمر 23 عاماً، كان قد تلقى أيضاً تدريباتٍ في ليبيا.

وقد كشف هجوم سوسة ثلاث مشاكل، إذ بات تأثير الحرب الأهلية في ليبيا جلياً، إلا أنه أيضاً سلط الضوء على انتشار التطرف وسوء تنظيم قوات الأمن.

وبعد أيام قليلة، أعلنت الحكومة عن خطة لبناء حاجز دفاعي بين تونس وليبيا، والذي سيتكون من خنادق وجدران رملية، وأبراج مراقبة وغيرها من التحصينات، مما سيساعد تونس في السيطرة على حدودها البرية. ولا يزال طول جدار الجفارة (الذي سمي على اسم المنطقة الواقعة بين ليبيا وتونس) أو حتى تكلفته غير معلوماً، فضلاً عن تباين التصريحات الرسمية، ولكن يُقال أن أعمال البناء جارية.

ولم تلقى هذه الخطة الكثير من الترحيب، سيما من قِبل سكان تونس الجنوبيين الذين يعتمدون بشكل كبير على التجارة غير الرسمية مع ليبيا. في حين عبّر آخرون عن قلقهم من أن الجدار قد يؤدي إلى تشتيت العائلات المشتركة على الحدود والروابط الشخصية. واستجابت “فجر ليبيا،” إحدى الحكومتين التي تتنافس على السلطة في طرابلس، لهذا الإعلان عن طريق إصدار بيان اتهمت فيه السلطات التونسية بمحاولة إعادة رسم الحدود وسرقة النفط في ليبيا وهددت بالرد.

وفي حين تشّكل الاضطرابات في ليبيا مشكلة حقيقية، إلا أنها تخفي خلفها مشاكل داخلية: فمعظم الإرهابين في تونس مواطنون تونسيون، وعلى الرغم من أنهم يعبرون الحدود إلى ليبيا لتلقي التدريب، إلا أنهم في النهاية يملكون الحق في العودة إلى ديارهم. وبدلاً من إقصاء الخطر الخارجي، سيعمل جدار الجفارة على الأرجح في مفاقمة الخطر في الداخل ذلك أن التطرف، الذي تعتبر أسبابه معقدة، ينمو بين جيل السكان الأصغر سناً.

في الواقع، أصبح تطرف الشباب في تونس التحدي الأكبر. بل أنّ العديد من الشباب التونسي الذي تلقى تعليمه في ظل أيديولوجية خالية من الديكتاتورية، لم يطوّر أي شعورٍ بالإنتماء للدولة التونسية. بل في واقع الأمر نشأوا ممتعضين منها، وعندما اندلعت الثورة في البلاد كانوا وقودها. ولم يخمد استياؤهم بالإطاحة ببن علي، حيث استمر شعورهم بالتهميش وحتى شعورهم بالخيانة من قِبل النخبة السياسية.

ومن جهةٍ أخرى، فإن 50% مما يقارب الـ800,000 عاطل عن العمل في تونس من الشباب. وتعتبر المناطق المهمشة على وجه التحديد الأكثر تضرراً، حيث ترتفع نسب البطالة في كل من محافظات جندوبة والقصرين وقفصة وتوزر. وعلاوة على ذلك، يعتبر الشباب ممن يحملون شهادات جامعية الأقل حظاً في العثور على وظائف، ومع عدم تحسن وضعهم الاجتماعي- الاقتصادي بعد الثورة، تضاعف غضبهم. إنّ مثل هذا اليأس ما تستغله الجماعات الإرهابية مثل “داعش” للتمدد.

ويبدو أن قوات الأمن غير قادرة على احتواء هذه التهديدات، ذلك أن قوة الشرطة الفاسدة توظف نفس الأساليب الوحشية التي كانت مستخدمة في ظل الدكتاتورية: الاعتقالات العشوائية والتعذيب، وعدم احترام سيادة القانون. وهناك مخاوف من أنّ هذه الأساليب تعجّل الانهيار السياسي التام وتدفع الكثيرين إلى البحث عن بديل في الدولة الإسلامية “مملكة السماء” التي تعتبر على أرض الواقع أكثر وحشية إلا أنها تدعي أنها أكثر عدلاً.

فضلاً عن ذلك، فإن الشرطة التونسية تفتقر إلى التدريب الجيد، فضلاً عن افتقارها إلى الأدوات الاستراتيجية والتنظيمية. بل أن حقيقة القدرة على تنفيذ هجومين مدمرين، مثل الهجوم على متحف باردو ومنتجع سوسة، في مثل هذه المناطق تحت الحراسة المشددة أثارت تساؤلات جدية حول كفاءة التدريب والقدرات القيادية. وبعد الهجوم في سوسة، صرح مكتب وزارة الخارجية البريطانية والكومنولث في نصائح السفر أنّ “التدابير الحالية غير كافية ولا تؤمن الحماية الملائمة للسياح البريطانيين في تونس حالياً.”

ومع تلبد الغيوم إيذاناً بهبوب العاصفة، يحتاج التونسيون إلى دعم المجتمع الدولي أكثر من أي وقتٍ مضى. كما أن عدم القدرة على تجاوز الأحداث الأخيرة لا يمكن أن يهدد الديمقراطية في البلاد فحسب، بل أيضا وجودها كدولة. إنّ فشل تونس سيؤدي إلى صب الزيت على النار المشتعلة بالفعل في ليبيا بسبب الحرب الأهلية، أي على بُعد بضعة كيلومتراتٍ إلى جنوب أوروبا عبر البحر المتوسط.

user placeholder
written by
veronica
المزيد veronica articles